يعد الطعام، وكل ما يتعلق به، أحد أهم أنواع الإرث الاجتماعي الذي تنقله الأمهات إلى بناتهنّ وأبنائهن جيلًا بعد جيل، ونجدهم يطبقون بدقة خطوات الطهي والتخزين والتقديم التي حفظوها غيبًا منذ نعومة أظفارهم، من دون أن يدركوا أسبابها أو مدى صحتها وخطئها من الناحية العلمية. ولأهمية التوعية بالثقافة التغذوية، سيدخلنا "العربي الجديد" عبر سلسلة مقالات إلى عالم النساء وراء طاولات الطبخ، فاتحًا أبواب خزائنهن ليفك شيفرة وصفاتهن السرية، ويفاجئهن بأساسها العلمي، بعيدًا عن حكايا الجدات وأساطيرهن.
الأرز والتوابل
تصيب ربات المنازل غالبًا في حفظ ما يتبقى من وجبة الأرز المطبوخ في الثلاجة مباشرة، لما يعرف عنه من فساده السريع، إلا أن بعضهن يخطئن بشراء التوابل المطحونة يدويًا من دون التأكد من سلامتها، لما يعرف عنها كمنتجات غير قابلة للفساد، ولا تدرك أغلبهن العلاقة السرية بينها وبين سرعة فساد الأرز غير المحفوظ في الثلاجة.
ويقول حسن عيسى، الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال تصنيع الأغذية من جامعة "نيوكاسل" ببريطانيا: "تبدو التوابل غير قابلة للفساد بسبب تجفيفها وعدم احتوائها على الماء، إلا أن هذا غير صحيح، فهي تبقى مواد عضوية قابلة للتحلل على الرغم من طول فترة صلاحيتها التي تراوح بين سنتين و6 سنوات، حسب نوع التوابل وطريقة حفظها، إلا أن التوابل المكشوفة تحديدًا تشكل خطرًا صحيًا محتملًا، بسبب تعرضها للهواء والملوثات والغبار وقابلية أكسدة الزيوت العطرية".
ويضيف: "لوحظ احتواء هذه التوابل المكشوفة على نسبة عالية من البكتيريا، أهمها البكتيريا العصوية الشمعية bacillus cereus، ما يرفع من احتمالية فساد الأغذية التي تضاف إليها، إذ إنها تحمي أبواغ هذه البكتيريا لتعود وتنمو في الطعام غير المحفوظ في الثلاجة".
وتتحمّل أبواغ البكتيريا المنتقلة من التوابل إلى الأرز درجات حرارة الطبخ العالية، وتتحول إلى بكتيريا نشطة تسبب المرض لدى توفر الظروف المناسبة، كدرجات الحرارة المعتدلة والمواد المغذية المطلوبة، ويعتبر الأرز غير المحفوظ في الثلاجة من أكثر البيئات المثالية لنشاط هذه البكتيريا.
التجميد وفكّه
تعتقد أغلب ربات البيوت أن التجميد طريقة تعقيم للقضاء على البكتيريا، إلا أن هذا التصور خاطئ، إذ إنه يساعد فقط على تثبيط الأحياء الدقيقة التي لا تلائمها درجات الحرارة المنخفضة، والتي تعاود نشاطها مباشرة بعد فك التجميد، إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة للحد من ذلك، لهذا تحذر مهندسة التصنيع الغذائي ولاء حاج بكري، من فك تجميد الطعام في درجة حرارة الغرفة، وتنصح بالقيام بهذه العملية في البراد أو في الميكرويف، وتقول: "يعمد أغلب الناس لفك التجميد خارج البراد، نظرًا لضيق الوقت، وفي هذه الحالة يذوب سطح الغذاء قبل المركز، ويمكن أن تصل حرارته إلى درجة ملائمة لنشاط البكتيريا المثبطة من جديد، قبل الانتهاء من فك التجميد بشكل كلي، وهذا خطير على السلامة الصحية".