تعيينات محمد بن سلمان: محاولة لتلميع صورته وغسل جرائمه

لندن

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
25 فبراير 2019
5C6CFC33-BE58-4700-B603-5E0CDB194331
+ الخط -
يفتح قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، سفيرة للسعودية في واشنطن، بدلاً من شقيقه الأمير خالد بن سلمان، والذي عُيّن نائباً لوزير الدفاع برتبة وزير، الباب أمام تساؤلات كثيرة، فهذا القرار الملكي صدر في ظل غياب العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز عن البلاد، كما أنه أتى مع استمرار الغضب الغربي ضد بن سلمان والاتهامات الموجّهة إليه بالمسؤولية المباشرة عن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، وعن الانتهاكات التي ترتكبها القوات السعودية بحربها في اليمن. وبالتالي ماذا يمكن أن تقدّم السفيرة السعودية إلى مساعي بن سلمان لتبييض صورته في الغرب وواشنطن تحديداً، وهي ابنة السفير السابق بندر بن سلطان الذي كانت له علاقات قوية جداً مع دوائر الحكم الأميركية؟

وجاء ذلك في الوقت الذي تواصل فيه تركيا مساعيها لمنع إغلاق قضية خاشقجي، مع إصرارها على كشف المسؤول الحقيقي عن الجريمة، فـ"لا يمكن حل هذا القضية بتوزيع الدولارات والنفط يميناً وشمالاً"، بحسب كلام للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شدد في حديث تلفزيوني مساء السبت على ضرورة كشف الرياض بصراحة عن كل ملابسات الجريمة. وتساءل عمن أصدر التعليمات لتنفيذ الجريمة، مضيفاً: "يجب الكشف عن ذلك. هذا واضح لأن الأشخاص الـ15 يعرفونه بالطبع". وأشار إلى أن الأسماء التي قادت الفريق المنفذ للجريمة معروفة، ولذلك "إن لم يكن ولي العهد السعودي يعلم، فمن يعلم؟".

مقابل ذلك، وفي وقت يوجد فيه الملك سلمان في مدينة شرم الشيخ لحضور القمة العربية الأوروبية، أصدر ولي العهد محمد بن سلمان، بصفته نائباً للملك وفق وكالة الأنباء السعودية "واس"، قراراً ملكياً بتعيين الأميرة ريما سفيرة في واشنطن، بدلاً من شقيقه الأمير خالد، والذي عُيّن نائباً لوزير الدفاع برتبة وزير. وكان الملك سلمان قد أصدر قبل مغادرته البلاد، أمراً ملكياً بأن ينوب ولي العهد، محمد بن سلمان، عنه في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح المواطنين. وعلى الرغم من صدور القرار في هذا التوقيت، لكن يُستبعد أن يشير إلى رغبة من ولي العهد بالانقلاب على والده أو تحجيم قراراته، إذ يحتاج إلى الشرعية الدولية والقبول الذي يتمتع به والده في المنطقة، فيما يرى الكثيرون من قادة المنطقة، حتى الحلفاء منهم، أن بن سلمان رجل متهور لا يمكن التعامل معه.

وبالنسبة للأميرة ريما، المولودة عام 1975 للأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن بين أعوام 1983 و2005، فهي لا تملك أي خبرة سياسية داخلية أو خارجية، إذ لم يسبق لها بعد تخرجها من كلية ماونت فيرون في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة بشهادة البكالوريوس في الآداب عام 1999، أن عملت في المجال السياسي. وعملت الأميرة ريما مستشارة في مكتب ولي العهد، ويُمنح هذا المنصب كتشريف لأبناء الأسرة الحاكمة، وليس له أي صلاحيات سياسية مطلقاً. لكن الظهور الحقيقي لها في المشهد العام كان بعد توليها منصب وكيلة التخطيط والتطوير في الهيئة العامة للرياضة، وترؤسها اتحاد الرياضة المجتمعية، ومساهمتها في تأسيس التعليم الرياضي للفتيات في وزارة التعليم، إذ كان يحظر على النساء السعوديات لفترة طويلة ممارسة الرياضة داخل المدارس.

وتحوّلت الأميرة ريما، بفضل إجادتها اللغة الإنكليزية ودراستها وعيشها في الولايات المتحدة لفترة طويلة بسبب عمل والدها، إلى وجه دعائي نسائي للنظام السعودي في الداخل، لكن سلسلة الظروف التي مرّ بها ولي العهد محمد بن سلمان عقب قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، جعلتها تطير إلى واشنطن سفيرةً على الرغم من انعدام خبرتها السياسية.
وبعد انتشار تقارير تفيد بتورط السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان في مقتل خاشقجي، عبر طلبه منه التوجّه إلى القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على أوراق الزواج من خطيبته، ومطالبات أعضاء مجلس الشيوخ في لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة الذين سمعوا إحاطة مديرة الاستخبارات الأميركية جينا هاسبل بطرد خالد بن سلمان، بات شقيق ولي العهد في وضع حرج داخل واشنطن، خصوصاً مع ازدياد ضراوة الحرب السياسية بين البيت الأبيض والنواب، وتخوّف النظام السعودي من أن يكون خالد بن سلمان أضحية يقدّمها ترامب لإرضاء الساسة الأميركيين الغاضبين. وكان الأمير خالد قد غادر واشنطن عقب اكتشاف تورط النظام السعودي في مقتل خاشقجي بأيام، قبل أن يعود مرة أخرى ليمارس مهامه بشكل طبيعي وسط هجوم كبير من الصحافة الأميركية عليه.

ويهدف ولي العهد من خلال تعيين الأميرة ريما، إلى حماية أخيه أولاً، وتهيئته لخلافة منصبه في ولاية ولاية العهد بعد تعيينه نائباً في وزارة الدفاع، إذ سيتولى أمورها رسمياً وسيشرف على عدد من المهمات، أبرزها الحرب الطاحنة في اليمن. الخطوة الأولى لمحمد بن سلمان في سبيل تصعيد شقيقه خالد بتعيينه سفيراً في واشنطن لمحاولة صناعة علاقات جيدة مع الأميركيين، فشلت فشلاً ذريعاً بسبب التهور في حملات الاعتقالات والاغتيالات التي نظّمتها فرق استخبارية تأتمر بأمر بن سلمان مباشرة.

كما يهدف تعيين الأميرة ريما، وهي وجه نسائي عُرف عنه المطالبة بحقوق المرأة، إلى محاولة تجميل وإعادة ترميم صورة السعودية لدى دوائر صناعة القرار الغربية، بعد أن قام بن سلمان باعتقال العشرات من الناشطات النسويات، وبعد تقارير أفادت بتعذيب مستشاره سعود القحطاني للمعتقلة النسوية لجين الهذلول في سجن ذهبان في مدينة جدة وضربها والتحرش بها والتهديد بقتلها وفق ما أفادت عائلتها، التي اختارت تصعيد الخطاب ضد بن سلمان في الصحف الغربية.
ويحاول بن سلمان كسب ودّ المنظّمات الحقوقية التي هاجمته في العواصم الغربية بسبب الاتهامات الموجّهة له بإصدار أوامر قتل جمال خاشقجي، واستمرار حملات الاعتقال العنيفة ضد الناشطين والناشطات السياسيين والحقوقيين، وتلويحه بإصدار عقوبات بالإعدام بحقهم بسبب اتهامهم بالتعامل مع منظمات خارجية.


ويرى معارضون سعوديون مقيمون في الخارج أن تعيين امرأة في منصب سفيرة واستخدامها للدعاية في الخارج عن تمكين المرأة السعودية، في وقت تعتقل فيه السلطات الناشطات المطالبات بحرية المرأة وإسقاط الولاية عنها، هو انفصام. وتساءل المعارض السعودي المقيم في الخارج عبدالله التويجري، لـ"العربي الجديد"، "في ظل استمرار نظام الولاية، هل ستحتاج الأميرة لموافقة ولي أمرها للسفر ومتابعة عملها في الخارج؟ وإذا توفي هذا الولي وذهبت الولاية لشخص ظالم، كما يحدث مع النساء السعوديات العاديات، فهل يستطيع منعها من إكمال عملها ومنعها من السفر؟". وأضاف: "مصطلح تمكين المرأة الذي وُظفت من أجله الأميرة ريما هو خاص بأسرة آل سعود فقط وبناتها، لأن الحكومة تعتقل أي مواطنة تطالب بتمكين النساء وتزجّ بها في السجن".

وفي السياق، برز كلام لمحررة الرأي في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية كارين عطية، التي كتبت على "تويتر"، أنه كان يجب أن يتم طرد خالد بن سلمان رسمياً بعد نشر معلومات خاطئة حول المؤامرة لقتل خاشقجي، مضيفة أن السعودية تستخدم النساء لمحاولة تبييض صورتها في الغرب. وتابعت أنه "يجب استجواب الأميرة ريما عن النساء السعوديات المسجونات".

كذلك، فإن سبب اختيار الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، دون بقية الأميرات أو المواطنات السعوديات، على الرغم من وجود من هو أكثر منها خبرة في السياسة العالمية، يرجع إلى أن والدها هو بندر بن سلطان، والذي يعود بقوة إلى المشهد السعودي عقب إبعاده عنه فور تولي الملك سلمان مقاليد الحكم مطلع عام 2015. وتولى الأمير بندر منصب السفير السعودي في واشنطن لفترة تزيد على 22 عاماً، لكنه كان أكثر من مجرد سفير، إذ تمكن من بناء علاقات قوية جداً مع فريق المحافظين في الولايات المتحدة، وتوغّل داخل الحزب الجمهوري وأشرف على العديد من صفقات الأسلحة التي كوّنت له ثروة ونفوذاً ضخماً داخل الأسرة الحاكمة، على الرغم من أنه يُعدّ من أمراء الصف الثاني، نظراً لصغر سنه آنذاك وكون أمه جارية مملوكة، على عكس بقية الأمراء الذين كانوا يملكون أخوالاً من عائلات كبيرة يساندونهم في طريق الصعود نحو السلطة.

وبدأت خطوات إبعاد الأمير بندر عقب فشله في إدارة الملف السوري أثناء رئاسته للاستخبارات السعودية بين عامي 2012 و2014 وفشله في إيقاف التعاون النووي بين الولايات المتحدة وإيران، لكن بندر تنبّه لحاجة بن سلمان له في ظل تخبّطه السياسي وتوتر علاقاته مع مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، فعمد إلى تقديم نفسه كمخلص للأمير محمد بن سلمان بعكس بقية الأمراء الذين صادموه وأدعوا السجن أو صودرت ثرواتهم نتيجة لذلك.
ويبدو محمد بن سلمان بحاجة اليوم لاستغلال علاقات الأمير بندر في الولايات المتحدة لتجنيبه ورطة اغتيال خاشقجي وتوجّه أعين الكونغرس عليه بسبب انتهاكات التحالف بقيادة السعودية في اليمن، لكن سنّ وصحة الأمير بندر لا تسمحان له بالعودة إلى العمل في واشنطن، مما يعني أن الأميرة الشابة ريما تأتي خياراً مناسباً لمغازلة الجماعات الحقوقية كونها ناشطة في العمل النسائي، ومغازلة المحافظين واليمين كونها ابنة لأبرز المقربين منهم في المنطقة.

ذات صلة

الصورة
يهود إصلاحيّون يطالبون من أمام الكونغرس بوقف دعم إسرائيل عسكرياً (العربي الجديد)

سياسة

اجتمع الثلاثاء أكثر من 50 يهودياً إصلاحياً مع أعضاء الكونغرس في الكابيتول هيل، للضغط من أجل فرض حظر على تصدير الأسلحة للجيش الإسرائيلي، ووقف تمويل إسرائيل
الصورة
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع قطاع غزة 7 أغسطس 2024 (أمير ليفي/Getty)

سياسة

قال مسؤلون أميركيون رفيعو المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع إنهم لا يتوقعون أن تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن.
الصورة
خالد شيخ محمد عقب القبض عليه في مارس 2003 (Getty)

سياسة

في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان خالد شيخ محمد يجلس في مقهى في كراتشي بدولة باكستان، عندما شاهد الطائرة الأولى تصطدم ببرج التجارة العالمي
الصورة
ناشطون ينظمون تظاهرة ضد نتنياهو في واشنطن 24 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

تحت شعار "لن نجعله يستريح" نظم ناشطون أميركيون تظاهرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام فندق ووترغيت في العاصمة واشنطن، الأربعاء.