فقد فويتينكو في الحادثة شقيقته إيرينا التي ذهبت مع ابنتها أليسا إلى شرم الشيخ لقضاء إجازة ممتعة، ولم يكتب لهما أن تعودا إلى بطرسبورغ، وبعد مرور عام يحمّل تنظيم "داعش" الإرهابي المسؤولية عن الحادثة بالدرجة الأولى، معتبراً في الوقت نفسه، أن السلطات المصرية كان بإمكانها منع وقوعها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن أمن المطار والحكومة المصرية كان بإمكانهما منع حدوث هذه الفاجعة. ليس سراً على أحد أن إجراءات الأمن بمطار شرم الشيخ عند مستوى متدنٍ جداً".
أسئلة غامضة
عقب مرور عام على حادثة الطائرة "إيرباص321" في سيناء، لا يزال أهالي الضحايا يبحثون عن إجابات لأسئلة عديدة حول من يتحمل المسؤولية عن الفاجعة والتزامات شركات التأمين، في صرف تعويضات عادلة لذوي ضحايا الحادثة التي تعد الأسوأ في تاريخ الطيران الروسي والسوفييتي من حيث عدد القتلى.
ويحيي أهالي الضحايا على مدار عدة أيام بدءاً من اليوم، مجموعة من الفعاليات في مدينة سانت بطرسبورغ العاصمة الشمالية الروسية ووجهة الطائرة المنكوبة، بما فيها وضع حجر الأساس لكنيسة ونصب تذكاري لضحايا الحادثة بالإضافة إلى إقامة عرض لأوركسترا سيمفونية بمسرح ماريينسكي بقيادة المايسترو فاليري غيرغييف.
التزامات شركات التأمين
يحمل ذوو الضحايا تنظيم داعش مسؤولية الحادث، كما يقول ألكسندر لـ"العربي الجديد"، متابعاً "يزرع إرهابيو داعش الفوضى والموت في الشرق الأوسط، ونعتبر هذا الهجوم الإرهابي انتقاماً من روسيا على بدء عمليتها العسكرية في سورية".
ويؤكد ألكسندر، أنه على الرغم من وفاء شركات التأمين بالتزاماتها الأساسية أمام ذوي الضحايا وفقاً للقانون الروسي، إلا أنه يجب عدم التغافل عن المسؤولية الدولية، إذ تم صرف تعويضات ضئيلة جداً لذوي الضحايا، نظراً لعدم مصادقة روسيا على اتفاقية توحيد قواعد النقل الدولي الجوي المعروفة باسم اتفاقية مونتريال.
ووفقاً للقانون الروسي، حصلت عائلات ضحايا الحادثة على تعويضات قدرها 2 مليون روبل (32 ألف دولار وفقاً لسعر البنك المركزي الروسي) فقط عن كل قتيل. ويرى الممثل القانوني لذوي الضحايا، المحامي إيغور ترونوف، أن أسر الضحايا تعرضت لعملية احتيال في مسألة صرف التعويضات من شركات التأمين التي دفعت مبالغ ضئيلة.
ويشير المحامي إلى أن المبلغ الذي يتعين صرفه عن كل قتيل يجب أن يكون 26 مليون روبل (411 ألف دولار) وليس مليونين فقط، موضحاً أن شركات التأمين تستفيد في الواقع من هذه الثغرة للحصول على الفرق بين قيمة إعادة تأمين المسؤولية والمبالغ التي تم صرفها فعلياً.
ويضيف: "نتفاوض مع شركات التأمين لصرف تعويضات أكبر، ولكنها عرضت على ذوي الضحايا صرف مبالغ إضافية مقابل الامتناع عن الدخول في أي منازعات قضائية في المستقبل، وهذا انتهاك صريح". وحول إمكانية إقامة دعوى أمام القضاء المصري باعتبار أن الطائرة تحطمت في مصر، يتابع: "من وجهة النظر القانونية البحتة، هذا الأمر وارد، ولكننا عملياً لا نؤمن بإمكانية إجراء تحقيق قضائي موضوع هناك".
سيناريوهات غير محسومة
في الأسابيع الأولى بعد الحادثة، أثيرت تساؤلات كثيرة حول أسباب كارثة طائرة شركة "كوغاليم آفيا". ووفقاً لخبراء ومحققين، فإن سيناريوهات سقوط الطائرة بدأت بسيناريو إصابتها بصاروخ "أرض - جو" نظراً لتحليقها فوق سيناء التي كانت تشهد مواجهات بين قوات الجيش المصري والمسلحين، فيما تحدث بعضهم عن وقوع انفجار إرهابي نتيجة لقنبلة زرعت داخل الطائرة خاصة بعد إعلان تنظيم داعش تبنيه الحادث ونشره صوراً حول ما قال إنها قنبلة نجح في تمريرها على متن الطائرة.
وتناول السيناريو الثالث، احتمال سقوط الطائرة نتيجة عطل فني وسوء حالتها، خاصة وأنها تخضع للتشغيل من عدة شركات منذ عام 1997 وسبق لها أن تعرضت لحادثة "ضربة في الذيل" بمدرج مطار القاهرة في عام 2001.
إلا أن تعليق بريطانيا الرحلات إلى شرم الشيخ واستعجال روسيا في تطبيق حظر الرحلات الجوية إلى جميع المطارات المصرية، اعتبره الخبراء مؤشراً، على توفر معلومات موثوق بها لدى الأجهزة الأمنية، بتعرض الطائرة لانفجار. وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أعلن رئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، عن اكتشاف آثار لمادة متفجرة في حطام الطائرة المنكوبة، مؤكداً أنه "يمكن الجزم أن ذلك عمل إرهابي".
وفي الذكرى الأولى للحادثة، أكدت اليوم لجنة الطيران الدولية المشاركة في التحقيق (تضم عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة وروسيا وتجري تحقيقات في حوادث الطيران)، وقوع تأثير ديناميكي لعناصر ذات طاقة عالية من داخل الطائرة على جسمها و"فقدان مفاجئ جداً للضغط" (explosive decompression) أثناء التحليق"، ومع ذلك، يرى المحامي ترونوف أنه لا يجوز من الناحية الجنائية الجزم أن الطائرة تحطمت نتيجة للانفجار فقط، متسائلاً: "إذا كانت هناك مادة متفجرة، فلماذا بدأ التحقيق بموجب مادة "مخالفة قواعد الأمان" ولم يتم تغييره إلى مادة "العمل الإرهابي" إلا بعد بضعة أشهر؟.
ويضيف: "كانت الطائرة قديمة، وسبق تشغيلها بدول ذات مستوى صيانة متدنٍ، وتعرضت لحادثة الذيل، والمسألة، هل كان لحالة الذيل دور في انشطار الطائرة في الجو؟". ويتابع: "إذا كانت الطائرة بحالة جيدة، فما كان لها أن تنشطر بسبب انفجار خفيف. وإذا كانت الطائرة بحالة سيئة، فيجب في هذه الحالة مساءلة مسؤولي الطيران الروس أيضاً، وليس الإلقاء باللائمة على العمل الإرهابي فقط".
الشركة المشغلة: لا تأثير لعمر الطائرة
فور وقوع الكارثة، سارعت شركة الطيران "كوغاليم آفيا" والمعروفة اختصاراً باسم "كولافيا" واسمها التجاري "مترو جيت"، للتأكيد أن الطائرة كانت بحالة سليمة، مستبعدة احتمال خطأ الطيار الذي كانت خبرته تزيد عن 12 ألف ساعة طيران.
وبسبب تصنيف "كوغاليم آفيا" ضمن شركات الطيران الصغيرة والمتخصصة في تنفيذ رحلات الطيران العارض (تشارتر)، فقد أثيرت تساؤلات كثيرة حول مدى التزامها بمعايير الأمان وضرورة تشديد إجراءات إصدار التراخيص لشركات الطيران والمراقبة على أعمار الطائرات.
إلا أن مؤسس ومدير مركز "طيران من دون خوف"، الطيار أليكسي غيرفاش، يستبعد احتمال أن يكون عمر الطائرة أو حجم الشركة المشغلة من العوامل التي أدت إلى تحطمها، موضحاً أن رواية الانفجار كانت واضحة منذ البداية نظراً لتشتت حطامها على مساحة كبيرة.
ويقول غيرفاش الذي تزيد خبرته عن 1250 ساعة من الطيران: "لا يؤثر عمر الطائرة على أمان التحليقات بأي شكل من الأشكال، كما أنه في حال وجود عطل لن تقلع الطائرة من الأساس". ويضيف لـ"العربي الجديد":"الشركة المشغلة ليس لها تأثير على أمان التحليقات أيضاً، لأن عدم مطابقتها لأي معايير دولية في مجال أمان الطيران، سيترتب عليه حتماً إلغاء ترخيصها".
وحول ترجيحه رواية تفجير الطائرة منذ البداية، يتابع: "لا تسقط الطائرات من الارتفاعات من تلقاء نفسها، وكان من البديهي أن الطائرة انشطرت في السماء، إذ تشتت حطامها على مسافة كبيرة، وهذا يدل على وقوع انفجار".
تداعيات مستمرة
ترتبت على حادثة الطائرة الروسية في سيناء تداعيات سياسية واقتصادية كثيرة بين تكثيف العملية العسكرية الروسية في سورية، وقرار روسيا حظر جميع الرحلات الجوية إلى المطارات المصرية، بما فيها رحلات الطيران المنتظمة إلى القاهرة، وبقاء المنتجعات المصرية بلا سياح روس، منذ عام كامل، بعد أن استقبلت مصر ثلاثة ملايين سائح روسي في عام 2014.
وفي روسيا، توقفت شركة "كوغاليم آفيا" عن تنفيذ أي رحلات، كما أوقفت شركة السياحة "بريسكو" المستأجرة للطائرة المنكوبة نشاطها، وحرم الروس من وجهتهم المفضلة للسياحة الشتوية، إذ تعتبر مصر المشتى الأنسب من حيث المناخ والأسعار، للقرب الجغرافي النسبي.
ووسط إطالة أمد حظر الرحلات بعد أن ترددت مواعيد محتملة كثيرة لاستئنافها، توجه السياح الروس للبحث عن وجهات شتوية بديلة، مما أسفر عن زيادة الحجوزات إلى دول مثل تايلاند وفيتنام والإمارات وجمهورية الدومينيكان، وفق ما أكده خبراء في مجال السياحة الروسية لـ"العربي الجديد".
وبعد مرور سنة كاملة، لم تتمكن السلطات الروسية والمصرية، حتى الآن، من الاتفاق على موعد استئناف الرحلات الجوية بين البلدين وسط وضع روسيا شروطاً صعبة في ما يتعلق بإجراءات الأمان بالمطارات، ما ينذر باستمرار الوضع على ما هو عليه حتى العام المقبل، في ظل بقاء تساؤلات أهالي الضحايا دون إجابة واضحة لن تعوض فقدانهم ذويهم.