لم يعتقد زملاء الصحافية هاجر الريسوني أو أقاربها أو أصدقاؤها، يوماً، أنها ستتحوّل إلى أيقونة لحملة وطنية ودولية عارمة، للمطالبة بإطلاق سراحها والتنديد باعتقالها. هؤلاء جميعاً يحرصون، بعد مرور ثلاثة أسابيع على توقيف الصحافية ذات الـ28 عاماً، وما تخلّل هذه المدة من حملة إعلامية استعملت فيها وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية التابعة للدولة، وعدد من المنابر الإعلامية المقربة من السلطة؛ على ربط هذا التوقيف بالعمل الصحافي لهاجر الريسوني ويرفضون الإنصات إلى صكّ الاتهام الرسمي، والذي يتّهم الصحافية إلى جانب خطيبها وطبيبها واثنين من مساعديه، بإجراء عملية إجهاض غير مشروع لحمل يفترض أنه كان قد حصل في رحم هذه الفتاة. انطلقت فصول هذه القصة التي تتردد أصداؤها اليوم في كبريات العواصم الدولية، يوم السبت 31 أغسطس/آب الماضي، حين أوقفت عناصر أمن بلباس مدني هاجر الريسوني رفقة خطيبها، أثناء مغادرتهما بناية تضم عيادة طبية مخصصة لأمراض النساء والتوليد.
الوصف الذي تتفق عليه روايات المحاضر الأمنية مع تصريحات دفاع الصحافية المعتقلة يقول إن العناصر الأمنية استفسرت الصحافية هاجر الريسوني لمعرفة ما إن كانت في العيادة الطبية، وهو ما أكدته، ليتم اقتيادها رفقة خطيبها، وهو خبير سوداني في حقوق الإنسان يقيم في المغرب، نحو العيادة الطبية، وهناك جرى الاتصال هاتفياً بالطبيب الذي كان قد غادر المكان، ليتم توقيفه فور عودته، إلى جانب اثنين من مساعديه في العيادة الطبية، وذلك بتهمة تنفيذ عملية إجهاض طبي يمنعها القانون المغربي.
هنا، تفترق الرواية الأمنية عن تلك التي تقدّمها الصحافية هاجر الريسوني ودفاعها، حيث تقول اتهامات النيابة العامة إن الطبيب أجرى عملية إجهاض، بينما تؤكد الصحافية الموقوفة أنها زارت الطبيب لوقف نزيف دموي حاد أصابها في الليلة التي سبقت ذلك اليوم، ولم تنفع محاولات إيقافه وتناول بعض المسكنات. بعد حجز السلطات الأمنية مجموعة من الضمادات والمعدات الطبية التي عثرت عليها في العيادة، جرى اقتياد الصحافية هاجر الريسوني إلى مستشفى أمراض النساء والتوليد العمومي الأكبر في العاصمة الرباط، حيث أخضعتها السلطات لفحص طبي تقول هاجر الريسوني ودفاعها إنّه نفّذ بالإكراه ودون موافقة مسبقة منها، وخلصت نتيجة الفحص التي حررها الطبيب المداوم إلى عدم وجود أية آثار للملاقط الطبية داخل رحم هاجر الريسوني، وهي المعدات التي لا يمكن القيام بإجهاض طبي من دون استعمالها.
هذه الخلاصة الطبية التي لم تتأخر في نشرها كل من جريدة "أخبار اليوم" وموقع "اليوم 24"، التابعين للمجموعة الإعلامية التي تعمل لديها هاجر الريسوني، دفعت السلطات إلى استصدار شهادة طبية لاحقة، حرّرها الطبيب الرئيس المسؤول عن قسم النساء والولادة في مستشفى "ابن سينا" الجامعي بالرباط، يقول فيها إن هاجر الريسوني صرّحت له شفوياً أنها سبق أن تعرضت لإجهاض حمل سابق، كما استعانت سلطات الاتهام بتحاليل مخبرية إضافية محاولة إثبات وجود آثار حمل سابق في رحم الصحافية الموقوفة. هذه الخطوات لا يعتبرها فريق المحامين المدافعين عن هاجر الريسوني سوى محاولة يائسة من السلطات للبرهنة على تهم تعوزها الدلائل.
اقــرأ أيضاً
بعيداً عن هذه التفاصيل الطبية والقانونية، يجمع الحقوقيون داخل المغرب وخارجه، على ربط توقيف الصحافية الشابة بنشاطها الإعلامي، وبقرابتها العائلية بكل من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، ورئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم"، سليمان الريسوني المعروف بكتاباته النقدية.
كما سارع طيف واسع من الهيئات الحقوقية، إلى ربط هذا التوقيف بالمحاكمة المتواصلة لمؤسس الصحيفة التي تعمل بها هاجر الريسوني، صحيفة "أخبار اليوم"، والتي بلغت مراحلها الاستئنافية بعدما صدر حكم ابتدائي على كاتب الافتتاحيات الشهير توفيق بوعشرين، بـ12 سنة سجناً، بتهم لا تخرج عن الإطار "الأخلاقي"، أي استغلال صحافيات وموظفات لدى المؤسسة الإعلامية، لأغراض جنسية.
جرت حتى الآن 4 جلسات لمحاكمة هاجر الريسوني وبقية الموقوفين. وفي كل مرة، تتحوّل الساحة المقابلة للمحكمة إلى ساحة احتجاج وتظاهر ورفع للافتات المطالبة بإطلاق سراح الصحافية هاجر الريسوني. وأصدرت المحكمة حتى الآن، 4 قرارات برفض طلبات إطلاق السراح التي قدّمها المحامون، وهو الرفض الذي يعتبره أنصار الريسوني ظالما لعدم وجود سوابق لاعتقال متهمات بارتكاب الإجهاض.
وأول من أمس الإثنين، خسرت الريسوني آخر المحاولات القانونية التي قام بها محاموها في محاولة لوقف الملاحقة القضائية بتهمة الإجهاض غير المشروع. وفي نهاية الجلسة، أعلنت المحكمة دخول القضية إلى "التأمل" مع تأجيل النطق بالحكم إلى يوم الاثنين المقبل، أي 30 سبتمبر/أيلول.
وأعلن رئيس هيئة الحكم عقب افتتاح جلسة المحاكمة الرابعة في هذا الملف الذي أصبح قضية رأي عام، داخل المغرب وخارجه، رفض جميع الدفوع التي تقدم بها دفاع هاجر الريسوني وبقية المتابعين، مشدداً على قانونية محاضر الشرطة وثبوت حالة التلبس، رغم أن عملية التوقيف تمت خارج العيادة الطبية. وفيما قلّل القاضي من أهمية نتيجة الفحص الطبي الذي خضعت له الصحافية بعد توقيفها، والذي أكد عدم وجود أية آثار للإجهاض في رحم هاجر الريسوني، واعتبره مجرد فحص لا يرقى إلى مرتبة الخبرة القضائية، عاد ليدافع عن شرعية هذا الفحص رافضاً اتهامات دفاع هاجر الريسوني الذي اعتبره نوعاً من التعذيب.
اقــرأ أيضاً
في أول افتتاحية نشرتها صحيفة "أخبار اليوم" بعد اعتقال الصحافية العاملة لديها، قالت هيئة تحرير اليومية التي توصف بالمزعجة للسلطات، إن هاجر رفضت عروضا مغرية بالعمل لحساب قناة تلفزيونية خليجية "في عزّ حملة العصا والجزرة التي أطلقت ضد صحافيات أخبار اليوم، لحمل بعضهن على اتهام المدير المعتقل بالتحرش بهن، وإقناع الأخريات بالقفز من السفينة التي تغرق".
وأضافت "أخبار اليوم" أن صحافيتها الموقوفة نالت قبل شهور قليلة من توقيفها، جائزة الصحافة الوطنية للشباب بعد إنجازها تحقيقا حول هجرة الشباب المغربي نحو أوروبا. بينما سارع مراقبون إلى ربط هذا التوقيف بحوارين مطولين أنجزتهما هاجر الريسوني في الفترة الأخيرة، ونشرا ضمن سلسلتين مطولتين، أولهما مع عمّها أحمد الريسوني، والثاني مع أب زعيم الاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف شمال المغرب، ناصر الزفزافي.
مدير نشر صحيفة "الأيام" الأسبوعية وأحد أشهر الكتاب الصحافيين بالمغرب، نور الدين مفتاح، خصّص افتتاحية العدد الأخير للدفاع عن الصحافية التي اشتغلت في صحيفته قبل التحاقها بـ"أخبار اليوم". واختار مفتاح عنوان "لمن يحب هاجر"، ليقول إن هاجر كانت شابة متحررة مفعمة بالحيوية، "حصلت على أكثر من إجازة (ماجستير) ولكنها عشقت الصحافة، وانغمست تتعلم، وكانت مندفعة اندفاع الشباب المقبول، والمهم أنها كانت خلوقة، وحتى عندما أرادت مغادرة "الأيام"، جاء ذلك بأناقة لتختار العودة للاشتغال في "اليومي"، الذي رنت إليه أكثر من الإصدار الأسبوعي".
أما موجة التضامن الحقوقي، فتجاوزت كبريات الهيئات المغربية إلى تلك الدولية، حيث طالبت "هيومن رايتس ووتش" بإطلاق سراحها، معتبرة أن توقيفها مرتبط بالخط التحريري لصحيفة "أخبار اليوم". صدر تنديد مماثل عن منظمتي "مراسلون بلا حدود" و"العفو الدولية"، لتبادر هذه الأخيرة إلى توجيه مناشدة رسمية إلى رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني للإفراج عن هاجر الريسوني، مرفقة ذلك بحملة توقيعات دولية للمطالبة بوقف المتابعة القضائية في حق هذه الصحافية.
هنا، تفترق الرواية الأمنية عن تلك التي تقدّمها الصحافية هاجر الريسوني ودفاعها، حيث تقول اتهامات النيابة العامة إن الطبيب أجرى عملية إجهاض، بينما تؤكد الصحافية الموقوفة أنها زارت الطبيب لوقف نزيف دموي حاد أصابها في الليلة التي سبقت ذلك اليوم، ولم تنفع محاولات إيقافه وتناول بعض المسكنات. بعد حجز السلطات الأمنية مجموعة من الضمادات والمعدات الطبية التي عثرت عليها في العيادة، جرى اقتياد الصحافية هاجر الريسوني إلى مستشفى أمراض النساء والتوليد العمومي الأكبر في العاصمة الرباط، حيث أخضعتها السلطات لفحص طبي تقول هاجر الريسوني ودفاعها إنّه نفّذ بالإكراه ودون موافقة مسبقة منها، وخلصت نتيجة الفحص التي حررها الطبيب المداوم إلى عدم وجود أية آثار للملاقط الطبية داخل رحم هاجر الريسوني، وهي المعدات التي لا يمكن القيام بإجهاض طبي من دون استعمالها.
هذه الخلاصة الطبية التي لم تتأخر في نشرها كل من جريدة "أخبار اليوم" وموقع "اليوم 24"، التابعين للمجموعة الإعلامية التي تعمل لديها هاجر الريسوني، دفعت السلطات إلى استصدار شهادة طبية لاحقة، حرّرها الطبيب الرئيس المسؤول عن قسم النساء والولادة في مستشفى "ابن سينا" الجامعي بالرباط، يقول فيها إن هاجر الريسوني صرّحت له شفوياً أنها سبق أن تعرضت لإجهاض حمل سابق، كما استعانت سلطات الاتهام بتحاليل مخبرية إضافية محاولة إثبات وجود آثار حمل سابق في رحم الصحافية الموقوفة. هذه الخطوات لا يعتبرها فريق المحامين المدافعين عن هاجر الريسوني سوى محاولة يائسة من السلطات للبرهنة على تهم تعوزها الدلائل.
بعيداً عن هذه التفاصيل الطبية والقانونية، يجمع الحقوقيون داخل المغرب وخارجه، على ربط توقيف الصحافية الشابة بنشاطها الإعلامي، وبقرابتها العائلية بكل من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، ورئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم"، سليمان الريسوني المعروف بكتاباته النقدية.
كما سارع طيف واسع من الهيئات الحقوقية، إلى ربط هذا التوقيف بالمحاكمة المتواصلة لمؤسس الصحيفة التي تعمل بها هاجر الريسوني، صحيفة "أخبار اليوم"، والتي بلغت مراحلها الاستئنافية بعدما صدر حكم ابتدائي على كاتب الافتتاحيات الشهير توفيق بوعشرين، بـ12 سنة سجناً، بتهم لا تخرج عن الإطار "الأخلاقي"، أي استغلال صحافيات وموظفات لدى المؤسسة الإعلامية، لأغراض جنسية.
جرت حتى الآن 4 جلسات لمحاكمة هاجر الريسوني وبقية الموقوفين. وفي كل مرة، تتحوّل الساحة المقابلة للمحكمة إلى ساحة احتجاج وتظاهر ورفع للافتات المطالبة بإطلاق سراح الصحافية هاجر الريسوني. وأصدرت المحكمة حتى الآن، 4 قرارات برفض طلبات إطلاق السراح التي قدّمها المحامون، وهو الرفض الذي يعتبره أنصار الريسوني ظالما لعدم وجود سوابق لاعتقال متهمات بارتكاب الإجهاض.
وأول من أمس الإثنين، خسرت الريسوني آخر المحاولات القانونية التي قام بها محاموها في محاولة لوقف الملاحقة القضائية بتهمة الإجهاض غير المشروع. وفي نهاية الجلسة، أعلنت المحكمة دخول القضية إلى "التأمل" مع تأجيل النطق بالحكم إلى يوم الاثنين المقبل، أي 30 سبتمبر/أيلول.
وأعلن رئيس هيئة الحكم عقب افتتاح جلسة المحاكمة الرابعة في هذا الملف الذي أصبح قضية رأي عام، داخل المغرب وخارجه، رفض جميع الدفوع التي تقدم بها دفاع هاجر الريسوني وبقية المتابعين، مشدداً على قانونية محاضر الشرطة وثبوت حالة التلبس، رغم أن عملية التوقيف تمت خارج العيادة الطبية. وفيما قلّل القاضي من أهمية نتيجة الفحص الطبي الذي خضعت له الصحافية بعد توقيفها، والذي أكد عدم وجود أية آثار للإجهاض في رحم هاجر الريسوني، واعتبره مجرد فحص لا يرقى إلى مرتبة الخبرة القضائية، عاد ليدافع عن شرعية هذا الفحص رافضاً اتهامات دفاع هاجر الريسوني الذي اعتبره نوعاً من التعذيب.
في أول افتتاحية نشرتها صحيفة "أخبار اليوم" بعد اعتقال الصحافية العاملة لديها، قالت هيئة تحرير اليومية التي توصف بالمزعجة للسلطات، إن هاجر رفضت عروضا مغرية بالعمل لحساب قناة تلفزيونية خليجية "في عزّ حملة العصا والجزرة التي أطلقت ضد صحافيات أخبار اليوم، لحمل بعضهن على اتهام المدير المعتقل بالتحرش بهن، وإقناع الأخريات بالقفز من السفينة التي تغرق".
وأضافت "أخبار اليوم" أن صحافيتها الموقوفة نالت قبل شهور قليلة من توقيفها، جائزة الصحافة الوطنية للشباب بعد إنجازها تحقيقا حول هجرة الشباب المغربي نحو أوروبا. بينما سارع مراقبون إلى ربط هذا التوقيف بحوارين مطولين أنجزتهما هاجر الريسوني في الفترة الأخيرة، ونشرا ضمن سلسلتين مطولتين، أولهما مع عمّها أحمد الريسوني، والثاني مع أب زعيم الاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف شمال المغرب، ناصر الزفزافي.
مدير نشر صحيفة "الأيام" الأسبوعية وأحد أشهر الكتاب الصحافيين بالمغرب، نور الدين مفتاح، خصّص افتتاحية العدد الأخير للدفاع عن الصحافية التي اشتغلت في صحيفته قبل التحاقها بـ"أخبار اليوم". واختار مفتاح عنوان "لمن يحب هاجر"، ليقول إن هاجر كانت شابة متحررة مفعمة بالحيوية، "حصلت على أكثر من إجازة (ماجستير) ولكنها عشقت الصحافة، وانغمست تتعلم، وكانت مندفعة اندفاع الشباب المقبول، والمهم أنها كانت خلوقة، وحتى عندما أرادت مغادرة "الأيام"، جاء ذلك بأناقة لتختار العودة للاشتغال في "اليومي"، الذي رنت إليه أكثر من الإصدار الأسبوعي".
أما موجة التضامن الحقوقي، فتجاوزت كبريات الهيئات المغربية إلى تلك الدولية، حيث طالبت "هيومن رايتس ووتش" بإطلاق سراحها، معتبرة أن توقيفها مرتبط بالخط التحريري لصحيفة "أخبار اليوم". صدر تنديد مماثل عن منظمتي "مراسلون بلا حدود" و"العفو الدولية"، لتبادر هذه الأخيرة إلى توجيه مناشدة رسمية إلى رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني للإفراج عن هاجر الريسوني، مرفقة ذلك بحملة توقيعات دولية للمطالبة بوقف المتابعة القضائية في حق هذه الصحافية.