يصعب التأكّد من أنّ بثّ أفلامٍ، مُنتجة في أعوام مختلفة، على شاشات محطات فضائية عربية عدّة، منبثقٌ من خطّةٍ تقضي بـ"تكريم" الممثل والمخرج الأميركي توم هانكس (1956). ففي 12 مارس/ آذار 2020، يُصبح هانكس أول "نجم هوليوودي" يُعلن إصابته، هو وزوجته ريتا ويلسن، بفيروس "كورونا"، أثناء وجودهما معاً في أستراليا، تحضيراً أوّلياً لمشروع سينمائي جديد للأسترالي باز ليرمان، يؤدّي فيه هانكس دور "الكولونيل" توم باركر، "إمبرازاريو" ملك الـ"روك أند رول"، إلفيس بريسلي.
فهل يأتي عرض تلك الأفلام استجابةٍ لحدثٍ كهذا؟
لا إجابة واضحة. لكن، بعد أسبوع على إصابته بالفيروس، يكشف هانكس أنّ الوضع الصحّي له ولزوجته مستقرّ. بعد ذلك بوقتٍ قليل، يُغادران المستشفى الجامعي "غولد كوست" في "كوينزلاند" (شمال شرق أستراليا)، إلى "عزلة منزلية"، قبل عودتهما إلى لوس أنجليس منذ أيام.
الأفلام المعروضة على تلك الشاشات غير مرتبطة بهاجس سينمائي أو ثقافي أو تأمّلي للمحطّات: عشوائية واضحة في اختياراتها، تفترضها برمجةٌ تختلف من محطّة إلى أخرى. التنويع المعتمد مُسلِّ. بعض العناوين يُحيل المُشاهدَ إلى ما هو أعمق من تسلية عابرة. الملاحَظ أنّ 3 أفلامٍ منها لستيفن سبيلبيرغ، الجامع بين حساسية سنيمائية باهرة وميل تجاري يرتكز على تساؤلات وجماليات وحالات: "إنقاذ المجنّد راين" (1998)، و"المحطّة الأخيرة" (2004)، و"جسر الجواسيس" (2015). هناك أيضاً "لديك بريد (You’ve Got Mail)" لنورا إيفرون (1998)، وExtremely Loud And Incredibly Close لستيفن دالدري (2011)، و"سالي" (2016) لكلينت إيستوود، و"إنفرنو" (2016) لرون هاورد.
وإذْ يأتي هذا الأخير في سياقٍ مُكمِّل لـ"شيفرة دافنشي" (2006) و"ملائكة وشياطين" (2009) لهاورد نفسه، مع شخصية البروفسور روبرت لانغدون (هانكس)، المتورّطة أكثر من مرة في عالمٍ خفيّ، يجمع أساطير قديمة براهن مجتمعات وتخبّطات، وبعض التراث الديني المسيحي بخفايا مؤسّسات تحكم في الظلّ على مدى سنين مديدة؛ فإنّ "أنفرنو" نفسه سيكون الفيلم الوحيد في تلك اللائحة الذي يعكس شيئاً من واقعٍ يعيشه العالم اليوم، مع تفشّي فيروس "كورونا"، وإنْ بشكلٍ غير مباشر. فلانغدون يُطارد "مجنوناً" يريد تسميم مياه إسطنبول، للقضاء على جزء كبير من العالم، ثم ينشر مرض الطاعون المُصّنع في مختبراتٍ، يعمل فيها قبل طرده منها.
تعرض فضائيات عربية هذه الأفلام، إمّا عفوياً وإمّا رغبةً في الالتفاف حوله في لحظة حرجة من حياته، يتخلص منها إلى حدّ كبير. إعادة مُشاهدتها تُنبِّه مُجدّداً إلى إمكانياته في التنقّل من شخصية إلى أخرى بسلاسة محترف يُتقن تقديم الجديد دائماً. في "جسر الجواسيس"، يكون محامياً مُكلَّفاً بمفاوضة الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية، لتبادل جواسيس أسرى بينهما وبين الولايات المتحدّة الأميركية. محامٍ (جيمس دونوفان) مُصاب بأنفلونزا، فالبرد قارسٍ في تلك البقعة الألمانية الممزّقة إلى بلدين. لكنّه، في "لديك بريد"، يكون رجل أعمال (جو فوكس) يمتلك قدرات مالية وسلطوية لن يستغلّها كلّها، بعد لقائه منافِسته في بيع الكتب، كاترين كيلّي (مغ راين)، لأنّ الحبّ أقوى وأعمق وأجمل. صراع بين منطقين وثقافتين ينتصر فيه الحبّ، فكيلّي وارثةٌ مكتبةً لها موجودة في نيويورك منذ أكثر من 40 عاماً، وفوكس يشتري مبنى ضخما مقابلها، كي يفتتح مكتبة تجارية كبيرة.
لا علاقة لهذا بفيكتور نافورسكي، الذي يُحاصَر في مطارٍ لأنّ انقلاباً يحدث في بلده فتُغلق منافذه كلّها، ولأنّ لا إمكانية للعودة إلى حيث يرغب في الذهاب (نيويورك) تحقيقاً لرغبة والده في لقاء عازف جاز، فيُمضي وقته في "المحطّة الأخيرة (The Terminal)". كم من أناسٍ "يُعتَقلون" في المحطات الأخيرة، بعد ارتباك المطارات وقرارات الإغلاق، وتأجيل مواعيد السفر، في زمن "كورونا"؟.
في "لديك بريد"، يُمثِّل مع مغ راين، التي يلتقيها مجدّداً في "إيثاكا" (2016)، مخرجة وممثلة. في الأفلام تلك، يُشارك هانكس ممثلاتٍ قليلات. فبعد راين، يلتقي كاترنيا زيتا ـ جونز (آمليا وارّن) في "المحطة الأخيرة"، وساندرا بولوك (ليندا شال) في Extremely Loud And Incredibly Close، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2005) لجوناثان سافْران فوير (1977)، تدور أحداثها في لحظة الاعتداء الإرهابيّ على أميركا (11 سبتمبر/ أيلول 2001)، ثم فليسيتي جونز، أي الدكتورة سِيَنّا برووكس في "إنفرنو". تغيب المرأة في الأفلام الأخرى، وإنْ تظهر فظهورها عابرٌ أو غير أساسيّ.
شخصياته السينمائية تلك تعكس تفاني الرجل في تحقيق ما يريد، أو ما يُطلب منه. ينصاع لانفعالٍ ذاتي، لكنّه لن يُخالف غريزة تدفعه إلى فعل المستحيل لإنقاذ ركّاب الطائرة (سالي)، ما يضعه في دائرة المحاسَبة، مع أنّه "بطل": متطلبات مهنة، أو موقف أخلاقي، أو تحطيم قواعد لنجاة مطلوبة. هذا يصنعه أيضاً في "إنقاذ المجنّد راين"، وإنْ بشكلٍ مختلف: متطلبات المهنة واجبٌ أخلاقي وعسكريّ، لكنّ تحطيم قواعد، أو بعضها لتنفيذ المهمّة، أساسيّ ومطلوب أحياناً، وإنْ تكن التضحيات جسيمة.
هذه تفسيرات غير محسومة كلّياً. أفلام توم هانكس تلك تمتلك مساحات أوسع وأجمل في مقاربة الفعل التمثيلي والاشتغال السينمائي والتأمّل في أحوال الفرد والجماعة، في عالمٍ متقلّب وغير آمن. في كلّ دور من تلك الأدوار ما يُعزِّز انجذاب مُشاهِد إلى فتنة أداء واشتغال.
هذا كلّه بانتظار ما ستؤول إليه أحوال العالم مع "كورونا"، وبانتظار اكتشاف حضوره في زمن إلفيس بريسلي، هو المتمكّن من إبهار دائم في تنقلاته بين شخصيات وأزمنة، وكثيرٌ من تلك الشخصيات حقيقيّ ومعروف.
لا إجابة واضحة. لكن، بعد أسبوع على إصابته بالفيروس، يكشف هانكس أنّ الوضع الصحّي له ولزوجته مستقرّ. بعد ذلك بوقتٍ قليل، يُغادران المستشفى الجامعي "غولد كوست" في "كوينزلاند" (شمال شرق أستراليا)، إلى "عزلة منزلية"، قبل عودتهما إلى لوس أنجليس منذ أيام.
الأفلام المعروضة على تلك الشاشات غير مرتبطة بهاجس سينمائي أو ثقافي أو تأمّلي للمحطّات: عشوائية واضحة في اختياراتها، تفترضها برمجةٌ تختلف من محطّة إلى أخرى. التنويع المعتمد مُسلِّ. بعض العناوين يُحيل المُشاهدَ إلى ما هو أعمق من تسلية عابرة. الملاحَظ أنّ 3 أفلامٍ منها لستيفن سبيلبيرغ، الجامع بين حساسية سنيمائية باهرة وميل تجاري يرتكز على تساؤلات وجماليات وحالات: "إنقاذ المجنّد راين" (1998)، و"المحطّة الأخيرة" (2004)، و"جسر الجواسيس" (2015). هناك أيضاً "لديك بريد (You’ve Got Mail)" لنورا إيفرون (1998)، وExtremely Loud And Incredibly Close لستيفن دالدري (2011)، و"سالي" (2016) لكلينت إيستوود، و"إنفرنو" (2016) لرون هاورد.
وإذْ يأتي هذا الأخير في سياقٍ مُكمِّل لـ"شيفرة دافنشي" (2006) و"ملائكة وشياطين" (2009) لهاورد نفسه، مع شخصية البروفسور روبرت لانغدون (هانكس)، المتورّطة أكثر من مرة في عالمٍ خفيّ، يجمع أساطير قديمة براهن مجتمعات وتخبّطات، وبعض التراث الديني المسيحي بخفايا مؤسّسات تحكم في الظلّ على مدى سنين مديدة؛ فإنّ "أنفرنو" نفسه سيكون الفيلم الوحيد في تلك اللائحة الذي يعكس شيئاً من واقعٍ يعيشه العالم اليوم، مع تفشّي فيروس "كورونا"، وإنْ بشكلٍ غير مباشر. فلانغدون يُطارد "مجنوناً" يريد تسميم مياه إسطنبول، للقضاء على جزء كبير من العالم، ثم ينشر مرض الطاعون المُصّنع في مختبراتٍ، يعمل فيها قبل طرده منها.
تعرض فضائيات عربية هذه الأفلام، إمّا عفوياً وإمّا رغبةً في الالتفاف حوله في لحظة حرجة من حياته، يتخلص منها إلى حدّ كبير. إعادة مُشاهدتها تُنبِّه مُجدّداً إلى إمكانياته في التنقّل من شخصية إلى أخرى بسلاسة محترف يُتقن تقديم الجديد دائماً. في "جسر الجواسيس"، يكون محامياً مُكلَّفاً بمفاوضة الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية، لتبادل جواسيس أسرى بينهما وبين الولايات المتحدّة الأميركية. محامٍ (جيمس دونوفان) مُصاب بأنفلونزا، فالبرد قارسٍ في تلك البقعة الألمانية الممزّقة إلى بلدين. لكنّه، في "لديك بريد"، يكون رجل أعمال (جو فوكس) يمتلك قدرات مالية وسلطوية لن يستغلّها كلّها، بعد لقائه منافِسته في بيع الكتب، كاترين كيلّي (مغ راين)، لأنّ الحبّ أقوى وأعمق وأجمل. صراع بين منطقين وثقافتين ينتصر فيه الحبّ، فكيلّي وارثةٌ مكتبةً لها موجودة في نيويورك منذ أكثر من 40 عاماً، وفوكس يشتري مبنى ضخما مقابلها، كي يفتتح مكتبة تجارية كبيرة.
لا علاقة لهذا بفيكتور نافورسكي، الذي يُحاصَر في مطارٍ لأنّ انقلاباً يحدث في بلده فتُغلق منافذه كلّها، ولأنّ لا إمكانية للعودة إلى حيث يرغب في الذهاب (نيويورك) تحقيقاً لرغبة والده في لقاء عازف جاز، فيُمضي وقته في "المحطّة الأخيرة (The Terminal)". كم من أناسٍ "يُعتَقلون" في المحطات الأخيرة، بعد ارتباك المطارات وقرارات الإغلاق، وتأجيل مواعيد السفر، في زمن "كورونا"؟.
في "لديك بريد"، يُمثِّل مع مغ راين، التي يلتقيها مجدّداً في "إيثاكا" (2016)، مخرجة وممثلة. في الأفلام تلك، يُشارك هانكس ممثلاتٍ قليلات. فبعد راين، يلتقي كاترنيا زيتا ـ جونز (آمليا وارّن) في "المحطة الأخيرة"، وساندرا بولوك (ليندا شال) في Extremely Loud And Incredibly Close، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2005) لجوناثان سافْران فوير (1977)، تدور أحداثها في لحظة الاعتداء الإرهابيّ على أميركا (11 سبتمبر/ أيلول 2001)، ثم فليسيتي جونز، أي الدكتورة سِيَنّا برووكس في "إنفرنو". تغيب المرأة في الأفلام الأخرى، وإنْ تظهر فظهورها عابرٌ أو غير أساسيّ.
شخصياته السينمائية تلك تعكس تفاني الرجل في تحقيق ما يريد، أو ما يُطلب منه. ينصاع لانفعالٍ ذاتي، لكنّه لن يُخالف غريزة تدفعه إلى فعل المستحيل لإنقاذ ركّاب الطائرة (سالي)، ما يضعه في دائرة المحاسَبة، مع أنّه "بطل": متطلبات مهنة، أو موقف أخلاقي، أو تحطيم قواعد لنجاة مطلوبة. هذا يصنعه أيضاً في "إنقاذ المجنّد راين"، وإنْ بشكلٍ مختلف: متطلبات المهنة واجبٌ أخلاقي وعسكريّ، لكنّ تحطيم قواعد، أو بعضها لتنفيذ المهمّة، أساسيّ ومطلوب أحياناً، وإنْ تكن التضحيات جسيمة.
هذه تفسيرات غير محسومة كلّياً. أفلام توم هانكس تلك تمتلك مساحات أوسع وأجمل في مقاربة الفعل التمثيلي والاشتغال السينمائي والتأمّل في أحوال الفرد والجماعة، في عالمٍ متقلّب وغير آمن. في كلّ دور من تلك الأدوار ما يُعزِّز انجذاب مُشاهِد إلى فتنة أداء واشتغال.
هذا كلّه بانتظار ما ستؤول إليه أحوال العالم مع "كورونا"، وبانتظار اكتشاف حضوره في زمن إلفيس بريسلي، هو المتمكّن من إبهار دائم في تنقلاته بين شخصيات وأزمنة، وكثيرٌ من تلك الشخصيات حقيقيّ ومعروف.