فوضى سلاح غزة... عشرات القتلى في مواجهات فردية

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
17 يناير 2022
السلاح في غزة
+ الخط -

تواجه الأجهزة الأمنية في غزة معضلة انتشار السلاح في أيدي العائلات، بالإضافة إلى استخدام منفلت من بعض المحسوبين على فصائل المقاومة، إذ لا يمكن منع الأفراد من اقتنائه أو تخزينه بسبب الحاجة إليه لمقاومة الاحتلال.

عاش سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أوقاتاً عصيبة، ليل التاسع من مارس/آذار الماضي، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين عائلتين، أدت إلى مقتل شابين، وإصابة أربعة آخرين بجروح، في واقعة متكررة سبق أن قاسى منها أهالي الحي مرتين خلال العام الجاري، كما يروي الخمسيني محمد حلس، والذي كان يتوقع بعد سماع أصوات إطلاق الرصاص، حدوث مواجهات مسلحة بين المقاومة وقوة من جيش الاحتلال تسللت إلى الحي القريب من الحدود الشرقية للقطاع، لكنه لاحقا اكتشف الحقيقة، بعد تصاعد استخدام أسلحة نارية وقنابل بدائية محلية الصنع.

أحد القتيلين عضو في فصيل مقاوم، كما يقول عشرة من سكان الحي عايشوا الاشتباكات، لـ"العربي الجديد"، محذرين من أن بعض السلاح المستخدم كان ملكا للفصائل، وأساء بعض العناصر استخدامه، وجزءا آخر تمتلكه العائلتان، وهو ما دفع وجهاء ومن يُعرفون بالمصلحين العشائريين من بينهم المختار أحمد شعت "أبو نبيل"، مسؤول ومنسق هيئة شؤون العشائر الحكومية بمحافظة رفح جنوب القطاع، للدعوة إلى ضبط السلاح المنفلت، حفاظاً على السلم الأهلي.

إدارة فوضى السلاح

ما جرى في حي الشجاعية يدخل ضمن 122 حادثة مشابهة جرت منذ بداية عام 2020، حتى 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفق إفادة الحقوقي يامن المدهون منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان، مضيفا أن فوضى استخدام السلاح خلال عام 2020 راح ضحيتها 14 قتيلا بينهم خمسة أطفال وامرأتان، إضافة لـ 98 إصابة، بينما قتل 56 شخصاً، بينهم 13 طفلا و6 سيدات، وأصيب 186 آخرون، بينهم 47 طفلا، و7 سيدات، منذ بداية العام 2021 وحتى الخامس عشر من ديسمبر الماضي.

وعايش معد التحقيق أحداثا مشابهة، من أبرزها ما جرى بين عائلتين غرب مدينة خان يونس جنوب غزة في شهر سبتمبر/أيلول 2020، ما أجبر 30 ألف نسمة على التزام منازلهم، وإغلاق المدارس لعدة أيام، ونجم عن الشجار المذكور قتيل وسبع إصابات، إضافة لإحراق منازل.

ثمن الرشاش في غزة ما بين 800 و1500 دولار

ومن بين العالقين في النزاع السابق، العشريني أحمد موسى والذي عاش ساعات عصيبة، مضطرا للبقاء داخل مطعم لجأ إليه عدة ساعات، حتى تمكنت الشرطة من السيطرة على الطرفين، ووقف إطلاق النار.
كما جرى شجار بالأسلحة النارية في مخيم البريج في مايو/أيار 2020، وأسفر عن ثلاث إصابات، بينما فتح شاب النار على أفراد عائلته من سلاح رشاش برفح، الأمر الذي تسبب في إصابة خمسة منهم بجروح، في شهر ديسمبر 2020.

ويعلق شعت على ما سبق، قائلا: "يوجد بعض الأفراد المنفلتين، ممن يسيئون استعمال سلاح المقاومة المتواجد في عهدتهم، كما أن ثمة سلاحا في أيدي عائلات تسارع باستخدامه عند أول شجار، لذلك يجب وضع قيود صارمة، والسلاح وجهته الاحتلال فقط".

نقطة تحول في ملف السلاح

بسبب السطوة العشائرية والقبلية في غزة، تعمل بعض العائلات خاصة الكبيرة على تكديس السلاح، الأمر الذي بلغ ذروته بين أعوام 2009 و2013 بسبب سهولة التهريب عبر الأنفاق، كما يقول شعت، مضيفا أن هيئة شؤون العشائر تسارع للتدخل من أجل تطويق أي شجار أو خلاف بين العائلات، لتعزيز السلم الأهلي ومنع انفلات الأمور، والوجهاء لهم احترامهم وكلمتهم مسموعة، لكن في حال وقوع جريمة قتل يصعب التعامل، حتى أن بعض القضايا استغرق حلها سنوات طويلة، موصياً بفرض رقابة صارمة على السلاح وحيازته.

وشكلت واقعة قيام ملثمين مدججين بالسلاح ينتمون لتنظيم كبير، باقتحام مسجد الأنصار بمنطقة بني سهيلا، شرق محافظة خان يونس، فجر الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020، واختطاف ثلاثة شبان، واقتيادهم إلى جهة غير معلومة، والاعتداء بالضرب المبرح عليهم، نقطة تحول في ملف التعامل مع السلاح، إذ أصرت الشرطة والنيابة العامة على تسليم الجناة، في حين اعتذر فصيلهم لعائلات المختطفين، وجرى التفاهم مع التنظيمات، لضبط عناصرها، والتشديد على عدم استخدام السلاح في المناسبات المختلفة، وفق إياد البزم الناطق باسم داخلية غزة، والذي أضاف أن أي قطعة سلاح تستخدم في الشجارات العائلية، تُصادر حتى لو كانت ملكا لفصائل المقاومة، وجرى الاتفاق على ذلك مع كافة الفصائل ونسبة الالتزام أصبحت عالية، مشددا على أن واجب الوزارة، حماية الجبهة الداخلية بالتوازي مع دور فصائل المقاومة لحماية الوطن، وهو ما أقرته نتائج اجتماع سابق عُقد بين قيادة حركة الجهاد الإسلامي والنائب العام الأسبق المستشار ضياء المدهون، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، لمحاربة الظواهر المسيئة لسلاح المقاومة، والاحتكام لسيادة القانون.

كيف تواجه الشرطة الظاهرة؟

"لا تتهاون الشرطة مع حوادث استخدام السلاح الناري في الشجارات أو إطلاق النار في الهواء بغرض الاحتفال، وتسارع في حال حدوث ذلك بمصادرته"، وفق ما يقوله الناطق باسم شرطة غزة، العقيد أيمن البطنيجي، قائلا لـ"العربي الجديد": "يتم اعتقال من يشهر السلاح ويجري التحقق من مصدره، فإذا كان مملوكا لأفراد أو عائلات تجري مصادرته بلا عودة، وإحالة الشخص للمقتضى القانوني، ومثل هذه الجرائم تعتبر جناية عقوبتها الأدنى السجن لثلاثة أعوام".

70 قتيلاً و284 مصاباً في شجارات عائلية بالأسلحة خلال عامين

ويتابع البطنيجي في حال كان السلاح تابعا لفصيل مقاوم، يتم فورا رفع الغطاء التنظيمي عن الشخص الذي أساء استخدامه، وبعدها تتم مصادرته، وإحالته للنيابة، وهذا لا يعفي مستخدمه من العقوبة وفق القانون، حتى وإن كان يتبع لتنظيم، قائلا: "هناك تفاهمات وتعاون مع الفصائل لضبط السلاح المنفلت".

وحذر البطنيجي من استخدام السلاح في الشجارات، مشدداً على أن حدوث صلح جزائي ودفع غرامات مالية بين العائلات، لا يعفي المذنب من العقاب، إذ لا يزال ضمن نطاق قانون الحق العام.

وتجري محاسبة مستخدم السلاح وليس التنظيم، كما يقول البطنيجي، لأن الحالة فردية، بدون علم التنظيم، مقراً بوجود كميات غير معروفة من الأسلحة لدى أفراد وعائلات لكنها مخفية، واستخدامها أو إظهارها يمثل فرصة للشرطة من أجل جمعها ومصادرتها.

الصورة
السلاح 2

وجرت مصادرة 50 قطعة سلاح في عام 2020 استخدمت في مناسبات غير مشروعة، ثلثها على الأقل في احتفالات وإطلاق نار في الهواء، خاصة خلال إعلان نتائج امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، وبعضها استخدم في شجارات عائلية، وأخرى ضبطت لدى تجار مخدرات، بحسب مصدر مطلع في الشرطة الفلسطينية رفض الإفصاح عن هويته، مشيرا إلى أن الاتجار بالأسلحة وبيعها تراجع منذ عام 2007 بعد السيطرة الأمنية، لكنها ما زالت تباع بشكل سري في القطاع، ويتراوح ثمن الرشاش ما بين 800 و1500 دولار، في حين يصل سعر المسدس إلى 1600 دولار، لكونه مطلوبا أكثر نظرا لصغر حجمه وسهولة إخفائه.

وتمكنت شرطة غزة من مصادرة 3 قطع سلاح ناري عبارة عن مسدس وبندقيتي كلاشنكوف، استخدمت خلال شجار عائلي تسبب في مقتل شاب في بدايته ثم توفي آخر متأثرا بجراحه بعد أيام، في العاشر من فبراير/شباط الماضي، وفق مدير شرطة محافظة غزة العميد جمال الديب، والذي قال في تصريحات صحافية، إن الشرطة لن تسمح بالمساس بحالة الأمن والاستقرار.

عقوبات على المنفلتين

تُجمع فصائل المقاومة على أن سلاحها مقدس ووجهته الوحيدة الاحتلال، كما يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، مضيفا أن استخدام بعض العناصر لهذا السلاح خارج نطاق العمل المقاوم أمر مرفوض، لكنه وقائع فردية محدودة، وتتم معالجتها سريعاً، وضمان عدم تكرارها، قائلا: "نعيش حالة تحرر وطني، تفرض امتلاك السلاح، ودائما تعمل الفصائل ومن بينها حركة الجهاد الإسلامي على تثقيف عناصرها وتوعيتهم بأهمية الالتزام بشروط التعامل مع السلاح"، وهو ما يؤكده مصدر في المقاومة، رفض الإفصاح عن هويته لكونه غير مخول بالتعامل مع الإعلام، مؤكدا أن سلاح المقاومة عهدة شخصية، وهناك تعليمات صارمة ومشددة للعناصر، بعدم استخدامه أو حتى إظهاره في أي مناسبة، وفي حال حدثت مخالفة يتعرض العنصر لمحاسبة تنظيمية، والعقوبة تتدرج حسب خطورة الاستخدام، من التجميد الجزئي للعمل، أو الفصل التام، وهناك تفتيش مستمر لضمان عدم استخدام الذخيرة أو السلاح من قبل أي عنصر، وهو ما يؤكده خمسة عناصر من المقاومة، ينتمون لفصائل مختلفة، بأن ثمة تعليمات صارمة من قيادتهم، بمنع استخدام السلاح في أي مناسبة، خاصة في الشجارات، وقال اثنان منهم خاضت عائلاتهم شجارا اضطروا للمشاركة فيه لكن بدون الاقتراب من سلاحهم، أو حتى التلويح أو التهديد به، خشية التعرض لعقوبات، خاصة أن قيادة بعض الفصائل تستقبل شكاوى من المواطنين، في حال وقوع التجاوزات.

تطبيق القانون

يقول زياد النمرة المتحدث باسم النائب العام في قطاع غزة، إن القطاع من أكثر مناطق فلسطين انخفاضا في نسبة الجرائم سواء تلك التي تتعلق بالقتل أو المشاجرات.

وبلغ عدد ضحايا جرائم القتل في الضفة الغربية 48 قتيلا في عام 2020، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في حين وثق مركز الميزان لحقوق الإنسان، سقوط 14 قتيلا في قطاع غزة خلال العام نفسه، ووفق مركز أمان- المركز العربي للمجتمع الآمن، "مؤسسة أهلية" شهد العام ذاته مقتل 113 فلسطينيا في الأراضي المحتلة عام 1948.

لكن مع ذلك، يحذر عصام يونس مدير عام مركز الميزان لحقوق الإنسان، من مغبة التهاون مع أي استعمال للسلاح خارج نطاق القانون، من أجل عدم تهديد استقرار الأمن المجتمعي وسلمه.

ذات صلة

الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة