استغلال الأجانب [2/2]... سوريون ضحايا تسويات الأمن في لبنان

بيروت

حبيب شحادة

avata
حبيب شحادة
صحافي مقيم في إسطنبول ويتابع الاقتصاد السوري
17 ابريل 2023
إقامات لبنان
+ الخط -

يستغل سماسرة ومحامون لبنانيون حاجة اللاجئين السوريين إلى بطاقات إقامة وتحديداً من لا تنطبق عليهم شروط تسوية الأوضاع التي أعلنها الأمن العام، ويخدعونهم للحصول على مبالغ مالية، إذ يتهددهم خطر التوقيف أو الترحيل .

- يحاول الثلاثيني السوري حامد خليل تصحيح وضعه القانوني واستخراج بطاقة إقامة للاستقرار والعمل منذ دخوله خلسةً إلى لبنان بداية العام الماضي، بعد ما فشلت خططه في السفر إلى أوروبا، "لكن باب التسويات التي ينظم عبرها الأمن اللبناني وضع السوريين ممن دخلوا بشكل غير قانوني كان مغلقا"، كما يقول خليل، إذ اشترطت آخر تسوية أُعلن عنها الأمن في أغسطس/آب 2022، أن يكون الدخول غير الشرعي للسوريين إلى لبنان قبل شهر إبريل/نيسان من عام 2019، وفقاً لما نشرته المديرية العامة للأمن العام اللبناني على موقعها الإلكتروني.

وبسبب هذا القرار، فقدَ خليل آماله وحاول إيجاد طريقة بديلة عبر سمسار ينشط في مجموعات للسوريين على "فيسبوك" عرض عليه تسوية وضعه المخالف مقابل 250 دولارا في مقابل إجراءات التسوية، و1000 دولار في مقابل استصدار الإقامة، لكنه اختفى بعد 20 يوما وانقطع الاتصال معه بعد استلامه 750 دولارا حولها خليل بعد اتفاقه معه مباشرة، على أن يكمل المبلغ المتبقي عند استلام الإقامة.

ويعيش خليل اليوم بلا إقامة حاله مثل 78% من السوريين في لبنان، بحسب تقرير (تقييم ضعف اللاجئين السوريين في لبنان) الصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA في 25 يناير/كانون الثاني 2022. ويتخوف هؤلاء من تطبيق الأمن العام قرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في 15 إبريل 2019 والقاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية، والذي عرّض عشرات آلاف اللاجئين السوريين إلى خطر الاعتقال التعسفي والترحيل القسري والاضطهاد والتعذيب، بحسب ما وثقه مركز وصول لحقوق الإنسان (حقوقي مقره لبنان) على موقعه الإلكتروني في 12 مارس/آذار 2020.

كيف يتم تنظيم دخول وخروج السوريين؟

يعطي القانون اللبناني مدير الأمن العام سلطة استنسابية بموضوع الأجانب وليس فقط السوريين، كما يوضح المحامي جورج خوري (يعمل في مكتبه الخاص في بيروت)، مضيفاً أن المديرية العامة للأمن العام تنظم دخول وخروج السوريين عبر مذكرات تصدرها كما يمكن سحب إقامة أي أجنبي ومن ضمنهم السوريون، استنادا إلى قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 يوليو/تموز 1962 الذي ينص في المادة 17 على أن من "صلاحية المدير العام للأمن العام إصدار قرارات ترحيل الأجانب في حالات استثنائية منها تشكيلهم خطراً على السلامة والأمن العام"، والمادة 32 التي نصّت على "معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان".

%78 من السوريين في لبنان ليس لديهم إقامة

ومن خلال هذه السلطة الاستنسابية أصدر المدير السابق للأمن العام عباس إبراهيم مذكرة بتسوية وضع السوريين الداخلين خلسة قبل تاريخ الرابع من إبريل عام 2019، وفقاً للمحامي خوري والذي ذكر أن السوري الذي تنطبق عليه الشروط السابقة يفترض أن يتقدم إلى أقرب مركز أمن عام بطلب للتسوية ويدفع رسم بحدود 3 مليون ليرة (سعر الدولار 15 ألف ليرة بحسب البنك المركزي) ويمنح بعدها تسوية لمدة 3 أشهر عليه خلالها إيجاد عمل لدى مؤسسة لبنانية تكفله وتتقدم له بالإقامة السنوية ليصبح وضعه قانوني، منوهاً أنه حتى السوري الذي دخل بشكل قانوني لكنه تجاوز فترة الإقامة القانونية يستطيع إجراء هذه التسوية.

الصورة
العروض
سماسرة يحصلون على مقابل مالي لاستصدار إجازات عمل (العربي الجديد)

ويعتبر خوري أن هذه التسويات يفترض أن تسهل أوضاع السوريين، مشيراً إلى أن وجودهم يبقى تحت سقف القوانين اللبنانية وفي حال عدم ارتكاب أية مخالفة أو جرم لا يرحل اللاجئ، أما غير المشمول بالتسوية فهو معرض للتوقيف ومن ثم الترحيل من لبنان.
 

شروط التسوية تفتح باب التحايل

"رحَّل الأمن العام 2731 سورياً بعد شهر من إعلانه لآخر تسوية، بسبب دخولهم خلسة خلال الفترة الممتدة من 21 أيار/مايو ولغاية 26 أغسطس/آب من عام 2019"، بحسب مركز وصول، بينما يفشل أغلب السوريين في لبنان بإنجاز إقاماتهم جراء فرض الأمن العام اللبناني مزيدا من القيود على دخولهم وإقامتهم ابتداء من عام 2015، حين قُيد دخول السوريين إلى لبنان ضمن فئات وشروط محددة خلافا لما كان معمولا به قبل ذلك التاريخ، إذ كان يسمح للسوري بالحصول عند دخوله لبنان على إقامة مؤقتة لمدة ستة أشهر وتمدد لستة أخرى، بحسب مصادر التحقيق.

رحَّل الأمن العام 2731 سورياً بعد شهر من إعلانه لآخر تسوية

ودفعت هذه التعقيدات السوريين إلى البحث عن وسيلة لاستخراج إقامة بأي طريقة، ما عرضهم للاستغلال والتحايل عليهم من قبل سماسرة يحصَّلون منهم مبالغ كبيرة مقابل خدمات وهمية ويستغلون حاجتهم للإقامة من أجل الحصول على حقوقهم الإنسانية، وتجنبا للاعتقال أو الترحيل، بحسب ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" عبر 12 حالة احتيال على سوريين، إذ يطلب منهم السماسرة مبالغ تتراوح قيمتها بين 1000 دولار أميركي لإقامة الكفيل (لبناني يضمن اللاجئ أمام الدولة) و2500 دولار أميركي لإقامة العمل (تستند لإجازة عمل من وزارة العمل اللبنانية)، عدا عن تكلفة تسوية الدخول خلسة مقابل 250 دولارا، وهو ما يؤكده سمسار لبناني الجنسية، تواصل معه معد التحقيق عبر تطبيق الواتساب مدعيا أنه يريد الحصول على إقامة في لبنان.

ويؤكد رد المديرية العامة للأمن العام الذي تلقاه "العربي الجديد" أن "شكاوى تردهم من سوريين ولبنانيين حول أشخاص، إما سماسرة أو محتالين يسعون إلى الإيقاع ببعض السوريين من خلال ادعائهم أن بإمكانهم المساعدة بتسوية أوضاعهم، ويعمل الأمن العام على متابعة ومعالجة هذه الشكاوى واتخاذ الإجراءات بناء على إشارة النيابة العامة بحق المتورطين".

الصورة
سماسرة1

ويستضيف لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، من بينهم 831.053 مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حسب إحصائية نشرتها المفوضية في 31 يناير 2020.

لكن نسبة قليلة منهم تحمل الإقامات وفق تقرير نشره مشروع "اللاجئون شركاء" بعنوان (حصول السوريين على الإقامة القانونية والعمل في لبنان: الوضع والآفاق) صدر عام 2022، مبينا أن نسبة اللاجئين السوريين الذين يحملون الإقامة في لبنان وصلت إلى 16% فقط لمن هم فوق سن الخامسة عشرة، أي أنّ نحو 1.2 مليون سوري يعيشون الآن على الأراضي اللبنانية بطريقة غير نظامية حتى نهاية عام 2021، بسبب فرض السلطات اللبنانية شروطا تمنع الكثير منهم من تجديد إقاماتهم، ما يزيد مخاطر استغلال وسوء معاملة الفارّين من الاضطهاد والحروب وفقاً لتقرير "هيومن رايتس ووتش" الصادر في عام 2016 بعنوان "أريد فقط أن أُعامَل كإنسانة: كيف تسهل شروط الإقامة في لبنان الإساءة ضد اللاجئين السوريين".

وأفقدت تعليمات الإقامة المعتمدة في يناير/كانون الثاني 2015 معظم السوريين الصفة القانونية وقسمتهم إلى فئتين، المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وغير المسجلين الذين عليهم الحصول على كفيل لبناني ليقيموا بشكل شرعي، بحسب التقرير.

ويؤشر غياب الإقامات القانونية إلى تدني نسبة السوريين الحاصلين على إجازات عمل والتي تقدر بـ 0.5%، بحسب دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات في عام 2019 (مؤسسة بحثية مستقلة).

مبالغ باهظة للسماسرة والمحامين

بينما فشل حامد خليل في الحصول على الإقامة، تمكن العشريني وليد منصور (اسم مستعار تجنبا للمساءلة القانونية)، والذي دخل لبنان خلسةً عام 2020 من الحصول عليها عن طريق سمسار سوري مقيم في بيروت "ويجري تسويات وإقامات لمن يريد"، بحسب وليد الذي اشترط على السمسار عدم دفع أية مبالغ قبل اجرائه التسوية ومن ثم الإقامة، ويضيف :"وافق السمسار بشرط وضع المبلغ والمقدر بـ 1500 دولار لدى طرف ثالث موثوق"، وبالفعل استخرج السمسار الإقامة عقب شهر كما يقول وليد، مضيفا : "لا أعلم الطريق الذي سلكه لاستخراجها".

لكنّ سمسارا لبنانيا عرّف عن نفسه باسم نبيل لمعدّ التحقيق شرح آلية إجراء التسوية والتحايل على القانون قائلا "هنا لا بد من إثبات وجود السوري قبل تاريخ 24 نيسان/إبريل 2019"، ويمكن حل هذه النقطة عبر إفادة مختار نحصل منه على بيان سكن للسوري نثبت وجوده قبل التاريخ المذكور، بعد ذلك، تبقى خطوة التوجه للأمن العام اللبناني لتقديم أوراق التسوية، وهنا يجب وجود السوري والكفيل اللبناني، سويةً في مركز الأمن العام، مؤكداً أنه أجرى أكثر من 50 تسوية لسوريين مخالفين في لبنان خلال العامين الفائتين في مقابل مبلغ مالي يحصل على جزء منه يوزع الباقي على المختار وموظف الأمن العام الذي يتعامل معه من أجل تسريع إجراءات التسوية ومن ثم الإقامة.

الصورة
إقامة وليد
سوريون ينجحون في الحصول على الإقامات عبر سماسرة (العربي الجديد)

ويلجأ بعض السوريين من الداخلين قبل إبريل 2019 إلى محامين لمساعدتهم في إثبات وجودهم قبل هذا التاريخ عبر عقد إيجار موثق من البلدية أو إفادة سكن من المختار، بسبب رفض المؤجرين اللبنانيين منحهم عقدا، كما يدفعهم الخوف من الذهاب إلى المراكز الأمنية رغم أنهم من المشمولين بالتسوية، إلى إدخال المحامي لإتمام الأمر عبر معارفه واستخراج الإقامة بسهولة مقابل مبلغ من المال، بينما يتعرض السوريون الذين دخلوا بعد إبريل 2019 ولا تشملهم التسوية الأخيرة، للابتزاز من قبل السماسرة والمحامين، في ظل وعود بإيجاد طرق للتحايل على القانون وتأمين عقد إيجار بتاريخ يسبق صدور القانون، أو إفادة سكن من مختار يتعامل معه المحامي.

الصورة
سمسار 3
تتراوح المبالغ التي يتقاضاها السماسرة مقابل إجراءات الإقامة بين 1000 و2500 دولار (العربي الجديد)

وتمكن معد التحقيق من التواصل مع محام لبناني يحتفظ "العربي الجديد" باسمه، كان قد سمع به من خلال سوريين نجحوا باستخراج إقامات مقابل 1500 دولار للشخص الواحد عبر عقود إيجار موثقة في البلدية، لكنها تتعلق بمنازل لا يسكنها اللاجئون فعليا، وادعى معد التحقيق عبر اتصال هاتفي معه أنه دخل إلى لبنان منذ عام ويبحث عن وسيلة للتسوية واستخراج إقامة، فأبلغه بأنه قد يحتاج إلى تسوية مع الأمن ثم مغادرة لبنان على أن يعود إليه لاحقا بشكل نظامي، ويعد ما سبق مخالفة لقانون العقوبات رقم 340 الصادر في الأول من مارس/آذار عام 1943، كما قال خوري، مضيفاً أن هؤلاء السماسرة معرضون للملاحقة الجزائية لارتكابهم جنحة، وتصل عقوبتهم وعقوبة المتعاونين أو المتورطين معهم من المحامين أو من الأمن العام إلى الحبس ثلاث سنوات بموجب المادة 52 من قانون العقوبات.

ذات صلة

الصورة
سوريون عائدون من لبنان، 5 أكتوبر 2024 (العربي الجديد/عدنان الامام)

مجتمع

واجه سوريون عائدون من لبنان هربا من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على الجنوب اللبناني، قسوة الطريق، وقلة الطعام، وساعات من الانتظار على الحدود السورية
الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
الصورة
الشرطة العسكرية 1

تحقيقات

يكشف تحقيق "العربي الجديد" عن انتهاكات متنوعة تمارسها قوات الشرطة العسكرية، التابعة للجيش الوطني، أحد تشكيلات المعارضة السورية بحق الموقوفين
الصورة
سوريون عند الحدود التركية في اتجاه سورية 3 (هاكان أكغون/ Getty)

مجتمع

يعبّر سوريون في تركيا عن مخاوفهم من ترحيلهم قسراً، لا سيّما مع استمرار العمليات في هذا الإطار. ويشيرون إلى أنّهم مهدّدون بالترحيل إلى سورية، على الرغم من أنّهم يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (كملك).