يبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين يسابقون الزمن، من أجل تطبيق مخططات استيطانية جديدة في المناطق الشمالية الغربية والغربية من محافظة رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية، والهادفة لربط عدة مستوطنات وبؤر استيطانية ببعضها بعضاً، لتحويلها إلى تكتل استيطاني يطلق عليه الاحتلال اسم "تلمونيم".
ويحاول المستوطنون، منذ نحو أسبوعين، وبحماية أمن المستوطنات المقامة على أراضي عدة قرى شمال غرب رام الله، شق طريق استيطاني في أكثر من موقع في تلك القرى، والذي تدعي سلطات الاحتلال أنه مقام على أراضٍ مصادرة تصل مساحتها إلى نحو ألفي دونم، في الوقت الذي يحذر فيه مسؤولون في تلك القرى والأهالي من أن يكون شق هذا الطريق مقدمة لمصادرة أراضٍ أخرى قد تصل إلى آلاف الدونمات، تكون امتداداً للمستوطنات، وهو ما يعني تحويل القرى الفلسطينية في شمال وغرب رام الله إلى كانتونات معزولة بين المستوطنات.
واستيقظ أهالي بلدة المزرعة الغربية، الواقعة شمال غرب رام الله، الأسبوع الماضي على أصوات جرافات وآليات جلبها المستوطنون من أجل شق طريق استيطاني يمر عبر أراضيهم. واستطاع الأهالي منع الجرافات من إكمال عملها، وهو ليس عملاً قانونياً وفق ما أقر به المستوطنون أنفسهم، لكن إيقاف شق الطريق بشكل مؤقت لا يمنع المستوطنين من المعاودة مرة أخرى وإكمال شق الطريق، خصوصاً في فترة الليل، وفق ما يوضح عضو بلدة المزرعة الغربية أحمد عبيد لدادوة، في حديث لـ"العربي الجديد". وأكد لدادوة أن الأهالي لن يسكتوا على ما يجري عبر المقاومة والفعاليات الشعبية، ومن خلال مواصلة الحراك القانوني لإجهاض كل المحاولات لشق طرق استيطانية أو مصادرة الأراضي، موضحاً "هي أراضينا، ولدينا وثائق بها منذ أيام أجدادنا قبل احتلالهم فلسطين". ودعا لدادوة الجهات المختصة في السلطة الفلسطينية إلى استصدار قرار يمنع عمل المقاولين في شق طرق استيطانية أو البناء في المستوطنات، بعدما تبين أن بعض المقاولين فلسطينيون.
واعتمد المستوطنون وسلطات الاحتلال على هذا الأسلوب الجديد من مصادرة الأراضي، عبر شق طرق استيطانية لربط المستوطنات، من خلال تفسير قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، العام الماضي، والقاضي بأنه "من الممكن استخدام أراضٍ فلسطينية خاصة للاستخدام الاستيطاني". وما يخشاه الفلسطينيون حالياً من أن تكون عملية شق هذا الشارع الاستيطاني الجديد مقدمة لمرحلة ربط 11 مستوطنة وبؤرة استيطانية تقع في شمال وغرب رام الله ضمن تكتل استيطاني يطلق عليه الاحتلال اسم "تلمونيم"، والانتقال إلى مرحلة أخرى، يسعى الاحتلال من خلالها لتطبيق مخطط يقضي بفصل شمال غرب رام الله وغرب رام الله عن مدينة رام الله، وتحويل القرى إلى كانتونات معزولة.
ورأى مستشار هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، محمد إلياس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل تحاول تسويق فكرة البناء في تكتل استيطاني وليس في مستوطنات وبؤر استيطانية معزولة، ولذا تسعى لتحويل تلك المستوطنات إلى تكتل "تلمونيم" الاستيطاني، وتعميم هذه التجربة على مناطق أخرى. وأشار إلياس إلى أن المستوطنين هم من بدأ بشق هذا الطريق، محذراً من أنه ورغم توقفهم في الفترة الحالية، إلا أنهم قد يعودون لشقه بطريقة أو بأخرى. كما حذر من سعي الاحتلال، عبر التكتل الاستيطاني الجديد "تلمونيم"، إلى مصادرة مجموعة من الأراضي عبر إقامة بؤر استيطانية، ومن ثم شرعنتها في عدة مناطق من شمال غرب رام الله، كما حدث في العديد من البؤر الاستيطانية التي أقيمت في المنطقة أخيراً، وهذا يعني أنه قد يتم مصادرة عشرات آلاف الدونمات. وأشار إلى أنه وعلى الرغم من عدم وجود مخطط واضح للاحتلال، لكن من الواضح، خلال السنتين الماضيتين، أنه تم تركيز النشاط الاستيطاني في هذه المنطقة، بينما تدعي سلطات الاحتلال أن جزءاً من الأراضي المحيطة بالمستوطنات معلنة أنها "أراضي دولة" منذ ثمانينيات القرن الماضي.
أما بخصوص الشارع الاستيطاني الجديد، فإن المسؤول في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، رأى أن هذا الشارع سيكرس واقعاً يحول دون وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم بحجج أمنية وغيرها، علاوة على ما يمكن أن نشهده من ممارسات المستوطنين خلال الفترة المقبلة، من خلال حرق الأشجار وغيرها، ما يفرض واقعاً يسهل لهم السيطرة على تلك الأراضي "لكن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بدأت أخيراً بعقد سلسلة فعاليات واجتماعات مع الأهالي من أجل التصدي لهذه المخططات الاستيطانية".
والشارع الاستيطاني الجديد، الذي يبدو أنه سيحاصر الأراضي الواقعة في قرى النبي صالح، ودير نظام، ودير عمار، وبيتلو، وأم صفا، وكوبر، وجيبيا، وبرهام، والمزرعة الغربية، بالإضافة إلى ادعاء سلطات الاحتلال مصادرة نحو ألفي دونم منذ ثمانينيات القرن الماضي بحجة أنها "أراضي دولة"، قد يكون مقدمة لمصادرة أراضٍ أخرى، خصوصاً المحيطة بالمستوطنات عبر حجج مختلفة، وربما لتنفيذ مخطط استيطاني آخر يسعى الاحتلال من خلاله إلى فصل شمال غرب رام الله وغرب رام الله عن مدينة رام الله، ما قد يطاول نحو 150 ألف دونم، ويحول تلك القرى الفلسطينية إلى كانتونات معزولة بين المستوطنات، وفق ما أوضح رئيس المجلس القروي في قرية النبي صالح، ناجي التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد". ورأى التميمي أن "أي تجمعات وتكتلات استيطانية بحاجة إلى شق طرق للوصول إليها، وهذا الشارع الاستيطاني مقدمة لإقامة العديد من البؤر الاستيطانية، ما يعني إمكانية فرض واقع جديد في المنطقة، خصوصاً التوجه الجديد لدى حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإيجاد طرق مواصلات منفصلة للمستوطنين، سواء بتحويل طرق قائمة للمستوطنين أو عبر شق طرق جديدة".