كثيراً ما تحاول الدراما استقراء الواقع وإعادة تمثيله، إلا أنها حين تدخل من باب التنظير تفقد بريقها الخاص. وهذا ما حدث مع الدراما السورية في موسم يعد الأكثر تنظيراً متماشياً مع رسائل النظام السوري للشعب وللمنطقة عن مفاهيم انتصاره والمؤامرة المحبوكة ضده.
"روزنا"... متى ينتهي التنظير؟
بأسلوب متكلف وشعارات كبيرة، ينطلق مسلسل "روزنا" من قصة ثري حلبي "وفا" يخسر معمله جراء المعارك في حلب، ويعود للصفر مع عائلته التي تنزح إلى دمشق. وبرغم الأخطاء الإخراجية القاتلة، إلا أن المسلسل كان من الوارد تشربه لو غاب عنه التنظير المقحم في كل مشهد. فجميع الشخصيات في "روزنا" تتحدث عن الخسارة من باب رؤية النظام. حتى عناصر الجيش في المسلسل يقدمون صورة أقرب للكاريكاتيرية عن حياة عساكر النظام وقفزهم من مدينة لأخرى لتحريرها وفق ما يصور النظام السوري لمواليه.
ولا بأس من الاستعانة بعنصر أمن حقيقي داخل المسلسل لضمان تنفيذ السيناريو وفق رؤية فروع الأمن في سورية. التنظير بمستوياته القياسية حدث مع تحول المسلسل إلى منصة لقراءة بيانات جيش النظام حول معاركه، والتباكي المفرط على مدينة حلب بشكل يفقد المسلسل واقعيته وعفوية الأداء التي من الواجب تقديمها، فيأتي "روزنا" كأول عمل سوري يصور داخل حلب منذ بداية الثورة كطعن موجع في خاصرة المدينة وذاكرة ربع مليون سوري تحاصر داخلها. وفي وقتٍ سابق، وصف مخرج العمل، عارف الطويل، في مؤتمر صحافي، بأنّه هدية للجماهير الحلبية، بمناسبة ما قال إنه "انتصار الجيش العربي السوري في حلب وتطهيرها من الإرهابيين". وبلغة إعلامية متطابقة تماماً مع اللغة التي يستخدمها نظام بشار الأسد، أكمل قائلاً: "العمل يحمل رسالة وطنية موجهة للعالم عن صمود الحلبيين في وجه الإرهاب... وتناول خطا دراميا وطنيا بحتا، يتمحور حول أسرة حلبية يمتلك ربها منشأة صناعية، تستهدفها الجماعات الإرهابية وتدمرها، إضافةً إلى تدمير منزلهم جراء قذائف الإرهابيين، مما يجبره على اتخاذ قرار بمغادرة المدينة، هو وأسرته. وفي طريقه إلى دمشق يتعرض أحد أبناء العائلة للقنص من قبل أحد الإرهابيين"، وصرّح الطويل أيضاً بأن "العمل سوف يرصد فرحة وردود فعل الأسرة الحلبية لحظة انتصار الجيش السوري في حلب".
اقــرأ أيضاً
"وحدن"... تنظير بطعم الخيال
بعيداً عن الطرح المباشر، فضلت الكاتبة ديانا كمال الدين تعبئة أفكار النظام في قصة درامية أخرجها للتلفزيون نجدت أنزور. فجاء "وحدن" عملا منزوع الدسم بعدما أثقل بأفكار لا تتناسب مع شريط الحدث فيه. لنشاهد في حلقة أما تولول لذهاب ابنها مع المسلحين، ويطمئن قلب أم ثانية لذهابه مع جيش النظام. أما الوطنية فتأتي على شكل دروس القومية ملعب النظام الأول في التربية لعقود. الشيخ والخوري يلتصقان ببعض، يتمازحان بشكل مبالغ فيه وحين يرحل الشيخ يعلّم الخوري كيف يصلي عليه ويدفنه. أما نساء العمل فرغم وجود عشرات الوجوه الشابة وترك مساحة البطولة لممثلات الصف الثاني في الدراما السورية، إلا أن تصوير وعي وتحرر المرأة في مجتمع ريفي قروي لا يمكن عزله عن رؤية النظام في إظهار شكله العلماني أمام الجمهور، رغم أن حالة التهميش في الريف السوري تناقض تماماً ما يقدمه المسلسل.
"وهم"... إيقاع مختلف
يشكل مسلسل "وهم" حالة من البساطة في طرح الدراما، وهي سمة غائبة عن المسلسلات السورية في السنوات الأخيرة. ورغم أنه يخرج من نطاق ما يسمى "مسلسلات الأزمة" لكنه يقع في فخ التنظير بتصوير طوباوية رجال الأمن في سورية. يقدّم المسلسل حكاية جريمة قتل لزوجة رجل نافذ في الدولة، ويسقط الزوج التهمة على المؤامرة الخارجية كما جرت العادة لأبواق النظام. أما رجال الأمن الداخلي فلا يقبلون الرشوة، يتعاملون بفظاظة خفيفة، فتغيب أساليب التعذيب ويستنفر كافة أعضاء الفرع للتحقيق في الجريمة في مسلسلة من ثلاثين حلقة. وإن كان العمل يحمل تشويقاً في طريقة طرحه البوليسي، فإطاره الزمني يشكل العثرة الأكبر. فحتى لو حملت الدولة بمفهومها الغائب في سورية نية إعادة بناء العلاقة مع المواطن، فذلك سيتطلب زمناً طويلاً وآليات أكثر إقناعاً من تصدير الدراما إلى الواجهة. وهم الهجرة إلى الخارج هي نقطة التنظير الأكبر في العمل من حلقاته الأولى وحتى الأخيرة على ما يبدو، فالمعارضة المسلحة في إدلب تتاجر بالمهاجرين، والدولة البر الرغيد للحياة دون خوف. وقد ذكرت وكالة "سانا" الرسميَّة التي تشكّل لسان حال النظام السوري بأنَّ المسلسل "يسلط الضوء على أسباب الهجرة التي يسعى إليها الشباب خارج الوطن رغم مخاطرها. كما يتطرق في أحد محاوره لحالات الاستغلال التي تمارسها شريحة من المجتمع من أجل تحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية"، وكأن النظام السوري ليس مسؤلاً عن هذه الهجرة.
"باب الحارة" .. يا للشوق
مع محاولات تصدير الهيبة كبديل عن باب الحارة في بث رسائل سياسية متخمة لأطراف سورية ولبنانية عدة، فإن غياب المسلسل الشامي الأشهر جعل الجمهور يتهكم على الدراما السورية بما تحمله من تنظير لهذا الموسم ويقارن ذلك مع أساليب "باب الحارة" في بث أفكار النظام لسنوات. فعلى الأقل تمكّن باب الحارة من دس السم في عسل التهريج والإضحاك، ولم يضطر المشاهد لتحمل مشاهد بطول خمس وسبع دقائق تلفزيونية تتحدث عن سورية بعيون النظام ليس إلا.
"روزنا"... متى ينتهي التنظير؟
بأسلوب متكلف وشعارات كبيرة، ينطلق مسلسل "روزنا" من قصة ثري حلبي "وفا" يخسر معمله جراء المعارك في حلب، ويعود للصفر مع عائلته التي تنزح إلى دمشق. وبرغم الأخطاء الإخراجية القاتلة، إلا أن المسلسل كان من الوارد تشربه لو غاب عنه التنظير المقحم في كل مشهد. فجميع الشخصيات في "روزنا" تتحدث عن الخسارة من باب رؤية النظام. حتى عناصر الجيش في المسلسل يقدمون صورة أقرب للكاريكاتيرية عن حياة عساكر النظام وقفزهم من مدينة لأخرى لتحريرها وفق ما يصور النظام السوري لمواليه.
ولا بأس من الاستعانة بعنصر أمن حقيقي داخل المسلسل لضمان تنفيذ السيناريو وفق رؤية فروع الأمن في سورية. التنظير بمستوياته القياسية حدث مع تحول المسلسل إلى منصة لقراءة بيانات جيش النظام حول معاركه، والتباكي المفرط على مدينة حلب بشكل يفقد المسلسل واقعيته وعفوية الأداء التي من الواجب تقديمها، فيأتي "روزنا" كأول عمل سوري يصور داخل حلب منذ بداية الثورة كطعن موجع في خاصرة المدينة وذاكرة ربع مليون سوري تحاصر داخلها. وفي وقتٍ سابق، وصف مخرج العمل، عارف الطويل، في مؤتمر صحافي، بأنّه هدية للجماهير الحلبية، بمناسبة ما قال إنه "انتصار الجيش العربي السوري في حلب وتطهيرها من الإرهابيين". وبلغة إعلامية متطابقة تماماً مع اللغة التي يستخدمها نظام بشار الأسد، أكمل قائلاً: "العمل يحمل رسالة وطنية موجهة للعالم عن صمود الحلبيين في وجه الإرهاب... وتناول خطا دراميا وطنيا بحتا، يتمحور حول أسرة حلبية يمتلك ربها منشأة صناعية، تستهدفها الجماعات الإرهابية وتدمرها، إضافةً إلى تدمير منزلهم جراء قذائف الإرهابيين، مما يجبره على اتخاذ قرار بمغادرة المدينة، هو وأسرته. وفي طريقه إلى دمشق يتعرض أحد أبناء العائلة للقنص من قبل أحد الإرهابيين"، وصرّح الطويل أيضاً بأن "العمل سوف يرصد فرحة وردود فعل الأسرة الحلبية لحظة انتصار الجيش السوري في حلب".
"وحدن"... تنظير بطعم الخيال
بعيداً عن الطرح المباشر، فضلت الكاتبة ديانا كمال الدين تعبئة أفكار النظام في قصة درامية أخرجها للتلفزيون نجدت أنزور. فجاء "وحدن" عملا منزوع الدسم بعدما أثقل بأفكار لا تتناسب مع شريط الحدث فيه. لنشاهد في حلقة أما تولول لذهاب ابنها مع المسلحين، ويطمئن قلب أم ثانية لذهابه مع جيش النظام. أما الوطنية فتأتي على شكل دروس القومية ملعب النظام الأول في التربية لعقود. الشيخ والخوري يلتصقان ببعض، يتمازحان بشكل مبالغ فيه وحين يرحل الشيخ يعلّم الخوري كيف يصلي عليه ويدفنه. أما نساء العمل فرغم وجود عشرات الوجوه الشابة وترك مساحة البطولة لممثلات الصف الثاني في الدراما السورية، إلا أن تصوير وعي وتحرر المرأة في مجتمع ريفي قروي لا يمكن عزله عن رؤية النظام في إظهار شكله العلماني أمام الجمهور، رغم أن حالة التهميش في الريف السوري تناقض تماماً ما يقدمه المسلسل.
"وهم"... إيقاع مختلف
يشكل مسلسل "وهم" حالة من البساطة في طرح الدراما، وهي سمة غائبة عن المسلسلات السورية في السنوات الأخيرة. ورغم أنه يخرج من نطاق ما يسمى "مسلسلات الأزمة" لكنه يقع في فخ التنظير بتصوير طوباوية رجال الأمن في سورية. يقدّم المسلسل حكاية جريمة قتل لزوجة رجل نافذ في الدولة، ويسقط الزوج التهمة على المؤامرة الخارجية كما جرت العادة لأبواق النظام. أما رجال الأمن الداخلي فلا يقبلون الرشوة، يتعاملون بفظاظة خفيفة، فتغيب أساليب التعذيب ويستنفر كافة أعضاء الفرع للتحقيق في الجريمة في مسلسلة من ثلاثين حلقة. وإن كان العمل يحمل تشويقاً في طريقة طرحه البوليسي، فإطاره الزمني يشكل العثرة الأكبر. فحتى لو حملت الدولة بمفهومها الغائب في سورية نية إعادة بناء العلاقة مع المواطن، فذلك سيتطلب زمناً طويلاً وآليات أكثر إقناعاً من تصدير الدراما إلى الواجهة. وهم الهجرة إلى الخارج هي نقطة التنظير الأكبر في العمل من حلقاته الأولى وحتى الأخيرة على ما يبدو، فالمعارضة المسلحة في إدلب تتاجر بالمهاجرين، والدولة البر الرغيد للحياة دون خوف. وقد ذكرت وكالة "سانا" الرسميَّة التي تشكّل لسان حال النظام السوري بأنَّ المسلسل "يسلط الضوء على أسباب الهجرة التي يسعى إليها الشباب خارج الوطن رغم مخاطرها. كما يتطرق في أحد محاوره لحالات الاستغلال التي تمارسها شريحة من المجتمع من أجل تحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية"، وكأن النظام السوري ليس مسؤلاً عن هذه الهجرة.
"باب الحارة" .. يا للشوق
مع محاولات تصدير الهيبة كبديل عن باب الحارة في بث رسائل سياسية متخمة لأطراف سورية ولبنانية عدة، فإن غياب المسلسل الشامي الأشهر جعل الجمهور يتهكم على الدراما السورية بما تحمله من تنظير لهذا الموسم ويقارن ذلك مع أساليب "باب الحارة" في بث أفكار النظام لسنوات. فعلى الأقل تمكّن باب الحارة من دس السم في عسل التهريج والإضحاك، ولم يضطر المشاهد لتحمل مشاهد بطول خمس وسبع دقائق تلفزيونية تتحدث عن سورية بعيون النظام ليس إلا.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات