قرأ حزب "البديل لألمانيا" (ألترناتيف فور دوتشلاند) الخارطة جيداً، منذ تأسيسه العام الماضي. لم يتجاوز عتبة النسبة المئويّة لدخول البرلمان الاتحادي بحصوله على 4.7 في المئة بدلاً من 5 في المئة، فاختار انتخابات مقاطعتي برندنبورغ وثورينغن، ليقدّم نفسه "بديلاً قومياً"، يحرص على "ألمانيّة" ألمانيا وشعبها، حتى بوجه مؤثّرات لغويّة آتية من الخارج.
قبيل انتخابات المقاطعتين، أعطته الاستطلاعات ما يقارب ١٦ في المئة في كلتا المقاطعتين (٩ في برندنبورغ و٧ في ثورينغن)، لكنّ نتائج انتخابات الأحد، في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول الحالي، أعطته في الواقع 22 في المئة في كلتا المقاطعتين (12 في برندنبورغ و10 في ثورينغن). وكان قد حصل في انتخابات مقاطعة انهولت ساكسين قبل أسبوعين، على ٩.٧ في المئة من الأصوات. وبرغم أنّ حزب المستشارة أنجيلا ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، "تسي دي أو"، حصل على 34 في المئة من الأصوات في مقاطعة ثورنيغن، لا يمكن إغفال نسبة التقدّم الكبيرة التي حقّقها حزب "البديل لألمانيا".
يرى مراقبون أنّ هذا التقدّم أشبه بتقديم "أوراق اعتماد"، ليصبح للألمان حزب قومي بلا تردّد، كما كان الأمر عليه في السابق، ولو من ناحية علنيّة هذه المرة، وبتفاخر من مؤسّسه ألكسندر غولاند. بهذه العلنيّة، ينضمّ الحزب إلى الاختصارات الحزبيّة الألمانيّة بتسمية "آي اف دي"، واضعاً حزب ميركل، تحت مرمى رشقات النقد اللاذع، خصوصاً بما يختص بسياسة اللجوء الممنوحة لعدد كبير (حوالي ٢٠٠ ألف في العام ٢٠١٤)، وسياستها في المجال الاجتماعي. ويطالب الحزب بالخروج التام من "منطقة اليورو" والتعامل به، وإعادة المارك الألماني إلى التداول مجدداً.
في شرق ألمانيا، يجد الحزب تربة خصبة ليعرض نفسه كأحد الأحزاب السياسيّة المرموقة على الساحة السياسيّة الألمانيّة، برغم أنّه لم يستطع تخطي حاجز الخمسة في المئة، المطلوبة في الانتخابات الاتحادية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
في الانتخابات البرلمانيّة الأوروبيّة، في مايو /أيار الماضي، منحته قواعده وجمهوره نسبة ٧.١ في المئة من الأصوات، لينضمّ إلى الكتلة اليمينيّة فيه. منذ تلك اللحظة، وأسهم "البديل لألمانيا" إلى تصاعد في الشرق، بقيادة الأكاديمي ألكسندر غولاند، البالغ من العمر ٧٣ سنة، وبلغة نقديّة لم يعتد عليها الألمان، خصوصاً في ما يتعلّق بالمسائل القوميّة التي تتعامل معها باقي الأحزاب بحذر تاريخي.
تحيط برندنبورغ ببرلين كالحلقة بشكل تام. يدرك غولاند حجم المأزق الذي تعيشه برلين تحت حكم وقيادة الحزب "المسيحي الديمقراطي" بزعامة ميركل. تشهد برلين أزمة سكن خانقة، واكتظاظ طالبي اللجوء إليها. وتعاني بلدياتها من ارتفاع معدّلات البطالة بين الألمان والمهاجرين، وترتفع هذه المعدّلات كثيراً في انهولت ساكسين، في وقت ينعكس فيه النفوذ الكبير للقرارات السياسية والاقتصادية في بروكسل ارهاقاً، وفق ما يدّعيه حزب "البديل لألمانيا"، ليقدّم نفسه منقذاً للقومية الألمانية، التي تتأثّر بما تفرضه "بيروقراطيّة" الاتحاد الأوروبي".
يغرف الحزب الناشئ من أصوات اليمين والنازيين الجدد: "الحزب الوطني الديمقراطي الألماني" (ان بي دي) وحزب "الديمقراطيين الأحرار" (اف دي بي). تنصبّ جهوده كلّها على تقديم نفسه بديلاً عن المحافظين واليمين التقليدي. ويسعى إلى تثبيت نفسه والصعود شعبياً بخطاب قومي، يعتبره البعض "شعوبياً" متطرفاً، في شرق ألمانيا التي باتت تُعتبر مركز جذب أساسياً للنازيين الجدد.
أكثر من ذلك، حين أراد الحزب التعبير عن "حماية الثقافة واللغة" الألمانيتين، راح مسؤول فرعه في مقاطعة ساكسين، فراوك بيتري، يؤنّب الألمان على استخدام عبارات انكليزيّة، على غرار التهنئة بعيد المولد، سائلاً إياهم: "ماذا يضيركم لو استخدمتم بدل "هابي بيرثداي" الجملة الألمانية نفسها "فيل غلوك أوند فيل سيغن؟"".
هوى روسي
لا يتردد غولاند في توزيع نقده اللاذع على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويدافع باستماتة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باعتباره وريث "الدفاع عن المصالح القوميّة الروسيّة". يرى فيه غولاند واحداً ممّن "يكافحون بكل قوة من أجل حقوق الأقليات"، لكنه ينسى أنّ حقوق تلك الأقليات نفسها في روسيا وفي ألمانيا، حيث يدافع بشراسة يمينيّة عنها.
لا يتردّد غولاند، خلال صعود حزبه السياسي وعموم التيار اليميني القومي، في التذكير بـ"أحقيّة الموقف الروسي في أوكرانيا". وأثارت مواقفه سخطاً وجدلاً في الأوساط السياسيّة الألمانيّة حين زار السفير الروسي في برلين، ليعبر عن موقف يبدو غريباً بعض الشيء على الألمان، إذ ادّعى أنّ "الغرب يستمر في حربه الباردة، على حساب الحقوق والمصالح الروسيّة".
يُدرك غولاند أنّ مخاطبته النقديّة للولايات المتحدة ترضي الشيوعيين الألمان في الشرق. ويقول مراقبون وصحافيون ألمان إنّ هذه الخطوات المدروسة من غولاند، أي نقده اللاذع لأميركا و"الناتو"، وتقرّبه من الروس وتأييدهم، هي محاولات لعدم التصادم مع حزب "اليسار" (الشيوعي سابقاً)، في معاقله الشرقيّة، والذي تراجعت نسبة التصويت له من ٢٨ في المئة عام ٢٠٠٩ في الشرق إلى حوالي ٢٢ في المئة في انتخابات المقاطعات، يوم الأحد الماضي.