فقد العشريني المصري عيد منصور حياته في ليلة شتوية باردة، أثناء عمله في محل بمدينة الكرك جنوب العاصمة الأردنية عقب خلاف مع اثنين من الزبائن الأردنيين طلب أحدهما بضاعة اختلفا مع عيد منصور حول ثمنها، الأمر الذي قاد إلى مشادة كلامية، أفضت إلى طعن الزبون الغاضب للعامل المصري، الأمر الذي أسفر عن فراقه للحياة على الفور، وفق ما جاء في أوراق القضية رقم 805/2014 التي أصدرت محكمة الجنايات الكبرى في عمّان حكما بحبس المدان بقتل عيد 20 عاماً مع الشغل والنفاذ في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2015، غير أن محكمة الاستئناف ما لبثت أن خففت حكمها السابق، إلى الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، بعد إقدام زوجة عيد على إسقاط حقها الشخصي وهو ما يعد من الأسباب التقديرية المبررة لتخفيض العقوبة إلى النصف، إذا أخذت به محكمة الموضوع وفقاً لأحكام المادة (99/3) من قانون العقوبات الأردني.
ولا يعد تخفيف العقوبة على المتهم بقتل عيد، حالة فردية، إذ أن قضية عيد واحدة من بين مائة حالة مماثلة، أحد أطرافها عمال مصريون تعرضوا لانتهاكات في الأردن، أسقطوا هم أو ذووهم حقهم الشخصي بعد تعرضهم لأضرار جسدية أو معنوية أو مادية، وفق ما توصلت إليه معدة التحقيق، بعد فحص 2010 أحكام قضائية متعلقة بالجرائم والانتهاكات ذات الصلة بالعمالة المصرية، جرت وقائعها خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2015 وحتى فبراير/شباط من عام 2016، الأمر الذي يصفه محمد شما ممثل منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR الكندية في الأردن بـ"الاستهانة" بأرواح العاملين المصريين في القطاعات غير المنظمة، والذين قد يفقدون حياتهم بسهولة كما حصل مع الراحل عيد".
واستهجن شما في إفادته لـ"العربي الجديد" إسقاط عائلات الضحايا حقهم الشخصي، قائلا: "من الملفت أن يُسقط الحق الشخصي في العديد من الحالات، أدرك أن للأهل الحق في الاختيار، لكن هذا إهدار لحقوق الضحية ولا أعتقد أن الإنصاف قد تحقق، الأمر الذي قد يشجع على تكرار الجريمة".
جرائم صادمة
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي عن ارتكاب جرائم وانتهاكات واعتداءات صارخة على العمال المصريين في الأردن والذين صاروا متعايشين مع المخالفات القانونية التي تتكرر بحقهم، وفق ما جاء في أوراق القضايا والأحكام التي رصدتها "العربي الجديد"، من خلال المكتبة الإلكترونية لموقع قسطاس المتخصص في القانون، والتي تشمل 160 حكما صادرا عن محاكم الجنايات الأردنية "كبرى وصغرى"، و1850 حكما صادرا عن محاكم الدرجة الأولى" صلح وبداية"، ويكشف تحليل مضمون القضايا والأحكام السابقة عن إصدار المحاكم الأردنية "بداية وصلح وجنايات" 396 حكما قضائيا خلال عام 2015 وحتى أول شهرين من عام 2016 تتعلق بجرائم وانتهاكات تعرض لها العمال المصريون، وتوزعت تلك الأحكام بين 61 جريمة إيذاء وقعت على المجني عليهم، و40 جريمة تهديد بالقتل و3 جرائم قتل و4 جرائم شروع بالقتل، و156 جريمة سرقة تعرض لها العمال المصريون، وعشر جرائم تسببت بالوفاة أو الإيذاء أو إحداث عاهة جزئية و122 حكما في قضايا عمالية ومالية، "الأمر الذي يجعل العمالة المصرية في الأردن، من أكثر الفئات تعرضا للانتهاكات بشكل مستمر" بحسب ما يراه سفير النوايا الحسنة لحقوق الإنسان المحامي الحقوقي كمال المشرقي، والذي اتفق مع الحقوقي شما في أن سبب تعرض العمالة المصرية للجرائم والانتهاكات يرجع إلى استضعاف العمالة الوافدة من مصر إلى الأردن منذ قدومهم إليها في سبعينيات القرن الماضي، ناهيك عن حجمهم الكبير، و"الذي بلغ 194.158 وافدا مصريا نظاميا في الأردن بنسبة 61.6 % من العمالة المهاجرة"، وفق تقرير وزارة العمل الأردنية السنوي لعام 2015 والمنشور على موقع الوزارة.
سرقة العمال المصريين
بلغ عدد الأحكام القضائية المتعلقة بتعرض العمال المصريين للسرقة 156 حكما تخللتها جرائم أخرى إلى جانب السرقة، تم ارتكابها بحق المجني عليهم، ومن أبرز هذه الجرائم، انتحال المتهمين صفة موظفي الأمن من أجل سرقة العمال المصريين، إذ تكرر الأمر 63 مرة في العينة التي رصدتها "العربي الجديد" عبر تحليل القضايا الخاصة بالعمالة المصرية، وتوزعت بقية الأحكام بين 24 حكما في جرائم سرقة للمجني عليهم والاعتداء عليهم بالضرب و35 حكما تتعلق بالسرقة تحت التهديد إما بإشهار السلاح أو أداة حادة، و12 حكما تتعلق باحتيال بغرض السرقة، وواحدة شروع بالقتل بغية السرقة، و20 حكما متعلقاً بالسرقة والإيذاء بأداة حادة ومن بين ضحايا هذا النوع من الجرائم العامل المصري محمد أحمد، إذ توجه متهمون، تتحفظ الجريدة على ذكر اسميهما، إلى منزل العامل الكائن بمنطقة البقعة الواقعة في أطراف عمان، وادعيا أنهما من رجال البحث الجنائي، وفتشا المنزل وسرقا من المجني عليه خمسمائة دينار (706 دولارات)، واعتدى أحدهما على العامل المصري وأصابه بجرح عميق في الوجه، وفق ما جاء في أوراق القضية رقم 269/2015 والمحالة إلى محكمة جنايات السلط غرب عمان، في 30 ديسمبر/كانون الأول.
ويستغل منتحلو صفة رجال الأمن، ضعف وخوف العمال المصريين وتحديدا غير النظاميين من الإبعاد ومن رجال الأمن لخداعهم وسرقتهم، وفقا لما تؤكده مديرة مركز تمكين الحقوقي للمساندة القانونية ليندا كلش، ويتفق مدير المرصد العمالي أحمد عوض مع ما قالته الناشطة كلش مؤكدا تركيز الأفراد ذوي النزعة الإجرامية على هذه الفئة من العمال، الأمر الذي يراه المستشار القانوني لمنظمة "محامون بلا حدود" معاذ المومني "استقواء على العمالة الوافدة"، قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد"، "المحتالون لن يتجرؤون على انتحال صفة رجل أمن وسرقة العامل لو لم يكن من عامل وافد، من الجنسية المصرية"، لكن هذا الأمر يمكن وقفه ومواجهته عبر تأكد العمال الوافدين من شخصية رجل الأمن في حال أوقفهم، وفق ما أكده الناطق باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي لـ"العربي الجديد"، مشددا على "ضرورة مطالبة العامل الموقوف ممن يشك في ادعائه بأنه من رجال الأمن، إبراز إثباته الشخصي والبطاقة الخاصة بالشرطة، وفي حال رفض وراودت العامل شكوك عليه أن يطلب منه الذهاب معه إلى المركز الأمني".
قضايا اتجار بالبشر
يعد العشريني المصري ربيع السيد واحداً من ضحايا الاتجار بالبشر في الأردن، إذ أجبر العامل على العمل في ظروف تفتقد إلى أدنى شروط معايير السلامة العامة، علاوة على تعرضه للعنف والمعاملة السيئة من قبل رب عمله في مخبز تم إجباره على العمل فيه بدوام يومي يتجاوز 14 ساعة، كما حُجز جواز سفره وأُرغم على توقيع أوراق دون أن يعلم فحواها، وتقاضى راتبا أقل من المتفق عليه. خرج ربيع عن صمته وقدم شكوى إلى مركز تمكين للدعم والمساندة (منظمة أردنية لحماية حقوق العمال)، برقم 267/ش/5/2014 وحرك المركز شكوى وقضية ضد صاحب العمل صنفت في عام 2014 من قبل وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن العام الأردنية على أنها قضية اتجار بالبشر، لكن ربيع لم ينصف بعد، وارتأى أن يغادر الأردن عام 2015 خوفا من ملاحقته قانونيا.
وتفسر مديرة مركز تمكين عدم إنصاف القضاء للعامل ربيع، بسبب توقيعه على أوراق تفيد بحصوله على راتبه كاملا، الأمر الذي جعل القانون عاجزا عن توفير الحماية اللازمة له، وتابعت "هذه المشكلة كثيرا ما تتكرر بسبب مشاكل نظام الكفيل، بالإضافة إلى عدم تحديد تعريف واضح للاتجار بالبشر في القانون الأردني".
وقد وثق مركز تمكين في كتاب أصدره عام 2014 يستعرض قضايا الاتجار بالبشر في الأردن، حالة أخرى تظهر الجانب المظلم من معاناة العمال المصريين، إذ أُجبر عامل زراعي على العمل تحت ضروب التعذيب المختلفة من شتم وسب وامتهان للكرامة، إضافة إلى قيام صاحب العمل بتهديده بربطه "كالبهائم" في حال لم يعمل "بجد"، فوق كل ذلك، حجز صاحب العمل جواز سفر العامل ولم يدفع أجره كاملا.
ويؤكد تقرير "سياج الغربة" الحقوقي الذي أصدره مركز تمكين عام 2017، "تعرض العمال المصريون، بالأخص من بين العمالة المهاجرة، لنوع من أنواع الاتجار بالبشر".
وعلى الرغم من إصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر الأردني عام 2009، "إلا أن القضاء مازال يتعامل مع غالبية الانتهاكات بحق العمال الوافدين على أنها قضايا عمالية"، وفقاً لتقرير حقوق الإنسان حول العالم الصادر عن منظمة "هيومان رايتس واتش" في عام 2016، "الأمر الذي أدى إلى إفلات المتورطين في تلك الانتهاكات"، بحسب المحامي العمالي أحمد مطالقة، الذي أوضح في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد" أن المتورط في انتهاك قانون العمل قد يرتكب أكثر من جريمة تبدأ بالإهانة اللفظية وما تنضوي عليه من سبّ وتحقير، مرورا بتهديد العامل، وربما يصل الحال إلى ضربه أو إيذائه، علاوة على تأخير الرواتب لشهور متتالية، انتهاء بتحقق كافة شروط جريمة الاتجار بالبشر، لكن غالباً ما تعترض مشكلة نقص الأدلة القانونية هذه القضايا، كون العامل تحت سيطرة صاحب العمل بصورة كاملة، مكانياً وزمانياً، وهو ما يؤدي إلى تصنيف المدعي العام للقضية على أنها عمالية تجنباً للدخول في حيز عدم توفر القرائن القانونية الداعمة للقضية.
وتعاملت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر مع 12 قضية اتجار بالبشر خاصة بعمال مصريين راح ضحيتها 43 عاملا مصريا، تم إحالة قضاياهم إلى المحاكم المختصة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بحسب ما أكده لـ"العربي الجديد" مصدر أمني في مديرية الأمن العام الأردنية.
مخالفات واسعة النطاق لقانون العمل
يكشف تحليل مضمون قضايا العمالة المصرية، عن إصدار محاكم الدرجة الأولى الأردنية "صلح، بداية" 605 أحكام، في قضايا أدين فيها أصحاب العمل بارتكاب جرائم ومخالفات لقانون العمل الأردني الصادر في عام 1996، بحق العاملين لديهم من الجنسية المصرية، من بينها حكم واحد بسبب مخالفة المادة 77 من قانون العمل التي تمنع تشغيل عامل بصورة جبرية، وأربعة أحكام بسبب مخالفة المادة 60 من ذات القانون إذ لم يتم احتساب العطل الأسبوعية للعمال وهو ما يخالف المادة 57 من قانون العمل الأردني، التي تشير إلى عدم جواز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميا، و6 أحكام بسبب مخالفة المادة 78 من القانون التي أوجبت على أصحاب العمل توفير معدات الوقاية الشخصية.
وتوزعت باقي الأحكام على مرتكبي جرم مخالف للفقرة "هـ" من المادة 12 من قانون العمل الأردني إذ صدر 249 حكما ذات علاقة بتشغيل عامل دون تصريح عمل، أو بتصريح منتهٍ، و132 حكما ذات صلة بتشغيل عامل بتصريح لدى صاحب عمل آخر، و99 حكما في قضايا تشغيل عامل بمهنة غير مصرح له العمل بها، إضافة لقضايا المطالبة بالحقوق العمالية التي صدر بشأنها 114 حكما لصالح العمال.
وتكشف الحصيلة الواسعة من مخالفة بنود قانون العمل عن "تعزيز صفة التملك لدى صاحب العمل بسبب نظام الكفالة الذي يوحي له أنه مالك أمور العمال ومانح مفاتيح النعيم لهم بالعمل لديه، إضافة إلى ضعف آليات الإنصاف نتيجة بطء التحقق من الشكاوى"، وفق تفسير مديرة مركز تمكين، ليندا كلش.
بالمقابل تعمد وزارة العمل الأردنية إلى القيام بجولات تفتيشية للتحقق من التزام أصحاب العمل باحتساب أجر العمل الإضافي والإجازات السنوية والمرضية، وتوفر بيئة العمل اللائق حصول العامل على تعويض بدل الفصل التعسفي، وفق ما أكده الناطق باسم الوزارة محمد الخطيب في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن حجز الأوراق الثبوتية للعمال من قبل الكفلاء أو أصحاب العمل، مجرم وفق قانون جوازات السفر الأردني، إذ تنص المادة 23/2 من قانون جوازات السفر رقم 2 لسنة 1969 "بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف، أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من وجد بحيازته جواز سفر أو وثيقة سفر بصورة غير مشروعة"، إلا أن بعض أصحاب العمل لا يلتزمون بالقانون، وفقا لما توصلت إليه "العربي الجديد" عبر تحليل قضايا العمالة المصرية، إذ سجلت محاكم الدرجة الأولى 24 حكما صادرا في حق أصحاب عمل قاموا بحجز جوازات العمال المصريين بصورة غير مشروعة.
ويصنف الحقوقيان كلش وعوض حجز الأوراق الثبوتية الخاصة بالعمال، وعلى رأسها جواز السفر، ضمن أشكال العمل الجبري، الذي يعتبر من بين تصنيفات جرائم الاتجار بالبشر، وشدد الحقوقيان على ضرورة عدم تبرير هذا الجرم تحت أية حجج يتذرع بها أصحاب العمل.
وبالرغم من التجريم القانوني الواضح لحجز جوازات سفر العمال، برأت محكمة بداية جزاء السلط في مايو/أيار من عام 2015، صاحب عمل بعد اتهامه بحجز جوازات سفر خمسة عاملين من الجنسية المصرية في القضية رقم 1092/2014، واعتبر القاضي قيام رب العمل بحجز الجواز مبرراً "لأنه قام بذلك لاستخراج تصاريح عمل لهم، ورغم استمراره بحجز الجواز لم يعاقب، وبررت المحكمة لصاحب العمل حيازة هذه الجوازات لغايات استمرار العامل بالعمل ولغايات ضمان الظنين (رب العمل) وبصفته كفيلا بأن يقوم العامل بالالتزام بما وجب عليه، ومثال ذلك (كحجز جواز السفر العائد لنزيل الفندق) وعليه فإن وجود جواز السفر بحيازة الظنين بصفته رب عمل هي لغاية مشروعة".
وأبدت كلش استغرابها الشديد من هذا الحكم المخالف للقوانين السارية، علاوة على تكريسه مفهوم الكفالة بإعطائه مبرراً لصاحب العمل في احتجاز جواز سفر العمال.
تحويل الضحية إلى مذنب
أصدرت محاكم الدرجة الأولى 117 حكما بتبرئة عمال مصريين اتهموا "بهتانا" بجرائم متنوعة، إذ توزعت أحكام البراءة بين 68 حكما بالبراءة من اتهامات بجرم السرقة، و41 حكما بالبراءة من اتهامات بإساءة الائتمان، وخمسة أحكام في تهم إلحاق الضرر بمال الغير، وثلاثة أحكام براءة في قضية تظهير شيك دون رصيد، وفق ما كشفه تحليل عينة قضايا العمالة المصرية خلال فترة التحقيق. ويلصق صاحب العمل تهمة السرقة بالعامل المهاجر انتقاما منه، خاصة في حالة ترك العمل لخلاف بينهما، وفقا لما قاله الحقوقيان كلش وشما لـ"العربي الجديد".
بالمقابل أصدرت محاكم الدرجة الأولى 77 حكما خلال فترة تحليل مضمون القضايا التي عملت عليها "العربي الجديد" لصالح صاحب العمل، إذ قضت بتعويضه من قبل العامل وفقا للمادة (29) من قانون العمل، "التي أجازت لصاحب العمل مطالبة العامل بما ينشأ عن إنهاء العمل من عطل وضرر يعود تقديره إلى المحكمة المختصة على ألا يتجاوز مبلغ ما يحكم به على العامل أجر نصف شهر عن كل شهر من المدة المتبقية من العقد"، لكن مراجعة ملفات هذه القضايا، تبين تقاضي العمال لأجور أقل من الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه في قانون العمل الأردني والبالغ 190 دينارا أردنيا والذي طرأ عليه تعديل في مارس/آذار الماضي ليصبح 220 دينارا بقرار من مجلس الوزراء، الأمر الذي يوجب عقوبة على أصحاب العمل وفقا للمادة 53 من قانون العمل، إذ لم يتجاوز راتب العمال في هذه الأحكام 152 دينارا أردنيا، باستثناء قضية واحدة كان أجر العامل فيها موافقا للحد الأدنى.
لكن الحقوقية كلش ترى أنه في حال التحقق من أسباب ترك العامل لعمله وربطها بمطالبة صاحب العمل بالتعويض، يمكن التوصل إلى أن تلك الأسباب تعود في أغلب الحالات للانتهاكات العمالية أو الظروف المعيشة أو المعاملة السيئة وفقا لمتابعتها وللشكاوى التي تصل إلى مركز تمكين، وهو ما يوافقها فيه الناشط شما قائلا: "لو قمنا بفتح ملفات هذه القضايا، سنجد أن العامل هو الضحية، ولكن لا يوجد إسناد قانوني لإنصافه، ولا أحد يسمع صوت الفئات المستضعفة".
تقييد حرية التنقل
أصدرت محاكم الدرجة الأولى 791 حكما جرمت بموجبها وافدين من الجنسية المصرية بتهمة عدم تحديد مكان السكن، لمخالفتهم المادة 12 من قانون الإقامة وشؤون الأجانب التي أوجبت على الأجانب المقيمين في الأردن التقدم خلال 48 ساعة من وقت وصولهم إلى محل إقامتهم الجديد بإقرار أو بلاغ للمديرية أو مركز الشرطة حول مكان سكنهم، وهو ما يراه المستشار القانوني لمنظمة محامون بلا حدود أمرا لا يستحق التوقيف والمثول أمام المحاكم لأجله، وتابع موضحا: "توقيف العمال بسبب هذا الفعل تقييد لحريتهم بالتنقل التي يفترض أن تكن مصونة، إذ لا يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون الذي يجب أن يتماشى مع المعايير الدولية التي صانت حق الإنسان بالتنقل وعدم التعرض لشخصه".
وتكفل المادة 39 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم الحق في حرية الانتقال في إقليم دولة العمل وحرية اختيار محل إقامتهم بها، ويستنكر شما التعامل مع الوافدين من الجنسية المصرية بهذا الشكل قائلا: "من حق الدولة متابعة العمال، لكن ليس من حقها التعامل معهم مثل المجرمين بالملاحقة والاعتقال، فقط لأنهم لم يحددوا مكان سكنهم".
عدم تطبيق معايير الأمان يفقد العمّال حياتهم
ترك المهندس فضل عباس عمله في مكتب هندسي خاص، بعد رفض المسؤولين عن موقع البناء، توفير شبك للحماية وأحزمة أمان تقي العمال من الجنسية المصرية من موت قد يصيبهم في أي لحظة، إذ كثيرا ما تقع حالات مشابهة بسبب عدم الالتزام بمعايير السلامة والأمان التي يشترطها القانون، ما أسفر عن وفاة المواطن المصري أشرف سيف بسبب إهمال صاحب العمل لمعايير السلامة العامة إذ سقط من أعلى فتحة سطح في عمارة قيد الإنشاء وفق ما جاء في أوراق القضية التي نظرتها محكمة بداية جزاء غرب عمان والتي حملت رقم 1265، ولا يختلف حال محمد عيد عن أشرف إذ فقد حياته هو الآخر بسبب سقوط واجهة حجرية عليه، نتيجة عدم وضع "تندات" حديد أو خشب في محيط البناء، لكن محكمة بداية جنايات السلط جاء قرارها رقم 325 بعدم مسؤولية صاحب العمل عن وفاة محمد.
الأمر ذاته تكرر مع عدة حالات وثقتها معدة التحقيق، منها العامل أحمد محمود الذي قضت المحكمة بعدم مسؤولية المتسبب في وفاته بقرارها رقم 1684/2015، إذ سقط أحمد بسبب خطأ صاحب العمل الذي قام بتشغيل المضخة فجأة خلال قيام أحمد بوضع خرطوم الماء داخل الخزان. وتقع هذه التجاوزات رغم وجود نصوص قانونية تحفظ للعمال حياتهم عن طريق إلزام أصحاب العمل بمعايير السلامة والصحة المهنية وعلى رأسها المادة 3 من تعليمات حماية العاملين من مخاطر بيئة العمل والتي نصت على ضرورة أن "يزود العامل بخوذة خاصة لوقاية الرأس من خطر سقوط الأشياء والاصطدام بها وللوقاية من الكهرباء والمواد المنصهرة وذلك في أعمال تشييد المباني أو الهياكل على اختلاف أنواعها".
ويرى الحقوقي، محمد شما، ضرورة تصنيف هذه القضايا على أنها جرائم قتل غير عمد، إذ يتوفى العامل بسبب إهمال صاحب المنشأة، وتابع: "لا يوجد متابعة معمقة لتلك القضايا علاوة على غياب العدالة داخل إجراءات التقاضي". وفي هذا السياق تأتي حادثة حريق جمرك عمان التي وقعت في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 والتي تسببت بوفاة ثمانية عمال وإصابة 12 آخرين من الجنسيتين المصرية والأردنية، بالإضافة إلى وفاة ثلاثة عمال من الجنسية المصرية في إبريل/نيسان الماضي نتيجة حريق في أحد مباني رئاسة الوزراء، الأمر الذي يراه مدير المرصد العمالي أحمد عوض ناتجا عن حالة الفجوة بين القوانين والتطبيق، إذ إن القوانين الناظمة تضمنت شروطا ممتازة للصحة والسلامة المهنية، لكن على أرض الواقع يوجد ضعف في التفتيش على هذه المعايير وفرضها على أصحاب العمل، قائلا "فئة كبيرة من العمال ينخرطون في قطاعات غير منظمة ولا يلتزم أصحاب العمل المعايير، والخطورة أن عملهم يكون على نظام المياومة، الأمر الذي يحرمهم من الضمان الاجتماعي".
وبيّن المستشار القانوني لمنظمة "محامون بلا حدود" معاذ المومني أن جزءاً من الأضرار التي تلحق بالعمال حال عدم شمولهم بالضمان، وعلى رأسها عدم الحصول على الرواتب الفعلية حال إصابتهم ومكوثهم في منازلهم، محملا مسؤولية ذلك للضمان الاجتماعي والسفارة المصرية ووزارة العمل، ورد الناطق باسم وزارة العمل محمد الخطيب مؤكدا أن الوزارة تقوم بمسؤوليتها من خلال التفتيش على مواقع العمل والتأكد من تحقيق شروط السلامة والصحة المهنية ومحاسبة أصحاب العمل المخالفين، وشدد على تحمل صاحب العمل مسؤولية قانونية واجتماعية حال إصابة العمال، بينما عبر الناطق باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي موسى صبيحي عن قلقه إزاء عمل الوافدين بالقطاعات غير المنظمة وعدم شمولهم بالضمان الاجتماعي، الأمر الذي يتسبب بضياع حقوقهم عند تعرضهم لإصابات عمل أو وفاتهم.
ما خفي أعظم
تلقى مركز تمكين 1958 شكوى لعمال مصريين تعرضوا لانتهاكات حقوقية وعمالية، خلال الفترة منذ يناير/كانون الثاني 2013 وحتى أغسطس /آب 2016، وتنوعت الشكاوى بين 210 حالات حجز حرية للعامل من قبل رب العمل، و300 شكوى حجز جواز السفر، 173 شكوى من طول ساعات العمل، و297 شكوى من حجز الرواتب، و168 شكوى حرمان من الإجازات، و43 شكوى من العمل الجبري، و230 شكوى حرمان من بدل العمل الإضافي، و56 شكوى من المعاملة المهينة، و15 شكوى سبّ، وسبع شكاوى من إصابات عمل، و103 شكاوى من انتهاكات لفظية متنوعة، و53 شكوى من اعتداء جسدي، و9 شكاوى لإجبار العامل على العمل في أكثر من مهنة، و43 شكوى حرمان من الرعاية الصحية، و29 شكوى بسبب حرمان العامل من الطعام أو قلته، وشكوى واحدة بسبب حرمان العامل من الاتصال بالأهل، و76 شكوى من عدم تجديد الإقامة وتصريح العمل، و34 شكوى من التهديد بالقتل، و11 شكوى من الاحتيال، و18 شكوى من الفصل التعسفي، و17 شكوى ابتزاز، و44 شكوى من الحرمان من النوم، و21 شكوى طلب مال مقابل تسليم جواز السفر.
ورغم هذا العدد الهائل من الشكاوى الحقوقية والجرائم والاعتداءات الموثقة في سجلات المحاكم، إلا أن هذه الأرقام لا تعبر عن حجم الظلم الواقع على العمالة المصرية في الأردن، إذ يجمع الحقوقيون الذين أجرت معدة التحقيق لقاءات معهم على أن الجرائم والاعتداءات والانتهاكات تفوق عدد القضايا التي وصلت إلى المحاكم، بسبب إحجام أغلب العمال عن تقديم الشكاوى خوفا من فقدان فرص عملهم، أو إبعادهم، وخشية دخولهم في نزاع مع الأردنيين، علاوة على طول أمد التقاضي، ومن بين هذه حالة المواطن المصري حسن محمد (اسم مستعار بناء على طلبه) والذي تعرض لاعتداء جسيم كاد أن يودي بحياته، إثر إقدام شابين على الاعتداء عليه في منزله بغية سرقته، الأمر الذي أصابه بارتجاج في المخ ونزيف حاد في أنحاء متفرقة من جسده.
ولم يتقدم حسن بشكوى إلى الجهات الأمنية خوفا من ترحيله، إذ رفض صاحب العمل تجديد تصريح عمله، إضافة إلى أنه يحجز جواز سفره، في ظل عدم وقوف سفارة بلاده إلى جانبه، على حد قوله، الأمر الذي تكرر مع خمسة عشر عاملا مصريا يقيمون في شقة من أربع غرف في ظروف مزرية بمدينة إربد تبعد 81 كيلومتراً عن العاصمة عمان، من بينهم محمد خالد، (اسم مستعار بناء على طلبه) والذي قدم من مصر بعد الاتفاق مع الكفيل على العمل في مصنع دهان لمدة ثماني ساعات يومياً بأجر مقداره أربعمائة دينار (566 دولارا)، لكنه صدم بعد أن وجد أن وظيفته هي عامل نظافة في مخبز، وأن ساعات عمله لا تقل عن 12 ساعة يوميا، بأجر قدره ثمانية دنانير يوميا علاوة على قيام صاحب العمل بحجز العقد الأصلي وجواز سفره وجوازات زملائه خوفاً من هروبهم".
ورغم شعور الظلم الذي يعانيه محمد وزملاؤه إلا أنهم لم يقدموا شكوى قضائية ضد كفيلهم، ولم يذهبوا إلى سفارتهم وهو ما فسره بالقول :"احنا عارفين السفارة مش حتعمل حاجة".
الخوف من تعكير العلاقات
بالعودة إلى القنصل المصري في الأردن، محمد محمود، لسؤاله عن حالة حسن وعشر حالات وثقتها معدة التحقيق لوافدين من الجنسية المصرية تعرضوا لانتهاكات حقوقية وعمالية، ولم يرفعوا قضايا في المحاكم، رفض الدبلوماسي المصري التعليق على الأمر مبرراً ذلك بالخشية من تعكير صفو العلاقات مع الأردن.
لكن الناطق باسم مديرية الأمن العام الأردنية استهجن منطق عدم تقديم العمال المصريين لشكاوى ضد من يمارسون الانتهاكات بحقهم، قائلا: "مراكزنا الأمنية مفتوحة أمام الجميع ويحق لأي شخص يقيم في الأردن تقديم شكاوى بما يعانيه وما تعرض له من مخالفات قانونية"، الأمر الذي تراه الحقوقية كلش صعب التحقيق في ظل خوف العامل المشتكي من التوقيف في حالة التقدم بشكواه إلى المراكز الأمنية، أو عندما يحيل المدعي العام الشكوى للتحقيق ويطلب جلب الأطراف المتورطة".