لم تترك الإدارة الأميركية مجالاً للشك في حيادها اللفظي الأقرب عملياً إلى الموقف الروسي من الملف السوري، عندما دعت واشنطن وموسكو، أمس الاثنين، على لسان وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف، "المعارضة والنظام إلى التهدئة"، فوضعت الإدارة الأميركية المعارضة والشعب السوري الذي يتعرض للقتل في حلب خصوصاً، في مرتبة واحدة مع الطرف القاتل. موقف أميركي شهد ترجمته في جنيف أمس بلقاءت واتصالات كيري التي تصبّ جميعها في خانة إرغام المعارضة، بالقوة، ومن خلال جرائم حلب، على الإذعان والعودة إلى مشاورات الوقت الضائع في المدينة السويسرية. وتعرضت حلب لليوم الحادي عشر، لحملة قصف شرسة من طيران نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك في وقت تحدثت فيه موسكو وواشنطن عن قرب التوصّل لتفاهمات جديدة على صعيد التهدئة المؤقتة.
مع العلم أن قوات النظام أعلنت، أمس الاثنين، عن تمديد سريان "نظام التهدئة" حول العاصمة دمشق لمدة 48 ساعة أخرى. كما نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مسؤول عسكري روسي، قوله إن "المحادثات مستمرة بشأن ضمّ محافظة حلب إلى نظام التهدئة".
من جانبه، أكّد الوزير السعودي أنّ ما يحدث في حلب، يُعدّ انتهاكاً واضحاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الخاص بالأزمة السورية، مبيناً أنّ غارات النظام السوري على المدينة، تسببت في مقتل الأطفال والنساء، وعاملين في المجال الصحي. وأعرب الجبير عن أمله في تنحي الأسد عن منصبه بالطرق السياسية، لافتاً إلى أنه ستتم إزاحته بالقوة العسكرية في حال رفض الحل السياسي. وكرر تأكيده أن "المعارضة السورية ستنتصر على نظام الأسد إما حول طاولة المفاوضات، أو في ميدان القتال"، متهماً الأسد بـ"ارتكاب جرائم حرب في مدينة حلب"، ومؤكداً أن "دعم المعارضة السورية مستمر".
وكان كيري والجبير قد التقيا المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، كلٍّ على حدة. وقال كيري، عقب اللقاء، إن "الوضع في سورية أصبح في نواح عدة خارج السيطرة". وأشار إلى أن "الحكومة والمعارضة السورية ساهمتا في هذه الفوضى"، لكنه انتقد النظام السوري لـ"إطلاقه العنان لآلة القتل ضد الشعب السوري".
وأضاف أن "الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على وجود موظفين إضافيين في جنيف على مدار الساعة، للتأكد من وجود المزيد من المساءلة والقدرة على وقف الأعمال العدائية بشكل يومي". وتحدث كيري أيضاً عن "عدة مقترحات" على الطاولة، لكنه أضاف "لم نصل إلى شيء بعد". كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن "وزير الخارجية سيرغي لافروف سيلتقي دي ميستورا في موسكو، اليوم الثلاثاء".
من جهتها، أعربت فرنسا عن أملها في عقد اجتماع وزاري سريع للمجموعة الدولية لدعم سورية، أمس، "لإعادة تثبيت الهدنة" في حلب، داعية حلفاء دمشق الروس والايرانيين إلى ممارسة ضغوط على النظام السوري. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال، إن "فرنسا تدين بشدة هجمات النظام، التي تسببت بسقوط ضحايا كثيرين، وتدعو داعميه إلى تحمّل المسؤولية واستخدام نفوذهم لدى دمشق لإسكات الأسلحة". وأضاف أن "باريس تريد تنظيم اجتماع وزاري في أقرب الآجال للمجموعة الدولية لدعم سورية لاستعادة تثبيت الهدنة، وللتشديد على ضرورة حماية المدنيين وإعطاء فرصة للمفاوضات بهدف التوصّل إلى حل سياسي".
كما لا تتوقع مصادر المعارضة السورية بدء جولة رابعة من التفاوض مع النظام قريباً، إلا إذا أُزيلت الأسباب القديمة التي علّقت بسببها المعارضة مشاركتها في العملية التفاوضية، وفي مقدمتها التزام النظام بالقرارات الدولية، خصوصاً لجهة تحقيق تقدم حقيقي على صعيد فك الحصار عن مدن وبلدات سورية محاصرة من قبل قوات النظام ومليشيات طائفية، وتسهيل دخول المساعدات الانسانية، وإطلاق سراح المعتقلين، تحديداً الأطفال والنساء.
في هذا السياق، تفيد المصادر لـ "العربي الجديد"، أنها "بانتظار نتائج عملية إثر لقاءات كيري في جنيف، واتصالاته مع موسكو التي تشارك في العملية العسكرية في حلب ضاربة بعرض الحائط بالتزاماتها كراعٍ لعملية السلام في سورية". وترى أن "الأمر عبارة عن محاولات مكشوفة لشراء الوقت وتمكين نظام الأسد من تحقيق تقدم عسكري على الأرض، بمساعدة الروس والإيرانيين لإجبار المعارضة على العودة إلى طاولة التفاوض، والتوقيع على اتفاق يناقض تماماً مطالب الشارع المتمثلة بإزاحة الأسد عن السلطة، من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالية، تُشرف على كتابة دستور دائم للبلاد للتمهيد لإجراء انتخابات تضع سورية على سكة الديمقراطية".
من جهته، يستبعد رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض العميد أسعد الزعبي، أن "يتمّ تحريك المسار السياسي التفاوضي، بناءً على لقاءات كيري"، مضيفاً في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "ما يطرحه بعيد عن الحد الأدنى للقبول". ويرى الزعبي أن "الروس والأميركيين يحاولون احتكار كل الأسباب، ووضعها فقط في حلب"، لافتاً إلى أن "موسكو وواشنطن تحاولان خداع المعارضة من خلال ذلك".
كما يعتبر الزعبي أن "الطرفين الروسي والأميركي يحاولان التعتيم على الأسباب الحقيقية، التي دفعت المعارضة إلى تأجيل مشاركتها في مفاوضات جنيف، وفي مقدمتها تحقيق تقدم حقيقي على المسار الإنساني المتمثل بفك حصار المدن والبلدات وإدخال مساعدات إنسانية وإطلاق المعتقلين". لكن الزعبي يجزم بأن "موسكو وواشنطن لن تنجحا في تشتيت الانتباه إلى هذه القضايا المهمة".
في سياق متصل، يرى الناطق الرسمي باسم "الهيئة العليا للتفاوض"، المنبثقة عن المعارضة، رياض نعسان آغا، أنه "لا يُمكن أن تستمر المفاوضات، مع استمرار الهجوم على حلب وبقية المناطق، ومع استمرار الحصار، والامتناع عن ادخال المساعدات، ومع رفض النظام الإفراج عن المعتقلين، ورفضه تشكيل هيئة حكم انتقالية"، مشيراً في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن "الوضع الراهن بمجمله لا يمنح المفاوضات بيئة إيجابية".
من جهتها، أعلنت مجموعة من الفصائل العسكرية السورية، إعادة إحياء "جيش الفتح" الذي تشكل في بدايات العام الماضي، وحقق انتصارات كبرى على قوات النظام ومليشيات تساندها في شمال غرب سورية، ونجح في دحرها عن كامل محافظة إدلب وأجزاء واسعة من ريف حماة.
لكن مصدراً في الجيش السوري الحر قلل، في حديث مع "العربي الجديد"، من أهمية هذا الإعلان، مستبعداً فعالية قتالية من وراء عودة هذا الجيش بسبب "الخلاف العقائدي" بين أغلب هذه الفصائل، وتعدد رؤاها حيال ما يجري على الأرض السورية.
وتوقع المصدر أن تتجه الأمور في حلب إلى "التهدئة المؤقتة"، مبدياً اعتقاده بأن "الأمور لن تتفاعل أكثر، ونحن نتجه لتهدئة، إما لإعادة ترتيب أوراق النظام أكثر لمحاصرة المدينة، أو لفتح معركة استعادة السيطرة على محافظتي دير الزور والرقة (شرق سورية) من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".
من جانبها، أفادت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، أن "مستويات القتل عادت إلى ما كانت عليه قبل اتفاق وقف الأعمال العدائية"، مشيرة إلى "مقتل 1041 مدنياً، بينهم 718 على يد قوات النظام في إبريل/نيسان الماضي، منهم 254 في حلب وحدها".