وكشفت مصادر بالحركة مطلعة على تفاصيل المشاورات مع الجانب المصري لـ"العربي الجديد"، بعضاً من كواليس القرار الخاص بإطلاق سراح أعضاء الحركة المحتجزين لدى السلطات المصرية. وأوضحت أن من تم إطلاق سراحهم ودخلوا قطاع غزة برفقة القيادة العسكرية للحركة، الخميس الماضي، بينهم 15 عضواً من النشطاء بالحركة والمقاتلين في سرايا القدس، مؤكدة في الوقت ذاته أنهم جميعاً دخلوا مصر بطريق رسمية وعبر حصولهم على كافة الموافقات قبل أن يفاجأوا بالقبض عليهم واحتجازهم في مقار أمنية من دون إخطار ذويهم.
وأشارت المصادر إلى أن بعضهم دخل مصر لتلقي العلاج في مستشفياتها، والبعض الآخر كان في طريقه للسفر إلى الخارج عبر مطار القاهرة الدولي بحكم أن مصر هي المخرج الخاص لأهالي القطاع إلى العالم الخارجي. ولفتت إلى أن باقي مَن أطلقت السلطات المصرية سراحهم هم من عائلات قيادات في الحركة وسرايا القدس، لكنهم ليسوا نشطاء بها، كاشفة أن من بينهم نجل قيادي بارز بالحركة في قطاع غزة.
وأشارت المصادر إلى أن إلقاء السلطات المصرية القبض على هؤلاء الأشخاص كان بمثابة المفاجأة غير السارة لقيادة الحركة، متابعة "الفترة الأخيرة شهدت فتوراً في العلاقات بين الحركة والقاهرة بسبب مطالب مصرية رأت فيها قيادة الحركة إخلالاً بالتوازن بشأن اتفاق التهدئة الذي تشرف عليه مصر بين فصائل قطاع غزة والاحتلال. وتابعت المصادر أن "المسؤولين المصريين ينظرون أخيراً للحركة على أنها هي التي تشعل الموقف في قطاع غزة من خلال التصعيد مع الاحتلال وإطلاقها الصواريخ صوب المستوطنات. وهو ما تراه الحركة حقاً مشروعاً في ظل الخروقات المتواصلة من جانب الاحتلال لاتفاق الهدنة الذي تشرف عليه مصر، بل وعدم التزامه بملحقات الاتفاق من أمور متعلقة بالوضع الخدمي لأهالي القطاع ومتطلباتهم".
وحول ما إذا كانت عمليات القبض على أعضاء الحركة تحمل رسائل سياسية لقيادتها من الجانب المصري، قالت المصادر "بالطبع هذا احتمال قوي، خصوصاً بعدما وصف مسؤولون مصريون بجهاز المخابرات العامة حركة الجهاد خلال لقاء لهم مع وفد لحركة حماس بالقاهرة، بالخارجة عن السيطرة".
وأضافت المصادر: "نحن بالطبع نقدّر لمصر دورها تجاه قطاع غزة والقضية الفلسطينية، ولكن هذا لا يعني أن نقف متفرجين أمام الاعتداءات من جانب جيش الاحتلال، وكان لا بد من أن تكون هناك قوة رادعة، ليعلم هذا الجيش أن الاعتداء على أهالينا وشعبنا في غزة لا يمر مرور الكرام، كما أن الحركة في كل تصعيد كانت تتمسك بأن يبدأ الاحتلال بتنفيذ اشتراطات الوساطات أولا قبل وليس نحن. وهو ما كان يزعج المسؤولين في مصر، بخلاف أن هناك في القاهرة من يرى في الحركة أنها تقوم بتصرفات من أجل خدمة أجندة خارجية"، مستدركة "هذا غير صحيح تماماً، نحن نتحرك في خدمة قضيتنا وشعبنا وتحرير أرضنا".
وحول كيفية كشْف الجانب المصري هوية مقاتلي سرايا القدس، اكتفت المصادر بالقول "مصر كما تنسق وتتوسط مع الفصائل الفلسطينية تنسق أيضا مع حكومة الاحتلال، وهذا أمر متفهم بالنسبة لنا"، متابعة "هؤلاء الأشخاص قُبض عليهم داخل الأراضي المصرية على غرار ما حدث مع أعضاء بفصائل أخرى، ولكننا كنا نتمسك بعدم التصعيد الإعلامي أو إثارة أزمة تقديراً لعلاقتنا بالقاهرة".
يذكر أن أحد الأجهزة الأمنية المصرية كشف عبر الإعلامي عمرو أديب بفضائية "أم بي سي مصر" عن إلقاء القبض على أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي في مصر بالقرب من ميدان التحرير، بادّعاء قيامه بتصوير تمركزات للشرطة المصرية في منطقة وسط البلد. وهو ما ردت عليه الحركة وقتها في بيان رسمي نفت فيه الاتهامات المصرية غير الرسمية، مؤكدة أنه دخل مصر بشكل رسمي وكان في طريقه للسفر إلى خارج مصر.
في مقابل ذلك، ذكرت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أن إطلاق سراح عدد من أعضاء ونشطاء حركة الجهاد ليس كما يصوره البعض بأن مصر أفرجت عن عناصر أضرّت بالأمن المصري، متابعة أن "هؤلاء كان قد تم توقيفهم من جانب أجهزة الأمن في مصر لحين التأكد من موقفهم وطبيعة وجودهم في القاهرة بعدما اتضح انتماؤهم لحركة الجهاد". وأضافت المصادر أن "هؤلاء لم يرتكبوا أعمالاً تضرّ بالأمن المصري"، لافتة إلى أن "بعضهم بالفعل كان في رحلة علاجية بالقاهرة، وآخرين كانوا في طريقهم للخارج بدعوى الدراسة، إلا أنه بعد التحقيق معهم اكتشفت أجهزة الأمن أنهم كانوا في طريقهم إلى دول بالنسبة لمصر معادية لتلقي تدريبات عسكرية هناك". وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية المصرية بناء على ما يصلها من معلومات من أكثر من مصدر تتحرك لحماية الأمن القومي.
أما على صعيد التفاهم مع وفد الحركة الذي زار القاهرة، فقالت المصادر إن "المشاورات كانت إيجابية للغاية على مستويات عدة، منها ما تعلق بالجانب الأمني على الشريط الحدودي، ومنها ما تعلق باتفاق التهدئة خلال الفترة المقبلة، بخلاف أمور أخرى متعلقة بالمصالحة الداخلية". وكانت مصادر خاصة مصرية قد أكدت في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "الملف الأهم على أجندة الاجتماعات بين الطرفين هو الدور الإيراني في المنطقة بشكل عام والملف الفلسطيني بشكل خاص".
وأضافت المصادر أن "هذا اللقاء تأخر لنحو أكثر من شهر بسبب تشدد من جانب قيادة حركة الجهاد بشأن مطالب مصرية متعلقة بملف الوساطة في اتفاق التهدئة في قطاع غزة، الذي يرعاه جهاز المخابرات المصري". وأشارت إلى أن "المسؤولين في الجهاز شدّدوا أكثر من مرة على قيادات الجهاد بضرورة عدم القيام بأدوار لصالح أطراف إقليمية لا تخدم القضية الفلسطينية وأهالي قطاع غزة، في إشارة إلى إيران، التي ترتبط بعلاقات قوية بحركة الجهاد".