الزمن لم يتغير. المشاعر تحكم عالمنا، هكذا دون مقدمات. قدم المخرج هاني خليفة، الإطار الدرامي العام لمسلسل "ليالي أوجيني" من بطولة أمينة خليل وظافر العابدين، إلى مجموعة من الممثلين المحترفين. شخصيات تميزت هذا الموسم، فرفعت الممثلة إنجي المقدم إلى مرتبة مُتقدمة. وكذلك أعيد اكتشاف اللبنانية، كارمن بصيبص، التي اختزلت تجاربها الخجولة في الدراما اللبنانية بدور يُعدُّ الأقوى في مسارها. ينتمي مسلسل "ليالي أوجيني" تصنيفًا إلى "الرومانسي الاجتماعي". لعل البطولة، هي في الحنين، إلى ذلك الماضي، وعقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، المفضلة عند كثيرين، حيث الأفلام أكثر بساطة، والأبطال والبطلات شديدو الجمال والوسامة، وقصص حب تشتعل سريعًا ولا يخبو بريقها سوى لأسباب قهرية، إضافة إلى الأمانة في رسم الصورة مجدداً، في العرض والتنفيذ والمقارنة، أي بعد أكثر من 60 عاماً.
Facebook Post |
التجربة ليست الأولى عربيًا، السينما العالمية طرحت أو عادت من خلال أفلام كثيرة إلى تلك العهود، لعل أبرزها كان فيلم Allied عام 2017 من بطولة براد بيت وماريون كوتيلار، والذي أعاد الناس إلى قصة زوجين فرنسيين في عصر الحرب العالمية الثانية.
يقتحم إنتاج "ليالي أوجيني" المشهد الدرامي في القاهرة هذه السنة، بعد سلسلة من الأعمال التي عُرضت في مواسم دراما رمضان السابقة، منها "طريقي" من إنتاج عام 2015، وهو أول مسلسل من بطولة المغنية شيرين عبد الوهاب، ومأخوذ عن المسلسل الكولومبي "صوت الحرية" من نص تامر حبيب، وإخراج محمد شاكر خضير. و"غراند أوتيل"، إنتاج 2016، وهي النسخة المصرية من المسلسل الإسباني Grand Hotel، من إخراج محمد شاكر خضير، وكتابة تامر حبيب أيضاً.
اختيار الممثلة أمينة خليل لهذا النمط من المسلسلات والقصص القديمة تحديداً، يُسجل لها. تعرف أمينة خليل كيف توظف موهبتها في هذا النوع من الأدوار، وتراها في معركة ثانية، بعد "غراند أوتيل" في وجبة تماس إنسانية، مع مجموعة من الخفايا التي تسيطر على شخصيتها في "ليالي أوجيني".
تمثل أمينة خليل دور امرأة هزمها الزواج، وتدفع ثمناً لخيار سيئ للغاية هو هذا الزواج نفسه، يدفعها دون قصد، من الحلقات الأولى إلى جريمة قتل زوجها، بعدما هزمها بقرار تسفير ابنتها إلى فرنسا. هي لحظة تحولت فيها "كريمة" إلى لبوة، مفترسة، ولم تجد في الردّ إلا الثأر وقتل من حرمها من فلذة كبدها.
تجمع "كريمة" التي تورطت بجريمة قتل عدة شخصيات في قلب أنثى واحدة، لجأت إلى مدينة ثانية بعد هزيمتها وفقدانها لزوجها وطفلتها، لتبدأ برسم "خطة طريق" كي تفوز وتسافر إلى فرنسا، أي إلى طفلتها، لكنها مع الوقت تكتشف أنها امرأة بحاجة إلى حب، مهما بدا التركيز على غاية عبورها مدينة بورسعيد والسفر.
تُعجَب "كريمة" بالدكتور "فريد" (ظافر عابدين) وهو متزوج من زوجة شقيقه الذي قضى في الحرب "عايدة" (كارمن بصيبص) وحملته ظروف العمل إلى مدينة بورسعيد، سيقع الدكتور فريد، لاحقًا فريسة في "قصة الحب" التي يدور محور المسلسل حولها.
تخطو أنجي المقدم بدور "صوفيا" خطوة إضافية لها كممثلة تستحق أدوار البطولة، وتلعب دور امرأة عاملة من أصول إيطالية تسكن في القاهرة، وتنشئ مقهى، هو محور معظم أحداث المسلسل، لكنها على الرغم من طلاقها وفقدانها لابنها، تجدها متماسكة جداً لا ترضخ لعثرات الزمن، ولا تنكسر، لمجرد أن تحتفظ بحبيب، تديره والدته المرأة الثرثارة، الفظّة والتي لا يسلم المحيط من كلامها وانتقادها.
وتقلب الممثلة، أسماء أبو اليزيد، في دور "جليلة" الطاولة على المُشككين بقدرتها، وتنال فرصة ذهبية، بين الممثلين في "ليالي أوجيني". المغنية والممثلة التي عرفها الجمهور السنة الماضية في "هذا المساء" تعود بدور مطربة تغني بشكل يومي، في ذلك التياترو منذ وصلت لبورسعيد من القاهرة، واستقرت هناك، ظنًا منها أنها مرحلة مؤقتة لتمتد تلك المرحلة لمدة عامين كاملين. "جليلة"، هي الفتاة الصعيدية المسيحية التي أحبت الفن منذ صغرها. وشجعها والدها، لتلتحق بالجامعة في القاهرة حين طلبت ذلك. لكنها لم تستطع أثناء تواجدها في القاهرة أن تمنع نفسها من ملاحقة حلم الغناء. فوجدت نفسها تتردد على اختبارات الفرق المسرحية والغنائية بحثاً عن فرصة. وحين علم أهلها حاولوا أن يثنوها عن ذلك وحين أصرت كانت القطيعه معهم.
Facebook Post |
في بور سعيد، تتعثر "جليلة" في قصة حبها لموظف في الملهى نفسه، وتحاول الهروب إلى الغناء، بعدما كانت أول من التقى بـكريمة التي وصلت هاربة إلى بورسعيد.
لا تقف القصة عند حدود "كريمة" و"فريد"، إذْ أمامهما مجموعة من العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تحيط الملهى الليلي "أوجيني" في قلب بورسعيد. صورٌ تعيد المشاهد إلى زمن أفلام الأبيض والأسود، لكن هذه المرة بصورة ملونة جذابة، تحيط بأدنى التفاصيل التي بإمكان المشاهد اكتشافها بسرعة، بعيداً عن الملل، بل إظهار أن تلك الحقبة اتسمت بالهدوء الذي يخيم على "حارة" أوجيني، البسيطة، وسيطرة "النَفَس" الفرنسي على السياق العام للمسلسل. عوالم هادئة، أمام ديكور متقن، وتفاصيل دقيقة تنقل تلك الحقبة الزمنية في الأربعينيات، وتحاكي حكايات رومانسية من الزمن الجميل بعيداً عن "الأكشن" والدم الذي صُبغت به دراما رمضان في السنوات الأخيرة.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات