ليست قليلة تلك الأفلام الفرنسية التي تحكي عن إشكالية الضواحي وأهلها. في كل عام يظهر أكثر من شريط يروي تفاصيل عنها، ويقوم بمعالجتها على طريقته مع اختلاف مستوى الجودة والقدرة على تشريح تلك المعضلة العميقة، والتي أطاحت بأكثر من وزير داخلية في بلد فولتير، جرّاء عدم قدرتهم على التعامل مع ملف الضواحي.
ومن الأمور اللافتة في قصص وزارات الداخلية تلك، ذلك الصراع الخفي الذي كان يدور من أجل إحراق الشخصيات السياسية الطامحة لمناصب أعلى. مثال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حين كان راغباً في رئاسة حكومة جاك شيراك. لكن الأخير قرّر تعيينه وزيراً للداخلية رغبة في إحراقه. من الأقاويل التي سرت وقتها، بأن "ساركو" فهم المسألة لكنّه كان عنيداً، وقال لمقربيه، وهو يعمل على إيصال رسالة إلى شيراك بما معناه: "كنت أريد أن أكون رئيساً للحكومة لكن الآن عيني على كرسي رئيس الجمهورية". وهو ما حصل فعلا. وقع ذلك على الرغم من الطريقة العنيفة التي تعامل بها ساركو مع ملف الضواحي والمهاجرين، هذا على الرغم من كونه من أصول مجرية مُهاجرة إلى فرنسا. لكنّه أخذ الملف عبر التعامل مع وسطاء. مهاجرون يقومون بالتسلّط على مهاجرين، والشرطة تصبح وسيطًا بين الطرفين.
وقد انعكست السياسات الفرنسية تجاه الضواحي والمهاجرين في عدد من الأعمال السينمائية، من بينها زاوية المعالجة التي طرحها فيلم Les Misérables الذي أنتج عام 2019 لمخرجه لادجي لي. هو نفسه المخرج الذي يبحث في قصة الجيل الواقف في مسافة فاصلة بين موطنه الأصلي، والبلاد التي ولد فيها. يظهر أبناء هذا الجيل في المشهد الأول حاملين العلم الفرنسي، وهم ذاهبون لمشاهدة المباراة النهائية لكأس العالم الأخيرة. لن نشاهد تفاصيل من تلك المباراة ولا نتيجتها النهائية، لكن انعكاسها سيكون على وجوه الشباب. الفرحة التي على تلك الوجوه وطريقة احتفائهم بالعلم الفرنسي، ستقول لنا بفوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم الأخيرة. وبعد الاحتفال سيعود الصغار إلى أمكنة سكنهم في الضواحي حيث كل المباني تشبه بعضها. وهنا نقطة رعب كبيرة، فلا وجود لتميز أو لمسألة أن يخلق الفرد الناشئ لنفسه فرصة، كي يصبح ما يريد. ومَن يريد أن يحقق أحلامه سيجد ضابط شرطة يقوم بتفتيشه، بحثاً عن لفافة حشيش مُفترضة. لكن الألم سيظهر لاحقاً. ضابط الشرطة الذي يملك سلطة لا حدود لها، من أجل السيطرة على عصابات في تلك الضواحي، والتي تقوم بتنفيذ القانون على طريقتها. "أنا القانون" يقول الضابط. وهو نفسه من يقوم بإهانة طالبة من الضواحي، وتفتيش حقيبتها وتكسير هاتفها المحمول لمجرد أن قالت له "هذه البلاد فيها قانون". "أنا القانون" قال لها ولكثيرين آخرين قام بإهانتهم طوال الفيلم الذي أخذ عنوانه من عمل روائي هو الأشهر للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو. ولو لم يكن الشريط نفسه قد سار بالتوازي مع تفاصيل الرواية نفسها، بل حتّى إن اسم هوغو نفسه لا يظهر غير مرّة واحدة. لكن "البؤساء" تظهر في اسم منطقة "مونتفرمي" المكان الذي كانت تعيش فيه كوزيت، بطلة "البؤساء" في رواية هوغو نفسه.
احتقار المهاجرين الذين يرغبون في إكمال دراستهم سيظهر لاحقاً في فيلم Banlieusards عام 2019 لمخرجيه كيري جيمس وليلى سي. وكيري (ديمبا) نفسه المولود في منطقة الغوادلوب وهو أيضاً بطل الفيلم وشقيق الشاب جاميه ديانغنا (سليمان) الذي يتمنى مواصلة تعليمه ومهنة المحاماة في البلد، وهو الشاب الأنيق المثقف، صاحب النبرة الفرنسية الراقية، والذي يحمل القواميس الفرنسية دائماً في حقيبته كي يراجع مفرداته. لكنّه وفجأة، يعيش إهانة تحصل له تدفعه لترك إيمانه بـ"الجمهورية" التي يؤمن بها، والتي اختار الدفاع عنها في مناظرة، محاججاً بعدم مسؤوليتها إزاء أوضاع الضواحي. يقوم شرطي، من تلك النوعية التي تحتقر وتحتكر مسألة إهانة أصحاب البشرة السوداء بتوقيفه والتهمّة: لفافة حشيش! يُخلى سبيله، لكن الإهانة تبقى. في حين يبقى الطرف الثالث الأصغر باكاري دومبيرا (نوموكي)، والذي سيقلب حياة الجميع إلى الأبد.
في مثال ثالث سنجد عملاً هو Divines الذي أنجز في 2016، للمخرجة هدى بنيامينة. يطرح هذا الفيلم من جهته أيضاً إشكالية الضواحي. بطلتاه فقدتا الأمل في البلد وفي العِلم. هما غريبتان وفي كل يوم تشعران بالابتعاد عنه. يحصل لهما في كل نهار جديد ما، يقوم بتثبيت تلك الغربة وجعلها أبدية. كيف السبيل إذاً لفعل المقاومة والاستمرار في هذه المنطقة الغريبة عنهما؟ لا طريق سوى الحصول على المال والقوّة ولو عن طريق العنف، من السرقات الصغيرة إلى الكبيرة وحتى الانخراط بترويج المخدرات. تبقى مفردات "ماني، ماني، ماني" (فلوس)، تتردد على لسانيهما في أغلب أوقات الفيلم حتى تبدو كأغنية من تلحينهما الشخصي.
اقــرأ أيضاً
ومن الأمور اللافتة في قصص وزارات الداخلية تلك، ذلك الصراع الخفي الذي كان يدور من أجل إحراق الشخصيات السياسية الطامحة لمناصب أعلى. مثال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حين كان راغباً في رئاسة حكومة جاك شيراك. لكن الأخير قرّر تعيينه وزيراً للداخلية رغبة في إحراقه. من الأقاويل التي سرت وقتها، بأن "ساركو" فهم المسألة لكنّه كان عنيداً، وقال لمقربيه، وهو يعمل على إيصال رسالة إلى شيراك بما معناه: "كنت أريد أن أكون رئيساً للحكومة لكن الآن عيني على كرسي رئيس الجمهورية". وهو ما حصل فعلا. وقع ذلك على الرغم من الطريقة العنيفة التي تعامل بها ساركو مع ملف الضواحي والمهاجرين، هذا على الرغم من كونه من أصول مجرية مُهاجرة إلى فرنسا. لكنّه أخذ الملف عبر التعامل مع وسطاء. مهاجرون يقومون بالتسلّط على مهاجرين، والشرطة تصبح وسيطًا بين الطرفين.
وقد انعكست السياسات الفرنسية تجاه الضواحي والمهاجرين في عدد من الأعمال السينمائية، من بينها زاوية المعالجة التي طرحها فيلم Les Misérables الذي أنتج عام 2019 لمخرجه لادجي لي. هو نفسه المخرج الذي يبحث في قصة الجيل الواقف في مسافة فاصلة بين موطنه الأصلي، والبلاد التي ولد فيها. يظهر أبناء هذا الجيل في المشهد الأول حاملين العلم الفرنسي، وهم ذاهبون لمشاهدة المباراة النهائية لكأس العالم الأخيرة. لن نشاهد تفاصيل من تلك المباراة ولا نتيجتها النهائية، لكن انعكاسها سيكون على وجوه الشباب. الفرحة التي على تلك الوجوه وطريقة احتفائهم بالعلم الفرنسي، ستقول لنا بفوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم الأخيرة. وبعد الاحتفال سيعود الصغار إلى أمكنة سكنهم في الضواحي حيث كل المباني تشبه بعضها. وهنا نقطة رعب كبيرة، فلا وجود لتميز أو لمسألة أن يخلق الفرد الناشئ لنفسه فرصة، كي يصبح ما يريد. ومَن يريد أن يحقق أحلامه سيجد ضابط شرطة يقوم بتفتيشه، بحثاً عن لفافة حشيش مُفترضة. لكن الألم سيظهر لاحقاً. ضابط الشرطة الذي يملك سلطة لا حدود لها، من أجل السيطرة على عصابات في تلك الضواحي، والتي تقوم بتنفيذ القانون على طريقتها. "أنا القانون" يقول الضابط. وهو نفسه من يقوم بإهانة طالبة من الضواحي، وتفتيش حقيبتها وتكسير هاتفها المحمول لمجرد أن قالت له "هذه البلاد فيها قانون". "أنا القانون" قال لها ولكثيرين آخرين قام بإهانتهم طوال الفيلم الذي أخذ عنوانه من عمل روائي هو الأشهر للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو. ولو لم يكن الشريط نفسه قد سار بالتوازي مع تفاصيل الرواية نفسها، بل حتّى إن اسم هوغو نفسه لا يظهر غير مرّة واحدة. لكن "البؤساء" تظهر في اسم منطقة "مونتفرمي" المكان الذي كانت تعيش فيه كوزيت، بطلة "البؤساء" في رواية هوغو نفسه.
احتقار المهاجرين الذين يرغبون في إكمال دراستهم سيظهر لاحقاً في فيلم Banlieusards عام 2019 لمخرجيه كيري جيمس وليلى سي. وكيري (ديمبا) نفسه المولود في منطقة الغوادلوب وهو أيضاً بطل الفيلم وشقيق الشاب جاميه ديانغنا (سليمان) الذي يتمنى مواصلة تعليمه ومهنة المحاماة في البلد، وهو الشاب الأنيق المثقف، صاحب النبرة الفرنسية الراقية، والذي يحمل القواميس الفرنسية دائماً في حقيبته كي يراجع مفرداته. لكنّه وفجأة، يعيش إهانة تحصل له تدفعه لترك إيمانه بـ"الجمهورية" التي يؤمن بها، والتي اختار الدفاع عنها في مناظرة، محاججاً بعدم مسؤوليتها إزاء أوضاع الضواحي. يقوم شرطي، من تلك النوعية التي تحتقر وتحتكر مسألة إهانة أصحاب البشرة السوداء بتوقيفه والتهمّة: لفافة حشيش! يُخلى سبيله، لكن الإهانة تبقى. في حين يبقى الطرف الثالث الأصغر باكاري دومبيرا (نوموكي)، والذي سيقلب حياة الجميع إلى الأبد.
في مثال ثالث سنجد عملاً هو Divines الذي أنجز في 2016، للمخرجة هدى بنيامينة. يطرح هذا الفيلم من جهته أيضاً إشكالية الضواحي. بطلتاه فقدتا الأمل في البلد وفي العِلم. هما غريبتان وفي كل يوم تشعران بالابتعاد عنه. يحصل لهما في كل نهار جديد ما، يقوم بتثبيت تلك الغربة وجعلها أبدية. كيف السبيل إذاً لفعل المقاومة والاستمرار في هذه المنطقة الغريبة عنهما؟ لا طريق سوى الحصول على المال والقوّة ولو عن طريق العنف، من السرقات الصغيرة إلى الكبيرة وحتى الانخراط بترويج المخدرات. تبقى مفردات "ماني، ماني، ماني" (فلوس)، تتردد على لسانيهما في أغلب أوقات الفيلم حتى تبدو كأغنية من تلحينهما الشخصي.
تتكرر على وجه الخصوص على لسان بطلة الفيلم الرئيسية علية عمامرة (دنيا) والثانية السمراء المُبهرة جيسكا كلافاندا (ريبيكا)، حين تُطرد تلك الأولى من فصلها الدراسي. ولا يحدث هذا فجأة، هو يحصل بفعل حالة العزلة التي شعرتا بها في هذه المنطقة التي تفصلهما عن جمهورية "الإخاء، والمساواة، والحريّة". تظهر مسألة اختراع المال هنا ولو بأي وسيلة، كحيلة للخروج من "مستنقع" الحياة المقيمات فيه والذي يبدو كسجن كبير.