09 نوفمبر 2024
العراق.. "الصحوات" بوجهٍ جديد
كان لافتاً قرار تسليح العشائر في 50 بلدة في محافظة نينوى العراقية، أخيراً، بغرض مواجهة "فلول تنظيم داعش". صحيحٌ أن التنظيم لم يعد متمتعاً بوجود مركزي في سورية والعراق، وصحيحٌ أن تحوّله إلى "ذئاب منفردة" أكثر خطورةً من كونه حركة منظمة تشنّ هجمات على طريقة الجيوش، غير أن المعادلة تكمن في التالي: لمَ تسليح العشائر الآن، في ظلّ وجود القوات العراقية والحشد الشعبي والقوات الكردية، فضلاً عن الغطاء الجوي من التحالف الدولي؟
يُمكن العودة إلى الوراء قليلاً، حين وقع إشكالٌ بين الشرطة العسكرية والحشد الشعبي في الموصل، لم تُحسم فيه أولوية القرار العسكري، على الرغم من أن الحشد يُعدّ ضمن المنظومة الأمنية الشرعية العراقية. لم تسع الأرض يوماً لقوتين على مساحة ضيّقة، فكيف إذا كانت هاتان القوتان متعارضتين مذهبياً وسياسياً؟ الحسابات تغيّرت حالياً. ترسيم الحدود بين سورية والعراق، أساسي في الفترة المقبلة، سواء في سياق قطع الطريق عمّا يُعتبر "أوتوستراد طهران ـ بيروت"، العابر لبغداد ودمشق، أو في سياق ترسيخ الوجود العسكري الأميركي في التنف السورية. في الحالتين، لا يُمكن السماح بتغلغل الحشد الشعبي، أو بقائه، على الحدود بين العراق وسورية.
عليه، إن تسليح العشائر، وإنْ كان مشابهاً قليلاً لمرحلة "الصحوات" بين عامي 2005 و2013، غير أن الأهداف مختلفة. "الصحوات" واجهت تنظيم القاعدة فترة طويلة، وما إن انتهى دورها، حتى سيطر "داعش" على أجزاء واسعة من سورية والعراق. كان للحشد الشعبي دور أساسي في مواجهة التنظيم، لكنه أيضاً تصرّف بصورة توسّعية على قاعدة "فائض القوة"، فسيطر الحشد الشعبي على مناطق في ديالى وصلاح الدين، مغيّراً من ديمغرافيتها السكانية، كما شارك في العمليات الحدودية مع سورية ضد "داعش".
وبالتالي، يدخل تسليح العشائر في سياق تكريس دور عسكري ضاغط على الحشد الشعبي، في الشمال العراقي. مع العلم أن الحشد يعاني أصلاً في الجنوب، وهو ما برز في صيف كل عام من الأعوام الأخيرة، بفعل الحروب العشائرية هناك، والاحتجاجات الدائمة على انقطاع الكهرباء، فضلاً عن الغياب العملي لسلطة الدولة، كما أن الحشد يلاقي تغلغلاً سعودياً في البصرة، مدينة رياضية، بمثابة "هدية" من ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز. بالإضافة إلى أن السعوديين قرّروا مدّ العراقيين بمساعدة قيمتها مليار دولار.
في موازاة ذلك، لا يُمكن للحشد سوى أداء "دور دفاعي"، على اعتبار أن إيران حالياً منشغلة في ملفها مع الأميركيين، على أن تكون ساحات العراق ولبنان واليمن وسورية مجرد ميادين مواجهة لها، من دون إيلاء الأهمية لأولويات هذه الميادين، فإيران مثلاً ستقلق في حال سيطرة العشائر على الشمال العراقي، في حال تعارض ذلك مع مصالحها، لكنها بالطبع ستسمح بهذه السيطرة إذا تأمنت مصالحها. في النهاية، إيران دولة، والدول تسعى إلى توسيع مداها الحيوي، سواء بعناوين سياسية أو دينية أو مذهبية أو إيديولوجية.
سيكون تسليح العشائر في الشمال بمثابة "حجر دومينو" يمتد إلى الوسط والشرق العراقيين، ودائماً تحت عناوين "داعش" أو "الفلتان الأمني". ولذلك ليست مستبعدة عودة ملف "الجثث المجهولة في نهر دجلة" أو "تتالي التفجيرات في الأسواق الشعبية"، في غياب الاتفاق العراقي على ملء وزارات الداخلية والدفاع والعدل والتربية. وهو اتفاقٌ، إذا حصل، سيسمح بالإمساك بالوضع الأمني. ومن الطبيعي أن العشائر سيتمتعون بدعمٍ غربي وعربي واسع، سواء في تمويلهم أو مدّهم بالسلاح، في وقتٍ سيكون فيه الحشد في موقع تراجعي أو دفاعي بحت.
مرّ العراق، منذ عام 2003 في محطات أمنية عدة، لكن تسليح العشائر هو الأول من نوعه، في ظلّ خلاف إيراني ـ أميركي حادّ، قد يؤدي إلى تفكيك تفاهمهما في العراق، بعد 16 عاماً على الاتفاق على إسقاط صدام حسين.
يُمكن العودة إلى الوراء قليلاً، حين وقع إشكالٌ بين الشرطة العسكرية والحشد الشعبي في الموصل، لم تُحسم فيه أولوية القرار العسكري، على الرغم من أن الحشد يُعدّ ضمن المنظومة الأمنية الشرعية العراقية. لم تسع الأرض يوماً لقوتين على مساحة ضيّقة، فكيف إذا كانت هاتان القوتان متعارضتين مذهبياً وسياسياً؟ الحسابات تغيّرت حالياً. ترسيم الحدود بين سورية والعراق، أساسي في الفترة المقبلة، سواء في سياق قطع الطريق عمّا يُعتبر "أوتوستراد طهران ـ بيروت"، العابر لبغداد ودمشق، أو في سياق ترسيخ الوجود العسكري الأميركي في التنف السورية. في الحالتين، لا يُمكن السماح بتغلغل الحشد الشعبي، أو بقائه، على الحدود بين العراق وسورية.
عليه، إن تسليح العشائر، وإنْ كان مشابهاً قليلاً لمرحلة "الصحوات" بين عامي 2005 و2013، غير أن الأهداف مختلفة. "الصحوات" واجهت تنظيم القاعدة فترة طويلة، وما إن انتهى دورها، حتى سيطر "داعش" على أجزاء واسعة من سورية والعراق. كان للحشد الشعبي دور أساسي في مواجهة التنظيم، لكنه أيضاً تصرّف بصورة توسّعية على قاعدة "فائض القوة"، فسيطر الحشد الشعبي على مناطق في ديالى وصلاح الدين، مغيّراً من ديمغرافيتها السكانية، كما شارك في العمليات الحدودية مع سورية ضد "داعش".
وبالتالي، يدخل تسليح العشائر في سياق تكريس دور عسكري ضاغط على الحشد الشعبي، في الشمال العراقي. مع العلم أن الحشد يعاني أصلاً في الجنوب، وهو ما برز في صيف كل عام من الأعوام الأخيرة، بفعل الحروب العشائرية هناك، والاحتجاجات الدائمة على انقطاع الكهرباء، فضلاً عن الغياب العملي لسلطة الدولة، كما أن الحشد يلاقي تغلغلاً سعودياً في البصرة، مدينة رياضية، بمثابة "هدية" من ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز. بالإضافة إلى أن السعوديين قرّروا مدّ العراقيين بمساعدة قيمتها مليار دولار.
في موازاة ذلك، لا يُمكن للحشد سوى أداء "دور دفاعي"، على اعتبار أن إيران حالياً منشغلة في ملفها مع الأميركيين، على أن تكون ساحات العراق ولبنان واليمن وسورية مجرد ميادين مواجهة لها، من دون إيلاء الأهمية لأولويات هذه الميادين، فإيران مثلاً ستقلق في حال سيطرة العشائر على الشمال العراقي، في حال تعارض ذلك مع مصالحها، لكنها بالطبع ستسمح بهذه السيطرة إذا تأمنت مصالحها. في النهاية، إيران دولة، والدول تسعى إلى توسيع مداها الحيوي، سواء بعناوين سياسية أو دينية أو مذهبية أو إيديولوجية.
سيكون تسليح العشائر في الشمال بمثابة "حجر دومينو" يمتد إلى الوسط والشرق العراقيين، ودائماً تحت عناوين "داعش" أو "الفلتان الأمني". ولذلك ليست مستبعدة عودة ملف "الجثث المجهولة في نهر دجلة" أو "تتالي التفجيرات في الأسواق الشعبية"، في غياب الاتفاق العراقي على ملء وزارات الداخلية والدفاع والعدل والتربية. وهو اتفاقٌ، إذا حصل، سيسمح بالإمساك بالوضع الأمني. ومن الطبيعي أن العشائر سيتمتعون بدعمٍ غربي وعربي واسع، سواء في تمويلهم أو مدّهم بالسلاح، في وقتٍ سيكون فيه الحشد في موقع تراجعي أو دفاعي بحت.
مرّ العراق، منذ عام 2003 في محطات أمنية عدة، لكن تسليح العشائر هو الأول من نوعه، في ظلّ خلاف إيراني ـ أميركي حادّ، قد يؤدي إلى تفكيك تفاهمهما في العراق، بعد 16 عاماً على الاتفاق على إسقاط صدام حسين.