تغطي المياه ثلثي مساحة كوكب الأرض، وتمدّنا بالغذاء والطاقة والثروات، لكن هذه المساحات الواسعة تواجه أخطارًا عديدة. رغم محبتنا للمياه وارتباطها بالعديد من النشاطات الترفيهية، كركوب الأمواج والرحلات البحرية، إلا أننا نتعامل معها بكل الطرق المسيئة ونعرضها للمخاطر، وهنا حاولنا تلخيص خمسة أخطار تواجه محيطاتنا.
1. الثروة السمكية بخطر
يعد السمك أحد الأطعمة المفيدة للصحة، إذ تعتمد كثير من البلاد (وفي مقدمتها الدول النامية) على ثمار البحر كمصدر للبروتين، لكن البشرية أصبحت تستهلك كمياتٍ أكبر من الكمية التي تقدمها الطبيعة، فبحسب منظمة التغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) تم اصطياد أكثر من 81 طنً من الأسماك والمأكولات البحرية خلال العام 2015 ، بزيادة قدرها 1,7% عن العالم السابق، ووفقًا لباحثين فإن ما يقارب ثلث المخزون السمكي في العالم يتعرض إلى الصيد المفرط.
احتلت الصين والولايات المتحدة وإندونيسيا في المراكز الأول في قائمة الدول صيدًا للأسماك في العالم خلال العام 2015، كما أن نسبة 80% من الثروة السمكية والمأكولات البحرية تعود لحساب 23 دولة ومعظمها من الدول الصناعية.
حاول البعض حل مشكلة نقص الثروة السمكية عن طريق تربية السمك في مزارع الثروة السمكية، لكن الأحواض فاقمت المشكلة للأسف وجعلتها أكثر سوءًا، إذ أن الأحواض الصناعية – كالأقفاص الكبيرة على شواطئ البحار – تتطلب كميات ضخمة من المأكولات البحرية والأسماك التي تحتاجها الأسماك لكي تتوالد وتكبر، بالإضافة إلى تلويث البيئة المحيطة بها بفضلات الأسماك والأدوية والعقاقير، مما يساهم بانتشار أمراض الأسماك.
لكن الصيد المقنن بالإضافة إلى إدارة الموارد السمكية بشكل عام من شأنه أن يكون حلًا لهذه المشكلة، إذ يتيح ذلك الفرصة للمخزون السمكي لكي يتكاثر، لكن هذا لن ينجح إلا إذا تم التدخل في الوقت المناسب.
كما أن الاعتدال في تناول المأكولات البحرية، والأخذ بعين الاعتبار مصدر الطعام الذي تحتويه موائدنا، وصنفه، ونوعه، من شأنه أن يلعب دورًا مساعدًا في ذلك.
2. ازدياد حموضة مياه البحر
تضاعفت انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بعد الثورة الصناعية عدة مرات، لكن تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي لم يرتفع إلا بنسبة 40%، وذلك بسبب امتصاص مياه البحار لهذا الغاز الذي ينحل بسهولة في الماء، ما يعني أن البحر يساهم بتأخير التغير المناخي، لكن في المقابل لكل شيء ثمنه.
عندما ينحل ثنائي أوكسيد الكربون في المياه، ينشأ حامض الكربونيك وترتفع حموضة المياه وتنخفض قيمة PH.
كانت قيمة الـ PH لمياه البحر في العام 1870 8,2، وتبلغ الآن 8.1، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 7.7 خلال العام 2100.
ربما يبدو هذا تغيرًا طفيفًا، لكنه يعني في الحقيقة أن كمية الحموض سترتفع بنسبة 150%، ولن تتمكن الحيوانات البحرية وخصوصًا الفقاريات والرخويات من التعايش مع هذه الحموضة، ما يؤدي لتوقفها عن التكاثر وبالتالي إشرافها على الانقراض.
حذرت بعض الدراسات في عام 2005 من خطر يهدد مزارع المحار في سواحل كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، فمياه البحر أصبحت شديدة الحموضة مما يهدد وجود يرقات المحار، وفعلًا حدث ما كانت تخشاه التوقعات، وماتت كل يرقات المحار وتوقفت معها صناعة المحار في تلك المنطقة.
ومن أجل منع مثل هذه الحادثة من التكرار والحد من ازدياد حموضة المياه، ينبغي تقليص انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون بأقصى سرعة ممكنة.
3. المستقبل المخيف
لا تحتفظ المياه بغاز ثنائي أوكسيد الكربون فحسب وإنما بالحرارة أيضًا، ووفقًا للحسابات فإن المياه تمتص نسبة 93٪ من الحرارة التي تتسبب بها انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون، مما يؤدي إلى ارتفاع حرارة المياه.
ارتفعت حرارة سطح الماء بين عامي 1990 و2008 في مختلف أرجاء العالم وسطيًا 0,62 درجة مئوية، بينما ارتفعت في بعض المناطق مثل بحر الصين إلى حدود 2,1 درجة مئوية، مما يشك خطرًا كبيرًا على الكائنات التي تستوطن البحار، ومنها الشعاب المرجانية، فهي الكائنات تقوم ببناء هيكل كلسي صلب، تعيش فيه طحالبٌ ملونة وقادرة على القيام بعملية التركيب الضوئي، لكن ارتفاع حرارة المياه سيؤدي إلى طرد الطحالب وموتها، وهذا ما يسمى "ابيضاض الطحالب" وانقرض حتى الآن ثلث الشعب المرجانية في أستراليا.
الأمر الوحيد الذي بوسعه الحد من ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات هو تقليص انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون، بالإضافة لذلك يعمل الباحثون على استنبات أصناف متطورة من الشعاب المرجانية تستطيع الصمود أمام درجات الحرارة الحالية.
4. تلوث البحار
كانت البحار لفترة طويلة أشبه بمكبات قمامة ضخمة للسفن وللشواطئ، وعلى الرغم من تغير المشهد بشكل واضح إلا كمياتٌ هائلة من القمامة ما زالت تتراكم في المحيطات.
تحوي أكبر خمس دوامات للقمامة في المحيط الهادئ على مليارات القطع البلاستيكية والنفايات الأخرى و تغطي مساحة تقدر ما بين 700 ألف إلى 15 مليون كيلو متر مربع، ولا يصل إلى هذه المناطق إلا 1% من النفايات، إذ ترمى 99% من النفايات على الشواطئ، ما يشكل خطر ٪٩٩ من النفايات لا تصل إلى هذه الدوامات، وإنما يتم رميها على الشواطئ، ما يشكل خطرًا على طيور الماء وسلاحف البحر والحيوانات أخرى، ويتحلل جزء كبير منها إلى أجزاء صغيرة "ميكرو بلاستيك" ثم تترسب في قاع المحيطات.
تلعب أيضًأ النترات والفوسفات القادمة من مزارع الحيوانات التي تصل إلى البحر عبر الأنهار دورًا في التلوث، إذ تسمح للطحالب بالنمو في البداية، لكنها تموت وتتحلل بسبب البكتيريا، فهذه المياه هي مناطق ميتة تنخفض كميات الأوكسجين إلى الحد الذي لا يمكن لأي كائن حي أن يتعايش معه.
إضافة إلى أن مياه الصرف الصناعي مازالت كما كانت سابقًا تصب في البحار، ومعها المواد الكيميائية والمعادن مثل الرصاص والزئبق والملونات العضوية الثابتة الخطرة، وتتراكم في دهون الحيتان وأسماك القرش وغيرها من الحيوانات، إلى نهاية السلسلة الغذائية.
تخطط عدد من المنظمات إلى السيطرة على أكوام القمامة التي ترى في البحر، ومنها المؤسسة الهولندية (The Ocean Cleanup) التي ستبدأ عام ٢٠١٨ في إزالة النفايات البلاستيكية من أكبر مكب قمامة في المحيط الهادئ عن طريق جهاز قادر على العوم والذي طورته ليخدم هذا الهدف.
وبغض النظر عن ذلك فإن حماية المحيطات تحتاج قبل كل شيء إلى تقليل كمية البلاستيك وسن قوانين أكثر صرامة في التعامل مع مياه الصرف.
5. المزيد من الكنوز في البحر
يحوي قاع البحار على كمياتٍ كبيرة من الثروات النفيسة مثل سبائك المنغنيز، وهي صخور من الحديد والمنغنيز توجد في قاع المحيطات وتستخدم في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ.
تشير التقديرات أن البحر يحتوي ما يقارب ٧ مليار طن من المنغنيز (وهو ما يفوق كميته على الأرض) وقد وضعت بعض الدول يدها فعلًا على أماكن من قيعان المحيطات، لكي تتمكن في المستقبل من البدء بعمليات الاستخراج. كما أن أعماق البحار تحتوي على معادن ثمينة مثل النيغل والثاليوم وأتربة نادرة.
تعد حقول المنغنيز نقاطًا حيوية للتنوع الحيوي، إذ اكتشف الباحثون لأول مرة في العام المنصرم الأخطبوط الشبحي، والذي أًطلق عليه اسم "كاسبر"، ما يعرض هذه الكائنات إلى الخطر مع بدأ عمليات استخراج المنغنيز، ولا يمكن تفادي هذا الخطر إلا بسن قوانين صارمة أو بفرض حظر تام للتعدين في أعماق البحار.