أهمية هذا التقصّي السينمائي تكمن في القيمة التاريخية لبدايات السينما المغربية. لكن، هل انجلت الحقيقة كاملة، أم أن الغموض لا يزال يحوم حول "الآباء الشرعيين" لهذه السينما؟
سينمائيًا، يعرف علي الصافي ما يريد. لديه مشروع وخطط عمل منسّقة، وهذا غائب لدى مخرجين مغاربة عديدين. ففي أعماله، وآخرها "الباب السابع"، مشروع سينمائي يتجاوز في أبعاده المتن الفيلمي ليتفاعل مع مجالين: الأول عام يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي، والثاني خاص يبحث فيه عن المنسي أو الضائع في أعمال أحمد البوعناني (1938 ـ 2011)، وهي أعمال محكوم عليها بالنسيان. هناك أيضًا كتاب له غير صادر لغاية الآن بعنوان "الباب السابع: بحث حول السينما المغربية أثناء الحماية".
في "الباب السابع"، يبدو المخرج كأنه يصوّر حياة أحمد البوعناني، مركّزًا على انكساراته وهزائمه، ومستثمرًا واقعة الحريق الذي شبّ في منزله، وفقدانه ابنته، وانعزاله عن المجتمع والناس، وعن جماعة السينما. ليس هذا كلّه بشكل توثيقي، يظنّ البعض أنه حاضرٌ في غالبية أعماله التي تستند إلى الأرشيف. فاشتغال الصافي في "الباب السابع" ـ وأعمال أخرى كـ"دموع الشيخات" و"الهارب" و"ورزازات موفي" ـ اشتغال على الذاكرة وعلى المنسيّ فيها، بهدف إعادة استنطاقهما (الذاكرة والمنسيّ فيه) لبوحٍ ينبعث من الذاكرة المنسية التي تسبّبت في مأساة، كحالة البوعناني في "الباب السابع".
هذا كلّه منضوٍ في تصوير المسكوت عنه في الذاكرة السينمائية المغاربية، خصوصًا في بداياتها، بالرجوع مع البوعناني إلى "وشمة" (1970) لحميد بناني. المقصود بهذا تصريح للبوعناني أفاد بأنه هو من اشتغل بشكل كبير على "وشمة"، وأن بناني لم يكن حاضرًا معظم أوقات تصوير الفيلم وإنجازه، وذلك بعد اتفاق عددٍ من السينمائيين ـ أحمد البوعناني وزوجته نعيمة السعودي ومحمد السقاط وحميد بناني ومحمد عبد الرحمن التازي ـ على إحداث مجموعة سينمائية يُساعد فيها كلّ فرد واحدًا منهم لإنتاج فيلمه الأول.
تصريح البوعناني هذا ـ المُتداوَل منذ فترة في جلسات مغلقة لسينمائيين مغاربة بصيغتي "ربما" و"أعتقد" ـ أُخرِج من المسكوت عنه وبات تصريحًا لأحد المشتغلين الأساسيين في "وشمة". لكن الأهم سينمائيًا هو أن "الباب السابع" فتح أفقًا آخر، مُحوِّلاً العمل إلى نوعٍ من "التحقيق الفيلمي" بالعودة إلى مَشَاهد أفلام "البدايات" السينمائية. عودة الصافي إلى مشاهد من "وشمة" و"السراب" تجعل الحكي تسجيليًا، يوازيه متن آخر لا يبتعد عن سياق السرد بعودته إلى "الذاكرة الفيلمية" لإبراز المسكوت عنه.
التركيز على المقارنة بين مشاهد "وشمة" وأفلام البوعناني والروائي الطويل "السراب" (1979) وأفلام أخرى قصيرة أو متوسطة الطول، كـ"الذاكرة 14" و"طرفاية أو مسيرة شاعر" و"أولاد سيدي أحماد أو موسى" و"المنابع الأربعة"، هذا التركيز يدفع المُشاهد إلى مقارنة الأسلوب السينمائي المعتَمَد في الفيلمين، الذي يُظهر تطابق الأسلوب السينمائي بشكل كبير، ويُبقي لـ"شهادة" البوعناني صدقيّتها بعد مشاهدة الأفلام اللاحقة لحميد بناني، كـ"صلاة الغائب" (1996) و"الطفل الشيخ" (2016)، وأعمال تلفزيونية له كمسلسل "السراب"، الذي اختار له العنوان نفسه لفيلم البوعناني، الذي لا أثر فيه للأسلوب المعتَمَد في "وشمة".
البوح ـ الذي يسعى إلى عدم نسيان ذاكرة السينما المغربية، والحاضر في كلام أحمد البوعناني في "الباب السابع" ـ يعود أيضًا إلى الممثل المغربي محمد الكص، الذي أُخرج بدوره من "الجماعة" ليطاوله النسيان، قبل أن يذكره البوعناني في شهادته مُقدِّمًا إياه كأحد أكبر الممثلين المغاربة، المُصاب بالجنون لأنه متروك وحده، فإذا بشهادته تزيح الغبار عن ذاكرة الجيل الأول من السينمائيين المغاربة.