تفاعل الثلاثيني الليبي، صالح الزياني، مع حملة #نطالب_بقوائم_الحوالات، التي انتشر صداها على شبكات التواصل الاجتماعي الليبية، بعد أن فشل لعام ونصف العام في الحصول على بطاقة ائتمان من أجل شحنها بالعملة المحلية، واستخدامها في صرف الدولار بالسعر الرسمي، الذي يبلغ (1.43 دينار في مقابل الدولار)، لدى سفره إلى خارج البلاد للعلاج.
لم يجد الزياني من بد سوى الاتفاق مع مصرفي، على تسهيل شراء بطاقة ائتمان بدون رصيد، بسعر 13 ألف دينار (9074 دولارا)، قام بتعبئتها بمبلغ 7500 دينار (5235 دولاراً)، وإعادتها إلى الموظف بعد سحب الدولارات نقداً، ليقوم ببيعها مجدداً فارغة بـ 13 ألف دينار، وهو ما تكرر مع 10 حالات وثقها معد التحقيق تباينت احتياجاتها الملحة للحصول على الدولار، بين الحاجة إلى دفع تكاليف العلاج أو تسديد دفعات رسوم دراسية لأبنائهم المقيمين خارج البلاد، الأمر الذي دفع العديد من الليبيين إلى المطالبة بنشر قوائم الحوالات المصرفية التي يرصدها ديوان المحاسبة سنويا، كما يقول الناشط محمد القرج، مؤسس حملة #نطالب_بقوائم_الحوالات، والذي قال لـ"العربي الجديد"، الرأي العام الليبي منزعج بشدة من كون موظفي المصارف ودوائرهم يمكنهم بسهولة الحصول على خدمة يفترض أن تُتاح لكل مواطن ليبي، بحكم القانون وقرارات المصرف المركزي، التي يتم التلاعب بها، عبر إساءة عدد من المصرفيين استخدام صلاحياتهم.
ويتفق الخبير الاقتصادي، الدكتور سليمان الشحومي، مع الناشط القرج، في أن الظاهرة المتصاعدة منذ أشهر أثارت انتباه السلطات الرقابية في المصرف المركزي وديوان المحاسبة (أعلى هيئة رقابية في البلاد)، اللذين يسعيان إلى إيقاف هذه التجاوزات، "غير أنهما لم يتمكنا من الأمر حتى الآن"، كما يقول.
فساد مصرفي
في مارس/آذار من العام 2016، كشف ديوان المحاسبة الليبي عن عمليات "تلاعب عبر الفيزا كارد"، وبحسب البيانات التي أعلنها الديوان في بيان رسمي، فإن البطاقات الائتمانية، التي يفترض أن يتم إضافة رصيد لها بمبالغ لا تزيد عن 15 ألف دينار سنوياً (10471 دولاراً)، تم وضع أرصدة بها بعلم ومشاركة مصرفيين، فاقت في بعض البطاقات مبلغ 70 ألف دينار، في حين تمت إضافة رصيد إلى بطاقة واحدة 95 مرة، بإجمالي مبالغ بلغت مليوناً ومائة وخمسة وثلاثين ألف دينار".
ويؤكد الاقتصادي الشحومي أن عدداً من المصارف منح موظفيه الحق في استصدار بطاقات ائتمان، وهو ما أدى إلى تسربها والاتجار بها، قائلا "لا يجوز تمييز موظفي المصارف على المواطنين، كما أن هذه المخالفات تدخل في إطار التربح، والاتجار بالدولار في السوق الموازية، إذ يحصل هؤلاء على الدولار بسعره الرسمي، الذي يصل إلى 1.43 دينار، في مقابل الدولار، ويبيعونه بمبالغ تتراوح بين 5.5 دينارات و7 دينارات في مقابل الدولار".
ويعرض ليبيون بطاقات ائتمان في مزادات بيع لأعلى سعر، على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وتواصل معد التحقيق مع ثلاثة بائعين عرضوا بطاقات للبيع عبر صفحات تدعى "السوق المفتوح"، ووفقا لما وثقه، فإن سعر بطاقة "فيزا" دون رصيد يمكن شحنها بالدولار، وصل إلى 12 ألف دينار ليبي، ويقوم المشتري بتعبئتها بمبلغ 7500 دينار ليبي ليحصل على رصيد بقيمة 5235 دولاراً، مما يعني أن شراء البطاقة يكلف 19.500 دينار ليبي (13612 دولاراً)، بينما سعرها الأصلي مضافا إليها رصيد يوازي 5000 آلاف دولار يتمثل في 7500 دينار ليبي.
#اتبرع_باش_يعيشو
يعاني العديد من الليبيين بسبب حاجاتهم إلى الدولار، كما تقول راوية أبوخشيم، المنسق الإعلامي لحملة "#اتبرع_باش_يعيشو" لعلاج الأطفال من مرضى السرطان.
وعملت الحملة مع العديد من العائلات التي يحتاج أبناؤها إلى الدولار، من أجل توفيره بسعره الرسمي، وتؤكد الناشطة راوية أن المصارف رفضت الاستجابة لمناشداتهم لتوفير الدولار للحالات التي ترعاها الحملة للعلاج بالخارج نظراً لعدم صلاحية المشافي في ليبيا لعلاج مثل هذه الأمراض المستعصية، ومن بين تلك الحالات، التي تعاني بسبب عدم تمكنها من شراء الدولار بسعره الرسمي، المواطنان يوسف عمار وعيسى البراج، واللذان اضطرا إلى شراء الدولار، بسعر 6.5 دينارات مما أدى إلى عجزهما عن الوفاء بمستحقات العلاج لطفليهما، وهو ما أكد عليه مرضى آخرون يقيمون خارج البلاد، في شهاداتهم التي وثقها معد التحقيق، غير أن بعضهم ممن نجحوا في الحصول على بطاقات بعد عناء، فوجئوا بعدم تمكنهم من سحب قيمتها وتجميد أرصدتها من قبل البنك المركزي، وهو ما يفسره الخبير الشحومي، بأن البنك المركزي يلجأ إلى تجميد البطاقات الصادرة عن أحد أفرع البنوك التي تصدر البطاقات الائتمانية، لعدم ثقته في إدارة الفرع التي أصدرت هذه البطاقات ووقوع عمليات تلاعب، مما يؤدي إلى الإضرار ببعض العملاء ممن يكونون في حاجة فعلية لهذه البطاقات، ولا يستخدمونها للاتجار بالدولار.
وأثرت عمليات التلاعب في استصدار بطاقات الائتمان على المهندس، عبد المطلب العبور، الذي يعمل مطورا للبرامج الإلكترونية ومديرا لشركة تقنية، وأوضح العبور أنه في حاجة دائمة لشراء برامج وتطبيقات عبر الإنترنت، لكن بسبب ما جرى في عمليات التلاعب المتكررة لم يعد باستطاعته شراء احتياجاته عبر الإنترنت، قائلا لـ"العربي الجديد":"آخر مرة اشتريت فيها بواسطة الفيزا عبر الإنترنت كانت في ديسمبر/كانون الأول 2015".
وتكشف نتائج استطلاع غير علمي، أجراه معد التحقيق، أن 86% من العينة البالغ عددها 50 مواطنا، يؤكدون معاناتهم أو معاناة أقارب وأصدقاء لهم من الظاهرة، في حين أكد 4% وجودها معتبرين أن الأمر يعبر عن حالات فردية، في حين عبر 10% عن عدم معرفتهم بأبعاد الظاهرة.
محاولات أمنية ومصرفية للقضاء على الظاهرة
في يناير/كانون الثاني الماضي، تمكن قسم البحث الجنائي في أبوسليم في العاصمة طرابلس من "القبض على تاجر بالسوق الموازية، جمع بمساعدة موظف في أحد أفرع مصرف الأمان في العاصمة تسعين بطاقة (فيزا كارد) مشحونة بمبالغ تتراوح بين خمسة آلاف دولار وخمسة عشر ألف دولار لكل بطاقة، وكان يستعد لإرسالها إلى الخارج لشخص آخر ليقوم بسحب المبالغ منها وإعادتها نقداً إلى ليبيا لتباع بالسوق السوداء" حسب اعترافات المتهم، كما ألقت قوات الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية القبض على مسؤولين في مصارف وعدد من المتورطين في الاتجار ببطاقات الائتمان.
وأعلن البنك المركزي، في فبراير/شباط الجاري، عن إجراء يحظر بموجبه على المواطنين حمل أكثر من بطاقة مصرفية، بعدما كشف ديوان المحاسبة أن عدداً من المواطنين لديهم ما يقرب من 120 بطاقة مصرفية يقومون بتعبئتها بالعملة المحلية في ليبيا، ثم يستخدمونها في سحب أموالهم المودعة من خارج الدولة بالدولار، وبالسعر الرسمي، مستغلين الفجوة السعرية بين سعر صرف الدينار الليبي في السوق الرسمية والسوق الموازية.
ويؤكد المتحدث باسم مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، عصام العول، لـ "العربي الجديد"، أن إدارة الرقابة على المصارف بمصرف ليبيا المركزي، تواجه عبر الإجراءات القانونية ووفق التشريعات النافذة، محاولات التلاعب بالدولار عبر بطاقات الائتمان، كما تعمل على توفير العملة الصعبة للمواطنين دون ضياعها في دروب الفساد، لافتا إلى إعلان المصرف مطلع فبراير/شباط الجاري الشروع في بيع الدولار للمواطنين عن طريق المصارف التجارية بالسعر الرسمي ليوم الشراء (1.5 دينار تقريباً) بحد أقصى 400 دولار للفرد، قابلة للزيادة في حال تحسن الدخل العام حسب بيان أصدره المصرف، مشيرا إلى استمرار العمل بنظام الحوالات المباشرة والبطاقات الدولارية لأغراض الدراسة والعلاج بالخارج حسب الحاجة ووفق الضوابط الموضوعة.
وفي ظل الانقسام القائم في ليبيا وما أفرزه من وجود مؤسستين منفصلتين باسم المصرف المركزي، فإن الحولات الدولارية يتحكم فيها مركزا طرابلس، كما يقول الخبير الاقتصادي الشحومي، متابعاً: "توجد إرادة لمكافحة الفساد المستشري، وينبغي ترجمتها إلى إجراءات تقضي على السوق السوداء للصرف الأجنبي بشكل تام".