تبدو بريطانيا، في ظل التباين في المواقف بين مسؤوليها إزاء كيفية التعاطي مع روسيا نتيجة استمرار دعمها لنظام بشار الأسد والتغطية على جرائمه في سورية، أقرب إلى اعتماد دبلوماسية "عرجاء"، وسط توقعات بأن تنعكس التباينات على العلاقة بين رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ووزير الخارجية بوريس جونسون.
وفي السياق، ترى صحيفة "ذا صن" البريطانية أن صواريخ "توماهوك" الأميركية التي ضربت مطار الشعيرات السوري، أحدثت انشقاقاً عميقاً في صفوف الحكومة البريطانية.
بينما ترفض ماي التصعيد مع روسيا أو الانخراط في مواجهات عسكرية في سورية، يُصر جونسون ووزير الدفاع مايكل فالون على تشديد العقوبات على روسيا، والانخراط أكثر في فلك سياسة الولايات المتحدة. وتقول الصحيفة إن هذا التباين، دفع مكتب رئيسة الوزراء إلى ممارسة الضغوط على جونسون لإلغاء زيارته إلى موسكو قبل أيام لتفادي أي أزمة قد يثيرها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
ويظهر التعارض بين ماي وجونسون، الذي ضمته إلى حكومتها لتجنب نيران مشاغباته، في مسألتين. الأولى معارضة ماي التصعيد مع روسيا، في مقابل جونسون الذي سعى لحشد الدعم من أجل فرض عقوبات دولية جديدة ضد روسيا خلال اجتماع مجموعة السبع الذي استضافته إيطاليا. وتعارض ماي الانخراط في أي تدخل عسكري مباشر في سورية، في مقابل جونسون الذي يقترب أكثر من ضرورة مساندة الإدارة الأميركية في حال استدعى الأمر توجيه المزيد من الضربات العسكرية للنظام السوري.
ثانياً، بينما يبدو موقف ماي من "عدم التصعيد مع موسكو" منسجماً مع الموقف البريطاني الذي وضعت لجنة برلمانية في مجلس العموم البريطاني خطوطه العريضة في تقرير بعنوان "حول آفاق تطوير العلاقات الروسية البريطانية"، وتضمن توصية بعدم اعتبار "روسيا عدوة لبريطانيا"، و إجراء "حوار حذر" من أجل تحسين العلاقات مع موسكو، التي تدهورت إلى أدنى مستوى لها منذ انتهاء الحرب الباردة، تأتي نبرة جونسون خارجة عن نص التقرير الذي انتقد نهج وزارة الخارجية البريطانية بإدارة بوريس جونسون تجاه روسيا، ودعا وزارة الخارجية البريطانية إلى إجراء حوار بناء مع روسيا، معتبراً أن غياب مثل هذا الحوار يدل على"قصر نظر" من جانب لندن.
ويرى مراقبون في لندن أن الفارق بين ماي وجونسون، في تقدير الموقف من موسكو، يكمن في إدراك رئيسة الوزراء لحجم التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأهمية روسيا "في تجاوز تلك الصعوبات" كشريك تجاري مُحتمل، وجسر تجاري مفتوح على القوى الاقتصادية العالمية الناشئة في الشرق والغرب، يُمكن الاستفادة منه بعد خروج "قاس" لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في المقابل لا تتجاوز تصريحات جونسون الانفعالية التي تطغى إلى حد كبير على شخصيته وتصرفاته، لا سيما أن مواقفه من روسيا ومن الأزمة السورية قد تأرجحت من كيل المديح لدور موسكو في سورية، إلى اعتبار روسيا دولة مارقة، ومن الإشادة بدعم فلاديمير بوتين للرئيس الأسد، إلى وصف من يدعم الأسد بـ"مجرم حرب".
أما في ما يتعلق بعودة بريطانيا إلى حالة الدوران في فلك السياسة الأميركية، كما يطلب وزيرا الخارجية والدفاع في الحكومة البريطانية، فقد سبق لرئيسة الوزراء، أن أعلنت خلال زيارتها الأخيرة إلى واشنطن، وقبيل لقاء جمعها مع الرئيس دونالد ترامب، أن لا عودة إلى نموذج علاقة جورج بوش الابن وتوني بلير.
وتُدرك ماي، أكثر من جونسون، أن بريطانيا ليست في وضع يسمح لها بفتح جبهات خارجية، بينما تواجه مشاكل داخلية ليس أقلها حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الاقتصادي منذ صوت 52 في المائة من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو/ حزيران الماضي. كما أن بريطانيا ليست على استعداد لخوض أي مغامرات عسكرية إلى جانب الولايات المتحدة بعد تجربة غزو العراق في العام 2003.
قد لا يكون التباين، الذي طفا على سطح العلاقة بين جونسون ورئيسته خلال الأيام القليلة الماضية، أصاب جونسون في مقتل، كما تُرجح بعض الأوساط السياسية في لندن، لكن ردة فعل ماي تركت لدى جونسون انطباعاً أنه لم يعد يحظى بالثقة الكافية من قبل رئيسة الوزراء. وربما تكون اللحظة التي لمّحت لها ماي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما استخدمت أثناء حفل تسليم جوائز تنظمه مجلة "سبكتيتر" رسماً كاريكاتورياً مع تعليق "بوريس، تم قتل الكلب... عندما قرر سيده أنه لم يعد نافعاً"، قد اقتربت.