خلافات المعارضة السودانية والمجلس العسكري تتسع: الإضراب لمواجهة التعنّت

الخرطوم

عبد الحميد عوض

avata
عبد الحميد عوض
22 مايو 2019
3190EEA9-49D7-4739-8918-7A5D45476998
+ الخط -
خيبة أمل جديدة أصابت السودانيين في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء، حين أعلن كل من المجلس العسكري الانتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير، فشلهما في التوصّل إلى اتفاق حول منصب رئيس مجلس سيادة مقترح تشكيله، وكذلك على نسب مشاركة العسكريين والمدنيين فيه، ما يترك المجال مفتوحاً أمام تداعيات عدة، خصوصاً بعدما أعلنت المعارضة نيتها اللجوء إلى التصعيد في الشارع عبر الإضراب العام والعصيان، بينما وعد المجلس العسكري بالاستمرار بمحاولات التوصّل إلى تفاهم مع القوى السياسية السودانية التي تفاوضه.
ويُعدّ منصب رئيس مجلس السيادة ونسب توزيع المقاعد في هذا المجلس، من أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين منذ بداية المفاوضات في 13 إبريل/ نيسان الماضي، والتي دشّنت بعد يومين فقط من عزل نظام الرئيس عمر البشير. ويصرّ المجلس العسكري على أن تكون الغلبة العددية داخل مجلس السيادة لصالح العسكريين، على أن يحتفظوا بمنصب رئاسة هذا المجلس، في حين تتمسّك قوى إعلان الحرية والتغيير بأن تكون الغلبة العددية لصالح المدنيين، والمداورة في رئاسة المجلس بين المدنيين والعسكريين. واستطاع المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، التوصل الأسبوع الماضي إلى اتفاق يتعلق بمهام وصلاحيات مجلس السيادة ومجلس الوزراء والبرلمان، خلال الفترة الانتقالية التي اتفق على أن تكون ثلاث سنوات. كذلك تمّ التوافق على منح قوى إعلان الحرية والتغيير حق تشكيل مجلس الوزراء، وكذلك حق تسمية ثلثي أعضاء البرلمان الانتقالي، فيما يترك الثلث الأخير للقوى السياسية الأخرى، التي لم تكن جزءاً من نظام عمر البشير.

وتباينت تداعيات ما بعد فشل المفاوضات تماماً بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير. ففي حين ذهب الأوّل إلى "التعهّد بالعمل سوياً للوصول إلى اتفاق يلبّي طموحات الشعب"، مضت الثانية إلى التلويح بسلاح التصعيد الثوري ضدّ المجلس العسكري، لحين تحقيق مطالب الثورة السودانية. وفي السياق، قال القيادي البارز في قوى إعلان الحرية والتغيير، محمد ناجي الأصم، في حديث مع "العربي الجديد"، بعد إعلان فشل المفاوضات، إنّ "الخطوات الجماهيرية في ميادين الاعتصام في الخرطوم والأقاليم متواصلة، وفي حال عدم حدوث تقارب مع المجلس العسكري يلبي مطالب الثورة، فإنّ تلك الخطوات ستصل أولاً إلى محطة الإضراب السياسي في القطاعات المهنية، وفي مرحلة ثانية وأخيرة العصيان المدني الشامل".
ولم يكن البيان اللاحق الذي صدر عن تجمع المهنيين السودانيين، دينامو الحراك الثوري، مختلفاً عما ذكره الأصم، إذ قال التجمّع إنّ "الجولة الجديدة من التفاوض انتهت يوم الثلاثاء، ووضح فيها تماماً أنّ المجلس العسكري لا يزال يضع عربة المجلس السيادي أمام حصان الثورة، ويصر على إفراغها من جوهرها وتبديد أهداف إعلان الحرية والتغيير وتحوير مبناه ومعناه".
وأضاف التجمع في بيانه "أنّ إعلان الحرية والتغيير الذي وقعت عليه القوى السياسية والمدنية والمهنية والحركات المسلحة، لمَّا وضع بند السلطة المدنية كجواب شرط للتغيير، لم يكن يرغب في أن يبدّل سلطة عسكرية قديمة بسلطة عسكرية جديدة، فالسلطة المدنية تعني أن تكون هياكلها مدنية بالكامل، وبأغلبية مدنية في جميع مفاصلها، بما في ذلك الشق السيادي فيها، على أن تقوم القوات المسلحة بحراستها وحمايتها كواجب عليها".


وأعلن التجمّع فتح ما سمّاه دفتر الحضور الثوري للإضراب السياسي العام، مؤكداً أن الترتيبات التي أقرها منذ بدايات الحراك الثوري تُستكمل من أجل تحديد ساعة الصفر وإعلان العصيان المدني والإضراب السياسي العام بجداول معينة. ودعا كل الجهات والمكونات للتواصل مع قيادات الإضراب في القطاعات المهنية والحرفية والخدمية كافة، والتي أعلنت بدورها جاهزيتها للتواصل من أجل التنسيق. وبعد إطلاق النداء من تجمّع المهنيين، أعلنت نقابات ومجموعات مهنية استعدادها لتنفيذ الإضراب السياسي، إذ أكّدت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان لها أن "الأطباء على أهبة الاستعداد لتنفيذ كل أشكال الإضراب، والتفرغ تماماً للعيادات الميدانية لمعالجة الجرحى والمصابين، وتحويل المرضى للعلاج في عيادات مؤقتة خارج مستشفيات وزارة الصحة، وذلك حتى الانتصار الكامل غير المنقوص لثورتنا الظافرة". كذلك، خرج موظفو بنوك من أمكنة عملهم معلنين تأييدهم للإضراب، مثل موظفي "البنك الفرنسي" الذين حملوا لافتات كتب عليها عبارة "الإضراب العام". كذلك أعلن تجمع التشكيليين السودانيين، في بيان، تسجيل نفسه لحضور كامل للإضراب الشامل، متى ما أعلن عنه تجمع المهنيين السودانيين.

وأعلن مهنيو شركة "بترو إنرجي" بحقل كيي، بدورهم، الاستعداد للمشاركة في الإضراب، في حين أصدرت السكرتارية التمهيدية لنادي أعضاء النيابة العامة بياناً قالت فيه إنها وضعت الإضراب الشامل قيد الدراسة. وفي محيط الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني، كانت ردّة الفعل على فشل المفاوضات وتعنّت المجلس العسكري في تسليم السلطة غاضبة جداً، وقد وصلت إلى حدّ توجيه انتقادات لقوى إعلان الحرية والتغيير لتراخيها مع المجلس العسكري، كما رأى البعض. لكن أحد المعتصمين، ويدعى سعيد نور الدين، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه لا يزال يحتفظ بالأمل والتفاؤل بحدوث اتفاق نهائي مع المجلس العسكري الانتقالي، رغم التعثّر الذي حدث في اليوميين الماضيين. وتوقّع تدخّل لجان وساطة وطنية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وحثهما على تبادل التنازلات، خصوصاً من جانب المجلس العسكري، الطرف الأحرص على عدم فقدان الدعم الدولي والإقليمي المرتبط بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. غير أنّ معتصمين آخرين، أعلنوا استعدادهم التام لتلبية أي دعوات من قوى إعلان الحرية والتغيير، بخصوص تصعيد المواجهة مع المجلس العسكري. وفي هذا الإطار، قال معتصم يدعى عبد المنعم بشير "نحن جاهزون للتظاهرات والإضرابات والاعتصامات، ومستعدون في سبيل تحقيق أهدافنا لدفع الثمن بضربنا أو اعتقالنا واستقبال الغاز المسيل للدموع كما كان يحدث لنا في السابق قبل سقوط البشير".
وأكد معتصم آخر يدعى محمد أنهم كمعتصمين لن يعودوا إلى منازلهم بعد أكثر من 5 أشهر في الشوارع والمعتقلات وميادين الاعتصام "ليحكمنا العسكر مرة أخرى"، مشدداً على ضرورة قيام سلطة مدنية كاملة، تعمل على "تصفية دولة نظام البشير العميقة، ومحاكمة رموز النظام البائد، وتهيئة البلاد لانتخابات حرة ونزيهة".
التباين في درجات التفاؤل والتشدد بين المعتصمين يشابه تماماً التباين بين القوى السياسية وقوى إعلان الحرية والتغيير على وجه التحديد. فالحزب الشيوعي يبدو إلى حد بعيد غير مطمئنّ إلى ما تمّ من تفاوض، ويسعى من خلال بياناته إلى التعبير عن رفضه لأي وجود عسكري داخل مجلس السيادة، كما يتشدد أكثر ضدّ فكرة رئاسة العسكريين لهذا المجلس. كذلك، لا يتردد الحزب المعروف بقدرته على الإمساك دوماً بخيوط اللعبة، في التهديد بالتصعيد الثوري والتعامل مع المجلس العسكري كسلطة انقلابية فقط، يمكن إسقاطها كما سقط البشير وبعده وزير الدفاع السابق عوض بن عوف.

لكن توجهات الشيوعي دوماً ليست محلّ ترحيب من أطراف أخرى داخل منظومة "الحرية والتغيير"، مثل حزب "الأمة" و"المؤتمر السوداني"، اللذين يصرّان على عدم الدخول في مواجهة مع المجلس العسكري، بل يطالبان بتطويع الأخير ليكون شريكاً أساسياً في عملية التغيير في البلاد. في السياق، رأى المحرّر العام لصحيفة "السوداني"، ياسر عبد الله، أنّ "طرفي المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير إذا لم يقدّما تنازلات سريعة ستسير الأمور لغير صالحهما". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "المجلس يواجه ضغوط الجيش الرافض لأن يرأس مدني رتباً رفيعة في القوات المسلحة عبر مجلس السيادة، بينما تواجه الحرية والتغيير ضغوط الشارع، الذي لا يرغب في مشاهدة عسكري جديد في منصب رئيس مجلس السيادة، وذلك بعد تجربة البشير".
وأوضح عبد الله أنه إذا فشلت المفاوضات وتمترس كل طرف عند رأيه "فمن المرجح أن يلجأ المجلس العسكري إلى خيار إجراء انتخابات خلال 6 أشهر، بينما ستلجأ الحرية والتغيير لخيار العصيان المدني الشامل". ولفت إلى أنّ "الطرفين يحاولان حتى الآن الاحتفاظ بشعرة معاوية بينهما"، مشيراً إلى أنّ "هناك لجاناً تعمل بين الطرفين، مكونة من 4 أشخاص؛ اثنين لكل طرف، تسعى لتقريب شقة الخلاف، وهذا أمر يتوقّع أن تظهر نتائجه في أقرب وقت".

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحم عناصر من قوات الدعم السريع عدداً من منازل المدنيين في ولاية الجزيرة بشرق السودان أواخر الشهر الماضي، ونفذوا انتهاكات كبيرة بحق السكان.
الصورة
مخيم نزوح في مدينة القضارف - شرق السودان - 14 يوليو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحذير جديد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، وسط حرب السودان المتواصلة، تشكّل "مزيجاً قاتلاً".
الصورة
توزيع مساعدات غذائية لنازحات من الفاشر إلى القضارف (فرانس برس)

مجتمع

ترسم الأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع في مدينة الفاشر السودانية، وتؤكد أن الخناق يضيق على السكان الذين يتعرّضون لهجوم من كل الجهات.
الصورة
متطوعون في مبادرة لإعداد وجبات طعام بود مدني (فرانس برس)

مجتمع

زادت الحرب في السودان عدد المحتاجين الذين وقعوا ضحايا للظروف السيئة وواقع خسارتهم ممتلكاتهم وأعمالهم واضطرارهم إلى النزوح.