"الخصوصية الدرزية": شعار يرتفع في كل استحقاق انتخابي، حكومي أو نيابي، في لبنان. شعار يُراد منه عاملان: تكريس طوائفية النظام اللبناني من جهة، و"الخوف" من ذوبان طائفة تعتبر نفسها "أقلوية" في بحر الطوائف الكبرى، من جهة أخرى. تماماً كما حين يتم الحديث عن "حقوق المسيحيين" أو "حرمان الشيعة" أو "غبن السنّة". الزعيم الأبرز لدى الطائفة الدرزية، وليد جنبلاط، يدرك جيداً كيفية اللعب في هذا المجال. كانت له تجارب سابقة، تمكن خلالها من استنهاض معظم أبناء طائفته في مواجهة كل ما يعتبره "موجّهاً ضده"، واستطراداً "ضد الطائفة".
المسألة هنا هذه المرة متعلقة بالقانون الانتخابي. تاريخياً، وتحديداً بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، لم يكن الوضع الانتخابي لجنبلاط، وحزبه، الحزب التقدمي الاشتراكي، صعباً. تمكن الرجل من الثبات في الأقضية ذات الثقل الدرزي: عاليه والشوف وحاصبيا وراشيا، كما نجح في ترسيخ وجوده في أعالي قضاء بعبدا. في كل الاستحقاقات الانتخابية، كان جنبلاط فاعلاً، في انتخابات ما بعد اتفاق الطائف (1989)، وهي انتخابات 1992 و1996 و2000 و2005 و2009. وفي كل تلك المراحل كان ينجح في الإطباق على غالبية نواب الطائفة الدرزية، نحو ستة نواب (عدد النواب الدروز في المجلس النيابي اللبناني ثمانية نواب من أصل 128 نائباً). كما تمكن من ضمّ نواب من طوائف أخرى، معظمهم مسيحيون، إلى كتَله النيابية المتعاقبة، التي تراوحت بين 10 و12 نائباً على مدار الدورات النيابية. بالتالي، بات جنبلاط وفقاً لهذا "بيضة قبّان"، حاجزاً موقعه السياسي وفارضاً قراراته.
لذلك، كان دور جنبلاط حاسماً في المفاصل السياسية الحادّة في لبنان، استناداً إلى ثقله الانتخابي عددياً، فضلاً عن تمتعه بعلاقات متشابكة مع آل الحريري (رئيس الوزراء المغتال في 14 فبراير/شباط 2005، رفيق الحريري، ونجله سعد)، ومع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، سمحت له في منع أي انقلاب في الكتل السنّية والشيعية ضده. كما كان، أو لا يزال، على علاقة متينة مع دول إقليمية عدة من سورية إلى السعودية. جنبلاط كان أساسياً في معركة رفض التمديد للرئيس، إميل لحود، في سبتمبر/أيلول 2004، وكان أساسياً في إعلان المواجهة مع النظام السوري غداة اغتيال الحريري، كما كان أساس التحالف الرباعي الانتخابي في ربيع 2005، بينه وبين تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله، رغم اتهام المستقبل لحزب الله باغتيال الحريري. كان جنبلاط أيضاً وأيضاً، أحد أركان أحداث مايو/أيار 2008 في بيروت والجبل، حين تواجه عسكرياً مع حزب الله في بعض مناطق عاليه والشوف، قبل المشاركة في التوقيع على اتفاق لبناني في العاصمة القطرية الدوحة، ساهم في وضع حدّ للعنف في لبنان، وانتخاب، العماد ميشال سليمان، رئيساً للجمهورية.
اقــرأ أيضاً
لكن القوة الجنبلاطية سياسياً، نبعت أساساً من عامل واحد هو تأمينه الفوز وفقاً للنظام الأكثري، ففي عام 1992 نصّ القانون الانتخابي على جعل كل من بيروت، والجنوب والنبطية، ولبنان الشمالي، وبعلبك والهرمل، وراشيا والبقاع الغربي، دائرة انتخابية واحدة لكل منها، في مقابل تقسيم دوائر محافظة جبل لبنان، بما سمح لجنبلاط في تحقيق الفوز. وتكرّر القانون عينه في انتخابات عام 1996، باستثناء اعتبار البقاع محافظة واحدة. وفي عامي 2000 و2005 تمّ اعتماد 14 دائرة انتخابية، فيما عُرف بقانون "غازي كنعان"، نسبة لوزير الداخلية السوري المنتحر في عام 2005، والذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في لبنان بين عامي 1982 و2001. أما في عام 2009، أي العام الأخير الذي أُجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان، فقد تمّت العودة إلى قانون عام 1960، والذي يُقسم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية وفقاً للنظام الأكثري.
ومع بدء الحديث عن تغيير شكل القانون الانتخابي في لبنان، استعاد جنبلاط لغة "الهواجس الدرزية"، على اعتبار أن البحث يتركز حالياً على كيفية اعتماد مبدأ "النسبية" في الانتخابات، أكان بشكل كامل على امتداد الأراضي اللبنانية، أم بشكل مختلط مع مبدأ "الأكثري" بما يسمح في "تفهّم هواجس مختلف الطوائف الأقلوية". مع ذلك، يرفض جنبلاط البحث في "النسبية"، بل أعلن عدد من نوابه ووزرائه رفضهم لها، في تأكيد على مبدأ "إبقاء التصويت الأكثري" في الانتخابات، ولِمَ لا الإبقاء على قانون الستين؟ مع العلم أن هذا القانون بالذات "أعاد للمسيحيين حقوقهم" وفقاً لأدبيات التيار الوطني الحرّ (تيار رئيس الجمهورية ميشال عون) عام 2009، لكنهم الآن يعلنون رفضهم له.
في القانون النسبي، أياً كان شكله، من المؤكد أن جنبلاط سيخسر عدداً وازناً من نوابه، سواء الدروز منهم أو المسيحيون. كما سينحسر نفوذه السياسي في الشوف وعاليه وحاصبيا وراشيا وبعبدا. هو يعلم هذا تماماً، لذلك يخوض معركته على قاعدة "نكون أو لا نكون"، وسط إعلان، شبه خجول، لزعيم درزي آخر وهو طلال أرسلان، عن تأييده للنسبية في الانتخابات. مع العلم أن أرسلان "اعتاد" حجز مقعده النيابي في قضاء عاليه، عبر ترك جنبلاط المقعد شاغراً. شخص آخر من الطائفة الدرزية يخوض معركة "النسبية" بقوة: الوزير السابق وئام وهاب، الذي يدرك، أنه سيتمكن من اختراق المجلس النيابي في أي عملية انتخابية قائمة على النسبية، خصوصاً ألا أحد خاض معركة توزير وهاب في حكومة العهد الأولى.
الآن، يعتبر جنبلاط أنه في مرحلة هي الأصعب له. رجاله يجولون على مختلف الشخصيات السياسية، لاقناعهم بـ"مخاطر النسبية". يرى أن القضاء الذي "ينصف" بهيج أبو حمزة، أحد أنصاره سابقاً، يعمل ضده أيضاً. ابن كمال جنبلاط، نجا مرات كثيرة من الأفخاخ السياسية والأمنية، في الحرب والسلم، ويبقى أمامه، قانون الانتخابات، المنعطف الأخطر سياسياً قبل تسليم الزعامة لنجله تيمور.
المسألة هنا هذه المرة متعلقة بالقانون الانتخابي. تاريخياً، وتحديداً بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، لم يكن الوضع الانتخابي لجنبلاط، وحزبه، الحزب التقدمي الاشتراكي، صعباً. تمكن الرجل من الثبات في الأقضية ذات الثقل الدرزي: عاليه والشوف وحاصبيا وراشيا، كما نجح في ترسيخ وجوده في أعالي قضاء بعبدا. في كل الاستحقاقات الانتخابية، كان جنبلاط فاعلاً، في انتخابات ما بعد اتفاق الطائف (1989)، وهي انتخابات 1992 و1996 و2000 و2005 و2009. وفي كل تلك المراحل كان ينجح في الإطباق على غالبية نواب الطائفة الدرزية، نحو ستة نواب (عدد النواب الدروز في المجلس النيابي اللبناني ثمانية نواب من أصل 128 نائباً). كما تمكن من ضمّ نواب من طوائف أخرى، معظمهم مسيحيون، إلى كتَله النيابية المتعاقبة، التي تراوحت بين 10 و12 نائباً على مدار الدورات النيابية. بالتالي، بات جنبلاط وفقاً لهذا "بيضة قبّان"، حاجزاً موقعه السياسي وفارضاً قراراته.
لكن القوة الجنبلاطية سياسياً، نبعت أساساً من عامل واحد هو تأمينه الفوز وفقاً للنظام الأكثري، ففي عام 1992 نصّ القانون الانتخابي على جعل كل من بيروت، والجنوب والنبطية، ولبنان الشمالي، وبعلبك والهرمل، وراشيا والبقاع الغربي، دائرة انتخابية واحدة لكل منها، في مقابل تقسيم دوائر محافظة جبل لبنان، بما سمح لجنبلاط في تحقيق الفوز. وتكرّر القانون عينه في انتخابات عام 1996، باستثناء اعتبار البقاع محافظة واحدة. وفي عامي 2000 و2005 تمّ اعتماد 14 دائرة انتخابية، فيما عُرف بقانون "غازي كنعان"، نسبة لوزير الداخلية السوري المنتحر في عام 2005، والذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في لبنان بين عامي 1982 و2001. أما في عام 2009، أي العام الأخير الذي أُجريت فيه انتخابات نيابية في لبنان، فقد تمّت العودة إلى قانون عام 1960، والذي يُقسم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية وفقاً للنظام الأكثري.
ومع بدء الحديث عن تغيير شكل القانون الانتخابي في لبنان، استعاد جنبلاط لغة "الهواجس الدرزية"، على اعتبار أن البحث يتركز حالياً على كيفية اعتماد مبدأ "النسبية" في الانتخابات، أكان بشكل كامل على امتداد الأراضي اللبنانية، أم بشكل مختلط مع مبدأ "الأكثري" بما يسمح في "تفهّم هواجس مختلف الطوائف الأقلوية". مع ذلك، يرفض جنبلاط البحث في "النسبية"، بل أعلن عدد من نوابه ووزرائه رفضهم لها، في تأكيد على مبدأ "إبقاء التصويت الأكثري" في الانتخابات، ولِمَ لا الإبقاء على قانون الستين؟ مع العلم أن هذا القانون بالذات "أعاد للمسيحيين حقوقهم" وفقاً لأدبيات التيار الوطني الحرّ (تيار رئيس الجمهورية ميشال عون) عام 2009، لكنهم الآن يعلنون رفضهم له.
الآن، يعتبر جنبلاط أنه في مرحلة هي الأصعب له. رجاله يجولون على مختلف الشخصيات السياسية، لاقناعهم بـ"مخاطر النسبية". يرى أن القضاء الذي "ينصف" بهيج أبو حمزة، أحد أنصاره سابقاً، يعمل ضده أيضاً. ابن كمال جنبلاط، نجا مرات كثيرة من الأفخاخ السياسية والأمنية، في الحرب والسلم، ويبقى أمامه، قانون الانتخابات، المنعطف الأخطر سياسياً قبل تسليم الزعامة لنجله تيمور.