سجّل تاريخ الدراما العربية عموماً، حالة من تفرد بعض الدول بتصدير الأسماء دوماً، رسخت شخصياتها وجودها بالذاكرة العربية المشتركة، على الرغم من صعوبة الصعود والوصول إلى الشارع في ذلك الزمن، وذلك لعدم وجود مساحة تدعم الممثّل مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل الفنان اليوم على تماسٍ مباشر مع الناس. في الماضي، كانت المسارح ودور السينما بوابات ومنصّات أساسية لتصدير النجوم وصناعتهم.
اليوم، في ظل وجود حالة السبق الدرامي، تتنافس شركات الإنتاج على صناعة المواد الدرامية بشكل سريع، حتى باتت الأعمال المطروحة تجارية ومفتقدة للعمق بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدَّى إلى تراجع الصورة الحقيقيَّة للدراما، وفقدانها دورها الاجتماعي، بعكس واقع الناس ومشاكلهم وأوجاعهم. في زمننا الحالي، المعيار الأساسي في اختيار الممثلين، هو المظهر الخارجي للممثل أو الممثلة. وهذا ما شاهدناه أخيراً في معظم الأعمال العربية المشتركة، إذْ أصبح شغلها الشاغل صناعة أسماء وتصديرها، كان التمثيل صُدفةً في حياتها، ولم تتدرّج في عوالم الفن بشكل تراكمي.
جوليا الشواشي
الصدف ليست بغريبة عن الدراما اليوم، إذْ إنَّ مساحات الإبداع باتت تقتصر على جمال الوجه وملامح الرجولة الجذابّة بالنسبة إلى الرجل، والإثارة ونمط الحياة الباهظ بالنسبة إلى المرأة. والتغني بالصدف بات أمراً ملحوظاً. فعلى سبيل المثال، صرّحت الفنانة التونسية الشابة جوليا الشواشي، بوضوح، بأنَّها دخلت عالم الدراما المصرية من طريق الصدفة. إذْ كانت الشواشي نجمة إعلانات، وهي الآن تخوض مشواراً في عوالم الدراما والتمثيل.
معتصم النهار
لا يختلف الأمر بالنسبة إلى الممثلين الشباب السوريين، إذْ كانت الصدف أيضاً عاملاً أساسياً في نجومية بعضهم، على رأسهم، مثلاً، معتصم النهار، الذي حصل على فرص لم يكن يحلم بها، تصدّر من خلالها الأعمال العربية المشتركة إلى جانب الممثل السوري قصي الخولي، وغيره من نجوم الصف الأول. معتصم شارك في بداياته في مسلسل "أيام الدراسة" الذي ألّفه صديقه الممثل طلال مارديني، وكان بوابة له ليدخل عالم التمثيل، بسبب الإقبال الشديد والمفاجئ الذي ناله العمل، حتى إنَّه امتدّ لأجزاء، كان آخرها الجزء الثالث. لذلك، نستطيع القول إنَّ دخول معتصم إلى العالم الدرامي، كان من طريق صدفة لم يتخيلها، جمعته اليوم بأسماء من نجوم الصف الأول.شركات الإنتاج
ولم تقتصر حالة الصدف على الممثلين والممثلات فقط، بل شملت بعض شركات الإنتاج التي حالفها الحظّ أيضاً، فصارت أعمال بعض الشركات موجودة على شبكة "نتفليكس"، في رغبة واضحةٍ بتحقيق مزيد من النجاح التجاري. طمع هذه الشركات في الربح السريع، أدّى إلى تسليع الدراما العربية وتسطيحها بكلّ أنواعها، وتصديرها إلى العالم بشكل مفبرك بعيدٍ عن الواقع العربي الفعلي. إذْ أُهمل الشكل السليم والمضمون النقدي لهذه الدراما، وخصوصاً السورية، من طريق استيراد سطحي لنموذج غربي في التشويق والإثارة، من المؤكّد أن الدراما العربية الآن غير مجهّزة له.