وتداعى اللبنانيون للمشاركة في ما أطلقوا عليه "سبت الساحات"، في اليوم العاشر للانتفاضة اللبنانية، وشهد مختلف الساحات، بما في ذلك ساحتا رياض الصلح والشهداء في بيروت، توافداً للآلاف. وعلت الهتافات المتمسكة بالثورة حتى تحقيق مطلب إسقاط النظام والحكومة والمجلس النيابي.
وقال أحد المشاركين، لـ"العربي الجديد": "اليوم أشارك للمرة الأولى في التظاهرات لأنّ خطاب نصر الله استفزني. لقد سقطت جميع الأقنعة، ومحاولات تشويه الحراك صداها لن يتجاوز مناصري أحزاب السلطة. أما ما يجري في الساحات فهو الرد الأنسب على محاولات التخوين والترهيب".
وبينما كان المحتجون يرددون خلف الشريط الشائك الذي يفصلهم عن السراي الحكومي بأعلى أصواتهم "حرامي حرامي رياض سلامة حرامي"، في إشارة إلى حاكم مصرف لبنان الذي يحمّله المحتجون جزءاً من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية بسبب السياسة المالية التي يطبقها المصرف المركزي، كانت واحدة من المشاركين تتحدث بصوت مرتفع قائلة: "لقد أفقرونا ويستكثرون علينا أن نطالب بإسقاطهم. يصمون آذانهم عن مطالبنا لكن إصرارنا أقوى منهم. سنبقى في الشارع، لن نمل. لقد صبرنا حتى فاض الكيل". وأضافت "غداً سنأتي مجدداً ولن نتنازل عن مطالبنا".
وفي وقت سابق اليوم السبت، وقع إشكال في منطقة الرينغ في بيروت، بين المتظاهرين والقوات الأمنية، خلال محاولة الأخيرة فتح الطريق بالقوة، وافترش المحتجون الطريق، مردّدين شعار "سلميّة سلميّة"، في إشارة إلى أنّ تحركهم سلميّ، ولا يزال المنتفضون صامدين حتى لحظة كتابة التقرير، وسط هتافات "سلمية" ودعوات للنزول إلى الساحات.
وزعم المكتب الإعلامي لوزير الدفاع اللبناني إلياس بو صعب "ضبط أحد المنظمين للتحرك على جسر الرينغ وهو يحمل سلاحاً حربياً".
وفي بيروت قُطع طريق الشفروليه - فرن الشباك، بينما واصل المحتجون اعتصامهم على اوتوستراد زوق مصبح جونيه المقفل على المسلكين لليوم العاشر على التوالي، فيما تابع المتظاهرون مسار الاعتصامات في المناطق من خلال شاشة كبيرة.
في المقابل تجمّع مواطنون في جديدة المتن في بيروت، قالوا إنّهم مؤيدون لرئيس الجمهورية ميشال عون، تزامناً مع وصول قوة من الجيش، في محاولة لإقفال الطريق، تحسباً لأي احتكاك بينهم وبين المتظاهرين في جل الديب.
ورغم أنّ هذه التحركات وصفت بالعفوية، إلا أنّ بعض المشاركين فيها زل لسانهم بالقول لوسائل إعلام محلية إنّهم تظاهروا بعد دعوة مباشرة من وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يرأس "التيار الوطني الحر".
الجيش يطلق النار في البداوي
من جهة أخرى، قالت قيادة الجيش اللبناني إنّ إطلاق النار الذي حصل في منطقة البداوي بمدينة طرابلس شمالي البلاد، السبت، جاء بعد "إشكال" بين متظاهرين اعتصموا في الطريق ومواطنين حاولوا اجتيازه بسياراتهم؛ ما استدعى تدخل الجيش.
جاء ذلك في بيان لقيادة الجيش بعد وقت قصير من إصابة 7 متظاهرين، أحدهم بالرصاص الحي، لدى محاولة الجيش فتح طريق بمنطقة البداوي شمالي مدينة طرابلس، حسب إعلام محلي.
Twitter Post
|
وأضافت قيادة الجيش في بيانها "تدخّلت قوة من الجيش لفض الإشكال فتعرّضت للرشق بالحجارة وللرمي بالمفرقعات النارية، ما أوقع خمس إصابات في صفوف عناصرها".
وأردفت: "عمدت القوة إلى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريق المواطنين، واضطرت لاحقاً بسبب تطور الإشكال إلى إطلاق النار في الهواء والرصاص المطاطي حيث أصيب عدد من المواطنين بجروح".
وقالت إن "الجيش استقدم تعزيزات أمنية إلى المنطقة وأعاد الوضع إلى ما كان عليه، وفتح تحقيقاً بالموضوع".
ولاحقاً، أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" بأنّ أهالي البداوي رفعوا عناصر الجيش على الأكتاف.
وذكرت أنّ إصابات عدة وقعت في التصادم الذي حصل أثناء محاولة الجيش فتح الأوتوستراد الدولي الذي يربط طرابلس بالمنية وعكار، وقد تم اعتقال عدد من الشبان من بينهم عامر أريش، أحد أبرز المحتجين.
تظاهرات المناطق مستمرة
ورغم هذه الواقعة، توافدت أعداد من المحتجين إلى ساحة عبد الحميد كرامي؛ ساحة النور، في طرابلس شمالي لبنان، في اليوم العاشر من الاحتجاجات.
وسبق ذلك استكمال التحضيرات الميدانية من تنظيف وتجهيز مستلزمات المتطوعين من الشبان والهيئات المعنية بالحراك، ونشطت فرق خارج الساحة في تحضير المأكولات وعبوات المياه، في حين أعرب عدد من المؤسسات عن رغبته في تقديم الطعام للمحتجين والمعتصمين في الساحة، وفق "الوكالة الوطنية للإعلام".
وفي صيدا جنوبي لبنان، أطلق المعتصمون نحو 50 منطاداً مضيئاً في سماء المكان، في رسالة بأنّ تحركهم سلمي و"سيبقى سلمياً حتى تحقيق المطالب كافة"، كما أكد عدد من المشاركين، لـ"الوكالة الوطنية للإعلام".
وارتفع عدد المحتجين في ساحة العلم في صور جنوبي لبنان، ورفعوا الأعلام اللبنانية، منشدين الأغاني الوطنية ومرددين شعارات تدعو إلى الاستمرار في الحراك حتى تحقيق المطالب، وسط تدابير أمنية مشددة اتخذها الجيش والقوى الأمنية في محيط الساحة، حفاظاً على الأمن وسلامة المتظاهرين.
وكان الجيش قد فتح كل المسارب المؤدية إلى مدينة صور، بحسب الوكالة.
ولبّى عدد من أبناء بلدات اللبوة، العين، الفاكهة ورأس بعلبك شرقي لبنان، دعوة من "أهالي بلدة الزيتون" في البقاع الشمالي إلى مظاهرة للمطالبة بـ"عدم المس بالمتظاهرين في كل لبنان"، وفق الوكالة.
كذلك ذكرت الوكالة أنّ متظاهرات في بعلبك نظمن اعتصاماً سلمياً أمام قلعة بعلبك الأثرية تحت عنوان "بعلبك مدينة السلام"، وحملن وروداً بيضاء للدلالة على سلمية التحرك. وتخلل الاعتصام أداء النشيد الوطني اللبناني، والأغاني الوطنية.
ورددت المعتصمات اللواتي رفعن العلم اللبناني هتافات: "سلمية، سلمية، بدنا وحدة وطنية، لا للطائفية".
وكانت وكالة الأنباء "المركزية" اللبنانية قد أشارت، أمس الجمعة، إلى أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري سيعلن استقالة الحكومة، خلال الـ24 ساعة المقبلة، لافتة إلى أن الاتصالات تجرى لتشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من 14 وزيراً من الاختصاصيين، من ضمن اتفاق سياسي، إلا أنّ مصادر الحريري نفت في وقت لاحق لقناة "أم تي في" نيته الاستقالة، وأكدت أنّه مستمر في تحمّل مسؤولياته لإيصال البلد إلى برّ الأمان.
ومنذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، يملأ مئات الآلاف من المواطنين الساحات العامة في العاصمة بيروت ومختلف المناطق، في أكبر احتجاجات يشهدها لبنان منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، في استعراض نادر للوحدة، وفي ثورة على زعماء الوضع الراهن الذين يحكمون البلاد منذ ثلاثة عقود ودفعوا الاقتصاد إلى شفير كارثة.
(صور: حسين بيضون)