من يقف وراء التصعيد في القرم؟

17 اغسطس 2016
الأوكراني، يفغيني بانوف، قد يكون أدلى بشهادته تحت التعذيب(Getty)
+ الخط -
تشهد شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا قبل أكثر من عامين إلى سيادتها، موجة من التصعيد، تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بالوقوف وراءها. وأعلنت روسيا عن ضبطها "مجموعة مخربين" ليلة السابع من أغسطس/آب الحالي، في محيط مدينة أرميانسك شمال القرم، ومصادرة عبوات يدوية الصنع بقوة تزيد عن 40 كيلوغراماً من مادة "تي إن تي" وقذائف وذخيرة، وأيضاً عن "محاولة اختراق" أراضي القرم وإطلاق النار ليلة الثامن من الشهر الجاري. وبحسب الرواية الروسية، أسفرت الواقعتان عن مقتل عسكريَّيْن روسيين واعتقال عدد من المواطنين الأوكرانيين والروس. ووصف الرئيس، فلاديمير بوتين، ما حدث بأنه "عمل إجرامي أحمق"، مواصلاً هجومه على القيادة الأوكرانية الموالية للغرب.

إلا أن كييف نفت الاتهامات بالوقوف وراء التصعيد، معتبرةً تصريحات الجانب الروسي بأنها "استفزاز". وأمر الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، برفع جاهزية قوات بلاده على الحدود مع القرم وخط التماس في دونباس، إلى درجة التأهب القصوى. وأكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هذا الأسبوع أن روسيا لديها "أدلة قاطعة" على أن إدارة الاستخبارات العامة التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية كانت تخطط، ومنذ زمن، لهذا "العمل التخريبي" بهدف "زعزعة الوضع في القرم الروسية". وبث التلفزيون الروسي مقاطع فيديو قال إنها تتضمن "اعترافات للمخربين"، وفق تعبيره. إلا أن وسائل إعلام ليبرالية روسية شككت في صحتها بسبب الظروف المرافقة لكلام الموقوفين أمام عدسات الكاميرا، ورأت أن مضمون ما يقولونه، تحت الضغط، قد يتعارض مع الواقع.


ورجحت "مجموعة القرم الحقوقية"، المعنية برصد الانتهاكات في شبه الجزيرة، أن يكون المواطن الأوكراني المعتقل، يفغيني بانوف، قد أدلى بشهادته بعدما تم التنكيل به في السجن من قبل "سلطات الاحتلال"، وفق قولها. وكانت روسيا قد زعمت أنه يقيم في مقاطعة زابوروجيه في أوكرانيا ويعمل لصالح استخبارات هذا البلد. ورجحت رئيسة هذه المجموعة، أولغا سكريبنيك، أن الأمر يتعلق بقضية "مفبركة" ولها دوافع سياسية، وأن المعتقلين ربما تعرضوا للتعذيب. وقالت في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "تظهر في أثناء عرض الفيديو آثار لإصابات على يدي بانوف ووجهه، ونحن نفترض أنه قد يكون تعرض للتعذيب، بما فيه محاولات الخنق". وأضافت أن فريقاً من مجموعتها يتواصل مع عائلة بانوف، ويحاول الوصول إلى عائلات غيره من المعتقلين، مؤكدة أن أقرباءه لم يتلقوا أية اتصالات منه حتى الآن. واعتبرت في هذا الصدد، أنه لو كان هناك التزام بالقانون، لكان من حقه إجراء اتصال لإبلاغ ذويه بمكان وجوده، على حد قول سكريبنيك.

وفي ظل التصعيد المتبادل، لم يستبعد رئيس الوزراء الروسي، دميتري ميدفيديف، احتمال قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا، كما حدث مع جورجيا بعد الحرب في إقليم أوسيتيا الجنوبية الموالي لروسيا قبل ثماني سنوات. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، رفضت أوكرانيا قبول سفير روسي جديد لديها، مطالبةً أولاً بـ"دينامية إيجابية حول كامل سياق العدوان الروسي وكل ما يجري في دونباس". إلا أن الوضع على الأرض في مدن القرم بدا هادئاً، بحسب تأكيد المؤسس والزعيم السابق لجبهة "سيفاستوبول-القرم-روسيا"، فاليري بودياتشي، الذي أشار إلى أن سكان شبه الجزيرة لا يشعرون بأي قلق، محمّلاً الجانب الأوكراني مسؤولية التصعيد. وقال بودياتشي في اتصال مع "العربي الجديد" من مدينة سيمفروبول، عاصمة جمهورية القرم، إن الجانب الأوكراني "حاول القيام بأعمال تخريبية، ولكن الأجهزة الخاصة الروسية أحبطت المحاولة"، معرباً عن اعتقاده بـ "أنها لن تتكرر". وأضاف أن القيادة الأوكرانية "تسعى إلى إبعاد الأنظار عن المشكلات الداخلية والإظهار أمام الغرب أن روسيا بلد معتدٍ، لتبرير عجز كييف عن الوفاء باتفاقات مينسك في منطقة دونباس". وحول ردة فعل السكان على المعلومات المتعلقة بمحاولة تنفيذ عمليات في شبه الجزيرة، أكد بودياتشي أنه "لم تكن هناك اضطرابات في المدن، وعلم السكان من وسائل إعلام عما جرى على بعد مئات الكيلومترات"، مشيراً إلى أن أحداً "لم يعد يفكر في السياسة هنا بعد حل كافة المشكلات مع عودة القرم إلى روسيا"، بحسب قوله.

وكانت روسيا قد ضمت القرم في مارس/آذار 2014، على خلفية موجة من الاضطرابات وأعمال العنف في أوكرانيا، وبعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي على استخدام القوات المسلحة الروسية في البلد المجاور، وإجراء استفتاء حول تقرير المصير في شبه الجزيرة ذات الأغلبية الروسية. واعتبرت كييف عملية ضم القرم بمثابة احتلال وانتهاك لوحدة أراضيها، كما أسفر التصعيد في مناطق شرق أوكرانيا الموالية لروسيا في الأشهر التالية عن أكبر أزمة في العلاقات بين موسكو والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة. وتمثلت هذه الأزمة في حرب العقوبات الاقتصادية بين موسكو والغرب وقطع الاتصالات العسكرية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتراجع الاتصالات السياسية إلى أدنى مستوى.

المساهمون