وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نقلت قبل أيام أخباراً عن متابعة الجهات السياسية والأمنية في دولة الاحتلال للحالة الصحية للرئيس الفلسطيني، مع دراسة سيناريوهات مختلفة لتداعيات اليوم الذي يليه، وتأثيرات حالته الصحية على عمق التنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة، وعلى استقرار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية المحتلة.
اهتمت دولة الاحتلال بما تريده، أمّا أسئلة الفلسطينيين عن حالة عباس الصحية، فلم تكن لها ردود من السلطات الفلسطينية المختصة، وذلك كله يعطي مؤشرات على أنّ المرحلة الحالية وما يليها ستكون صعبة على الفلسطينيين جميعاً.
واكتفى عباس بالخروج على التلفزيون الرسمي عقب خضوعه أخيراً لفحوصات طبية مفاجئة في واشنطن، لتبديد شائعات تعرّضه لأزمة صحية حادة، لكن كان واضحاً أنّ وجهه مختلف عن ذلك الذي اعتاد الجميع على رؤيته، إذ ظهر وكأنه "منتفخ". وقبل الفحوصات الطبية، ظهر الرئيس الفلسطيني في حالة صحية غير طبيعية خلال حديثه في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وكان صوته مُرهقاً، وعلامات التعب العامة ظاهرة عليه أكثر من أي وقت مضى.
وتقول مصادر مقربة من الرئيس الفلسطيني لـ"العربي الجديد"، إنّ عباس البالغ من العمر 82 عاماً "يشعر بالإعياء بين الحين والآخر، والإحباط المستمر، لكن مشكلته الصحية الأهم هي الإحباط، بعد أنّ تُرك وحيداً في مواجهة صفقة القرن والتهديدات الأميركية والإسرائيلية للفلسطينيين".
وتشير المصادر إلى أنّ عباس "يتعرّض لضغوط عربية كبيرة للقبول بما ستطرحه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما أنّ الدول العربية التي تملك المال باتت أقرب لواشنطن منها للقدس، ما يعني أنّ المستقبل الفلسطيني سيكون أشد غموضاً وصعوبة".
وكان لافتاً كذلك تناول وسائل الإعلام المصرية خبر الاتصال الأخير بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفلسطيني بطريقة مختلفة عن المرات الماضية. إذ أبرزت اتصال السيسي بعباس على أنه "اطمئنان على صحته"، إلى جانب حديثهما المتعلّق بآخر تطورات القضية الفلسطينية والمخاطر التي تتعرض لها.
وفي الشارع الفلسطيني، بات الحديث عن خليفة عباس يطغى بصوت أعلى على الصوت الرسمي والفصائلي، في ظلّ مؤشرات حقيقية على أنّ الرئيس الفلسطيني قد يغادر المشهد السياسي في أية لحظة، مع تعهده الأخير في جلسة مغلقة في المقاطعة في رام الله بأنّ لا يختم حياته بخيانة.
ولعل استمرار الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة يعطّل كل تفكير بشأن مصير القضية الفلسطينية بعد عباس، سواء رغب الرجل الثمانيني بالتنحي أم حدث طارئ صحي مفاجئ، في ظلّ حالة تشرذم وطني واسعة. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الفصائل الفلسطينية لم تناقش حتى الآن قضية صحة عباس، كما أنها لم تعط اهتماماً واضحاً للقضية. كذلك غابت اتصالات قيادات الفصائل به أخيراً، في ظلّ القطيعة المرتبطة بأزمة تعثر المصالحة الوطنية.
ورداً على سؤال طُرح في جلسة حوار مع كتّاب ومحللين على نائب رئيس حركة "حماس" في غزة، خليل الحية، عن صحة عباس وأخبار مرضه، قال الحية: "اللهم أطل عمر أبو مازن واختمه بالخير، وأن يكون سبباً في وحدة شعبه، ولكن المسار الطبيعي أن نذهب للانتخابات، وهذا ما نتمسك به". ولفت الحية كذلك إلى أن حركته لا تعترف بالمحكمة الدستورية ولا بمخرجاتها، معتبراً أنها "غير قانونية وغير توافقية".
وفي إبريل/ نيسان 2016، أصدر الرئيس الفلسطيني قراراً بتشكيل أول محكمة دستورية فلسطينية عليا، مكونة من قضاة محاكم وأكاديميين وخبراء في القانون الدستوري ومحامين، وهي "استحقاق دستوري قانوني سيعمل على التخفيف من العبء الملقى على عاتق المحكمة العليا"، وفق ما أُعلن وقتها.
وجاء تشكيل المحكمة، بحسب أحاديث في ذلك الحين، في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الدولية الخارجية لأخذ زمام المبادرة في حال الغياب المفاجئ للرئيس عباس عن الساحة السياسية، وخشية من أن يعتلي رئيس المجلس التشريعي، عزيز الدويك، سدة الرئاسة، وهو من حركة "حماس"، كما يقر القانون، لستين يوماً تجري خلالها انتخابات الرئاسة.
وجهت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وقتها، رسالة إلى عباس طالبته بـ"ضرورة أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا خطوة لاحقة تتوّج إعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني".
وما يلفت أيضاً، هو عودة مسؤول الأمن السابق، المطرود من حركة "فتح"، محمد دحلان، للمشهد، بعد أشهر من الغياب، إذ عقد جلسة حوار مغلقة مع صحافيين وكتاب في غزة عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، وصب فيها تركيزه بالهجوم على عباس.
ولم يخفِ المسؤول الأمني السابق رؤيته للأوضاع الداخلية. كما أنه برز كمدافع عن التنسيق الأمني في عهد قيادته لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، وكأنه يسوّق نفسه "وطنياً" لمرحلة مقبلة، في ظل محاولات واضحة من مصر والإمارات لإدخاله إلى المعادلة السياسية الفلسطينية من جديد من بوابة مختلفة عما عرفه بها الفلسطينيون.