وتعدّ هذه الانتخابات الرابعة التي يخوضها التونسيون، بطريقة شفافة ونزيهة بعد أن أمّن عليها أكثر من مائة ألف عسكري وشرطي، حرسوا قدسية الصندوق وصانوه من كل زيف أو انحراف، إضافة إلى عشرات آلاف المراقبين والملاحظين الذين توزعوا على كل البقاع داخل البلاد وخارجها في أكثر من أربعين دولة في أقاصي الأرض، من أجل الارتقاء بهذه العملية الديمقراطية إلى درجة عالية من الشفافية والنزاهة، مع أن الأمر لا يخلو من انحرافات وتجاوزات سُجلت في أكثر من منطقة.
حسم التونسيون أمرهم البارحة، واختاروا من يعتقدون أنه سيصلح لمستقبلهم، ودخلوا في الوقت نفسه في معمعة الانتخابات التشريعية لتشكيل برلمانهم الجديد. وهو ما يعني أنّ مسألة الانتخابات الديمقراطية قد تم حسمها وتجاوزها، وأصبح الأهم الآن هو ديمقراطية الجدوى ونوعية الاختيار وطريقة التفكير الجماعي لنحت صورة الرئيس أو النائب في البرلمان. وقد شهدت البيوت والمقاهي ووسائل الإعلام والنقل نقاشات طويلة وحادة بين المواطنين، وخلافات حول الرئيس الأصلح، وبرزت مخاوف من أن يكون لبعض الخيارات كما لبعض الأدوية، آثار جانبية، بمعنى بروز الخطابات والشخصيات الشعبوية. وهي آثار لم تسلم منها دول ديمقراطية عريقة شهدت صعود اليمين المتطرف أو الأحزاب الشعبوية التي يقودها ممثلون ومهرجون وحتى أبطال أفلام إباحية، ولكنها بقيت بعد ذلك تعاني ثمرة خيارها وتدفع ثمنه على مدى خمس سنوات.
وعلى الرغم من أنّ الصوت يبقى مقدساً وحراً ولا سلطة لأحد عليه، وهو ثمرة الثورة الأهم إطلاقاً، فإنّ التونسيين مقبلون على طور جديد من تجربتهم بتأهيل طريقة تحديد النوع السياسي وأسلوب الحكم. ويبقى الامتحان الأكبر هو نسبة الإقبال على الصناديق، لأنه معيار دال على علاقة التونسيين بالشأن السياسي وانخراطهم فيه.