لا تزال القبلة في السينما المصرية أزمةً تواجه صنّاعها. لذلك، تناولها المخرج والمؤلف أحمد عامر في فيلمه الروائي الطويل الأول "بلاش تبوسني" (2018)، الذي تروي قصّته حكاية فنانة (ياسمين رئيس) ترفض القبلات في المشاهد السينمائية التي تظهر فيها (يُشارك الفيلم في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، في الدورة الـ5 لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" في لبنان، التي تُقام بين 19 و26 إبريل/ نيسان 2018).
ياسمين رئيس نفسها كانت طوق نجاة للمنتج والمؤلف محمد حفظي، مع نشوء "أزمة قبلة" في "الشيخ جاكسون" (2017) لعمرو سلامة كادت توقف تصويره. يومها، كتب حفظي إعلانًا ساخرًا على صفحته على موقع "فيسبوك"، يطلب فيه ممثلة توافق على تصوير مشاهد فيها قبلات، مؤكّدًا أن ممثلات الجيل الحالي يرفضن القبلات. حينها، وافقت رئيس على هذا الفيلم، الذي رفضته ممثلات منتميات إلى جيلها.
كشف محمد حفظي تفاصيل الواقعة، قائلاً ـ في لقاء مع الإعلامية سمر يسري، في برنامج "أنا وأنا" ـ أن الفنانة الوحيدة التي وافقت على القبلة هي ياسمين رئيس، "لأن القبلة لم تكن بغرض الإغراء أو غيره، فقد كان البطل يقبّلها عنوةً". إلى ذلك، "لو نظرنا إلى السينما في الـ30 عامًا الفائتة، لرأينا أن الناس يُقبِّلون بعضهم البعض بشكلٍ عادي. هذا موجود في السينما منذ زمن".
لكن القبلة في السينما المصرية، خلال الـ30 عامًا الفائتة، لم تكن مقبولة من الفنانات جميعهنّ، على نقيض ما قاله محمد حفظي. ففاتن حمامة كانت ترفض أي مشهد يحتوي على "قبلات" أو "أحضان"، ويبقى "صراع في الوادي" (1960) ليوسف شاهين الاستثناء الوحيد لها، إذْ وافقت على قبلةٍ مع عمر الشريف، وكان المشهد حقيقيًا، لأن مدّة القبلة طالت دقائق عديدة، إلى درجة أثارت تعجّب شاهين. يومها، فُضِحت "قصة الحب السرية" بين فاتن حمامة وعمر الشريف، وعلّق شكري سرحان على المسألة، في أحد حواراته المنشورة في مجلة "أهل الفن" قائلاً: "اعتادت فاتن حمامة، كلّما ظهرت في موقف من المواقف الغرامية على الشاشة، فرض قيودٍ بينها وبين الممثل الذي يشاركها في المشاهد العاطفية". أضاف: "كنا نلتمس لها العذر، لأنها صاحبة مبدأ يجب أن نحترمه، حتى خرجت لنا بقبلتها التاريخية الأولى في (صراع في الوادي)، رغم رفضها تقبيلي لها في فيلمنا العاطفي (موعد مع الحياة، 1953) لعز الدين ذو الفقار، وقبله (أنا بنت ناس، 1951) لحسن الإمام".
من جهتها، مشت سميرة أحمد على خطى فاتن حمامة، لتنضم إلى فنانات "الزمن الجميل"، اللواتي يرفضن مشاهد القبلات. في حوار يعود إلى عام 2004، قالت أحمد: "كنت أخاف جدًا من القبلة في السينما، لأني اكتشفتُ أن الجمهور، أحيانًا كثيرة، لا يصدّق أن هذا تمثيل. كنتُ أخاف على سمعتي للغاية، فأنا في النهاية صعيدية، وهناك حدود أقف عندها". في "صاحب الجلالة" (1963) لفطين عبد الوهاب، أصرّت سميرة أحمد على عدم تقبيل فريد شوقي، مؤكّدة ـ في الوقت نفسه ـ على أن القبلات "إخراجية، وليست حقيقة".
يحتفظ تاريخ السينما بقصص رفض الفنانات مشاهد القبلات، في مراحل مختلفة، ومع تغيّر عادات المجتمع وتقاليده.
ففي ثمانينيات القرن الـ20 وتسعينياته، برزت فئتان: أولى لفنانات الإغراء والقبلات، وتضمّ نادية الجندي وإلهام شاهين وغيرهما، وثانية لرافضات لذلك، كآثار الحكيم، المتمنّعة عن تقبيل عادل إمام في "النمر والأنثى" (1987) لسمير سيف، فصُوِّر المشهد بشكل يخدع المُشاهد، ويوهمه بحدوث قبلة حقيقية. وكانت شهيرة من الرافضات، إذْ أكّدت أن زوجها محمود ياسين هو الوحيد الذي قبّلها في الأفلام. في "وصمة عار" (1986) لأشرف فهمي، رفضت شهيرة، بشدّة، تقبيل نور الشريف، فأُلغيت القبلات كلّها. كذلك، رفضت منى عبد الغني تقبيل أحمد زكي في "الباشا" (1993) لطارق العريان، واعتذرت (لاحقًا) عن الفيلم. عندما علم زكي برفضها، قال: "قوموا بتنظيف الفيلم كي توافق".
ظلّ رفض القبلات سمة فنانات كثيرات في الجيل الحالي أيضًا. أبرزهنّ غادة عادل، التي صرّحت بأنها تشعر بالخجل من مشاهد القبلات بسبب أطفالها، وأيضًا لأنها تؤمن بأن للأعمال الدرامية الخاصّة بالفضائيات "قواعد وأحكاما أخلاقية"، فـ"هي تدخل البيوت من دون استئذان". منى زكي تؤمن، هي أيضًا، بـ"السينما الخالية من القبلات". لذا، رفضت، عام 2002، المشاركة في "الصديقة" مع رامي عياش، بسبب "وجود عدد كبير من القبلات والمشاهد العاطفية الساخنة". قالت إنها تشترط عدم تأدية هذه المشاهد في أفلامها، خاصة بعد زواجها من أحمد حلمي.
وبسبب رفضها مشهد القبلة في "المهاجر" (1994)، طرد يوسف شاهين الممثلة حنان ترك من مكتبه، ما جعلها توافق على مشهد قبلات مع هاني سلامة في "الآخر" (1999)، كي لا يغضب شاهين منها مرة أخرى، لكنها عبّرت عن ندمها على تلك القبلة، في حوار مع الإعلامي عمرو الليثي (2012)، أكّدت فيه رفضها مبدأ القبلات، حتى قبل ارتدائها الحجاب.
للممثلين مواقف سلبية من مشاهد القبلات أيضًا، كمحمد هنيدي، الذي قال للإعلامية وفاء الكيلاني في "الحكم" (2014) إنه "يخجل" من مشاهد القبلات في أفلامه، و"يحترم" مشاعر زوجته. ويرى محمد رمضان (برنامج "المتاهة"، 2015)، أن "القبلات في الأفلام والأحضان تؤذي المجتمع أكثر من مشاهد البلطجة".
إلى ذلك، فقد اتسعت جبهة الفنانين الرافضين للقبلات، بعد انضمام فنانين أطفال إليها. في "العفاريت" (1990) لحسام الدين مصطفى (تمثيل عمرو دياب ومديحة كامل)، رفض "الفنان الطفل" أحمد عقل (أدّى دور سقراط) تقبيل الطفلة الصغيرة (أدّت دور بلية)، مبرّرًا رفضه أثناء التصوير بأنه "صائم". لكن المخرج مصطفى أقنعه بأنه يجوز له التقبيل أثناء صيامه "لأنه صغير السنّ".