أثمان كورونا: تسييس المساعدات يفاقم خطر التبعية

06 مايو 2020
تتجه ألمانيا إلى مزيد من تخفيف إجراءات العزل(شون غالوب/Getty)
+ الخط -



بينما تحاول العديد من الدول في العالم العودة إلى مسار الحياة الطبيعي بعد الإجراءات الاستثنائية التي فرضها تفشي وباء كورونا، فإن جدلاً جديداً يتصاعد إلى السطح حول "الأثمان السياسية" للمساعدات الإنسانية التي تلقتها العديد من الحكومات التي وجدت نفسها في مواجهة غير متكافئة مع الجائحة. وفيما لم ينته الجدل بعد حول أصل الوباء والاتهامات للصين بإخفاء معلومات حول تفشيه، دُق أمس الثلاثاء جرس إنذار، لا سيما في أوروبا، من تأثير المساعدات التي تلقتها الدول المنكوبة، وأبرزها إيطاليا، من جهات خارجية على سياسات هذه الدول وذلك بعدما كانت الولايات المتحدة قد اتهمت روسيا والصين باستغلال تفشي الفيروس لتعزيز مصالحهما في أوروبا و"خلق انقسامات في حلف شمال الأطلسي وأوروبا". لكن واشنطن نفسها كانت قد استقبلت مساعدات من دول أجنبية في الفترة الأخيرة، منها من الصين وروسيا، لتحضر تساؤلات حول المقابل لهذه المساعدات.

وأكد رئيس الوزراء الإيطالي‭‭ ‬‬جوزيبي كونتي أمس أن السياسة الخارجية لروما لم تتغير بعد أن تلقت مساعدات من الصين وروسيا للتعامل مع الأزمة، وذلك في رد على كلام وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أن هذين البلدين يستغلان تفشي الفيروس لتعزيز مصالحهما في أوروبا. ونقلت صحيفة "لاستامبا" عن كونتي قوله "يمكنني أن أؤكد أن سياستنا الخارجية اليوم مطابقة لسياسة الأمس". وأضاف أن إيطاليا أدارت كل المساعدات التي تلقتها "بشفافية تامة تجاه الرأي العام لدينا وتجاه حلفائنا".
من جهته، قال وزير الدفاع الإيطالي لورنزو جيريني في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" اليومية "نتحدث مع الجميع لكن ركائز أمننا كانت ولا تزال حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي". وأضاف أن إيطاليا تلقت مساعدة من عدة دول، لكن هذا لم "لم يغير بأي حال إطارنا التقليدي الخاص بالمرجعية الدولية".

أما الولايات المتحدة، التي تفتخر على الدوام بتقديم المساعدة لدول أجنبية، فقد كان عليها هذه المرة قبول مساعدات بعدما تحولت إلى البلد الأول في العالم لجهة أعداد الضحايا بنحو 69 ألف وفاة، فيما رجّحت دراسات عدّة أن يبلغ عدد الوفيات الناجمة عن الجائحة في الولايات المتحدة عتبة المائة ألف بحلول شهر يونيو/حزيران المقبل.
وتلقت أميركا مساعدات من تركيا، ومصر وتايوان والإمارات. كما أرسلت كلّ من الصين وروسيا معدّات طبية إلى الولايات المتحدة. ولم تتلقّ الحكومة الفدرالية الأميركية مساعدة مباشرة من الصين، لكنّ بكين قدّمت مساعدات لولايات أميركية أو من خلال هبات خاصة. وأثارت روسيا ضجة إعلامية عندما أرسلت طائرة عسكرية محمّلة بكمامات وأجهزة تنفس ومعدات أخرى إلى نيويورك.

وأكدت الولايات المتحدة أنّها ترحّب بأي تعاون في مكافحة كورونا. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ"فرانس برس": "نثمّن الكرم والدعم من كافة أنحاء العالم". يُذكر أن واشنطن رفضت المشاركة في الجهد العالمي لإيجاد لقاح للوباء، إذ تعهد زعماء العالم ومنظمات يوم الإثنين بتقديم ثمانية مليارات دولار لإجراء أبحاث وتصنيع وتوزيع لقاح وعلاجات محتملة لـ"كوفيد-19"، في ظل عدم مشاركة واشنطن.


جاء ذلك فيما يستمر الخلاف الغربي الصيني حول الوباء. وعاد ترامب أمس للقول إنه "كان على الصين أن تخبرنا بشأن كورونا"، معلناً أنه لم يتحدث مع نظيره الصيني شي جين بينغ، مضيفاً "سنحدد أصل الفيروس في وقت قريب". وكانت منظمة الصحة العالمية قد أكدت الإثنين أنّ واشنطن لم تقدّم أي أدلة تدعم "التكهّنات" بأن مصدر كورونا هو مختبر في مدينة ووهان الصينية. وقال مدير الطوارئ لدى المنظمة مايكل رايان خلال مؤتمر صحافي "لم نحصل على أي معلومات أو أدلة محددة من حكومة الولايات المتحدة على صلة بالمصدر المزعوم للفيروس، لذا لا يزال الأمر من وجهة نظرنا (مجرّد) تكهّنات".
من جهته، قال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون أمس إنه يشتبه في أن كورونا نشأ في سوق لبيع الحيوانات البرية في الصين. وقال إنه كتب إلى قادة حكومات مجموعة العشرين يدعو إلى "تقييم مناسب" لأصول الجائحة واستجابة الحكومات لها.

في هذا الوقت، وبينما يتجه العالم لإعادة النشاط لاقتصاده، توصل مسح عالمي إلى أن أغلبية كبيرة من الناس في أنحاء العالم تريد من حكوماتها إعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح على التحركات لإعادة تشغيل الاقتصادات. وأظهرت نتائج استطلاع لشركة "مقياس إيدلمان تراست" الأميركية أن 67 في المائة من بين أكثر من 13200 شخص جرت مقابلتهم بين 15 و23 إبريل/نيسان الماضي وافقوا على "أن تكون الأولوية القصوى للحكومة هي إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح حتى لو كان ذلك يعني تعافي الاقتصاد بوتيرة أبطأ". وأيّد الثلث فقط "أهمية أن تنقذ الحكومة الوظائف وتعيد تشغيل الاقتصاد على أن تتخذ كل الاحتياطات للحفاظ على سلامة الناس". واستندت الدراسة إلى نشاط ميداني في كندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند واليابان والمكسيك والسعودية وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

في المقابل، كانت مدينة لاهاي الهولندية تشهد أمس تظاهرة شارك فيها نحو 200 شخص احتجاجاً على إجراءات الحكومة لإبطاء تفشي كورونا. وذكرت وكالة الأنباء الهولندية (إيه.إن.بي) أن العشرات اعتقلوا. ومنعت الحكومة التجمعات العامة منذ منتصف مارس/آذار.

في غضون ذلك، سجلت بريطانيا أكبر عدد من الوفيات في أوروبا، بـ32 ألف وفاة (في إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية) بسبب الوباء. واعترف كبير المستشارين العلميين للحكومة باتريك فالانس أنه كان ينبغي على البلاد فحص مزيد من الأشخاص بشأن كورونا في مرحلة مبكرة من التفشي. من جهتها، سجلت روسيا أمس عشرة آلاف و102 إصابة جديدة. وباتت الحصيلة الإجمالية في البلاد أكثر من 155 ألف إصابة، إضافة إلى 1451 وفاة.

في سياق آخر، أعلنت بافاريا، المقاطعة الألمانية الكبرى، أنها ستعيد فتح المطاعم والفنادق نهاية مايو/أيار. ومن المقرر أن تتشاور المستشارة أنجيلا ميركل وحكّام الولايات اليوم الأربعاء بشأن الخطوات المقبلة لألمانيا في تخفيف القيود. لكن لوتار فيلر، رئيس معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية والفيروسات في ألمانيا، قال إنه ستكون هناك موجة ثانية من الإصابات بالفيروس، مع تشديد على أن بلاده مستعدة بشكل جيد للتعامل معها.
وفي السويد، اكتشف معهد للتكنولوجيا تركيزات كبيرة لكورونا في شبكة الصرف الصحي باستوكهولم، وهو ما قد ينبئ بموجة ثانية لتفشي الفيروس. من جهته، أعلن وزير الصحة النمساوي رودولف أنشوبر أمس أن الوباء في البلاد تحت السيطرة.

كما أعلنت هونغ كونغ أمس عن خطتها لتخفيف غالبية إجراءات التباعد الاجتماعي بما يشمل إعادة فتح المدارس وصالات السينما والحانات وصالونات التجميل بعدما تمكنت المدينة إلى حد كبير من وقف انتشار كورونا. ويدخل تخفيف الإجراءات حيز التنفيذ الجمعة. وقالت رئيس السلطة التنفيذية كاري لام للصحافيين "آمل أن تبعث هذه الإجراءات التفاؤل لدى السكان".
في السياق نفسه، تبدأ ولاية كاليفورنيا، وهي أول ولاية أميركية أصدرت قراراً بالعزل، بتخفيف بعض التدابير في نهاية الأسبوع، كإعادة فتح بعض المحال التجارية، حسبما أعلن الحاكم غافن نيوسوم الإثنين. وستحدد السلطات في كاليفورنيا غداً الشروط التي ستتم بموجبها بداية عملية فك العزل.

وفي محاولات التصدي لتفشي كورونا، قررت سلطنة عمان تمديد إغلاق عاصمتها مسقط إلى 29 مايو، فيما مدد لبنان "التعبئة العامة" إلى الـ24 من الشهر ذاته. كما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية لمدة 30 يوما.

(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)