"نوبل للآداب" وحفلة التفاهة
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
"حفلة التفاهة" عنوان رواية للتشيكي، ميلان كونديرا، أحد أهم الروائيين الذين نفخر أننا عشنا زمنهم، هو والشاعر أدونيس والروائي الألباني إسماعيل كادريه، تصر جائزة نوبل للآداب كل عام على تخطيهم، ليحصل عليها كاتبٌ مجهولٌ في لغات العالم، فالفائزة الأميركية، لويز غليك، وصلت إلى العربية، في ترجماتٍ متناثرة قليلة، وفي مختاراتٍ ترجمها سامر أبو هواش. كما أن ترجماتها إلى لغات العالم محدودة جدا، فقد اكتشف الناشرون الفرنسيون أن أشعارها لم تترجم بعد إلى لغتهم، وأن دار النشر الإسبانية بريتيكست سبقتهم إلى ذلك، كما كتب في صفحته المترجم والناقد المغربي، إبراهيم الخطيب.
ينسجم فوز غليك مع زمن التفاهة الذي نعيش، فهي لم تقدّم ما يضاهي ما قدمه كونديرا وكاداريه وأدونيس. إنها نموذج لعصر جيل بيل غيتس، الذي يقدّمه الإعلام وكأنه غاليليو الذي يُنسب له عصر الأنوار، أو أديسون الذي أضاء ظلمة العالم، بينما هو ليس أكثر من تاجر تقني شاطر، استغل تفاهتنا وضجرنا جيدا ليجمع ثرواتٍ لا يحدّها إلا الخيال. أن لا تُمنح "نوبل" حتى الآن لكونديرا وكاداريه وأدونيس يؤكد لنا طبيعة العصر الذي نعيش، وأي حفلةٍ للتفاهة ما زلنا نعيشها.
ليس أدونيس ظاهرةً صوتية. مع كل اقترابٍ من إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب يظهر اسمُه متصدّرا الأحاديث العربية بأنواعها وأشكالها. العالم العربي مشغول بهذا الأمر تحمّسا له أو سخرية منه، بيد أن أدونيس يظهر كآخر من ينشغل بالجائزة (الله أعلم بالسرائر)، ولم نجد قولا له يثبت شغفه بأمر الجائزة، على الرغم من أهميتها الكبيرة، والأهم، على الرغم من استحقاقه لها. وقد كتب أحدهم أن أدونيس سيدخل قائمة غينيس كأحد أقدم منتظري جائزة نوبل. والأمر هنا لا يخرج عن باب الطرافة الواسع، خصوصا أن قائمة المنتظرين ليست فارغة تماما، ونحن نعرف ما للألباني إسماعيل كاداريه والتشيكي (الفرنسي) كونديرا من أهمية كبيرة لدى متابعي "نوبل"، فاسماهما يقفزان إلى الأذهان في وقت انتظار الإعلان عنها.
أدونيس، على الرغم من الجدل المثار حوله، وانقسام قرّائه إلى معسكرين متباينين، كاتب كبير، وغزير شعرا وتنظيرا وترجمة، ناهيك عن مختاراته الكثيرة، فله في كل واحدٍ من هذه الحقول منجزٌ يصعب تجاهله. وصيته في العالم لا يحتاج دليلا، فعلى سبيل المثال في كل ما نقرأ عن الصين، سواء المقالات أو الرحلات، يظهر لنا اسم أدونيس محتلا القائمة الأولى من الكتّاب العرب الذين يتم تداول أسمائهم في أروقة الآداب الشرقية. كما أن اسم أدونيس هو أكثر ما يروج في الجامعات العربية. مثلا، لو حذفت اسم أدونيس من كلية الآداب في منوبة في تونس ستجد الدرس ناقصا، ففي هذه الكلية أدونيس مدار الدرس الجامعي وبصورة ملحوظة جدا، بين مؤيد ورافض شعره ومقولاته النظرية. لذلك ليس أدونيس ظاهرة صوتية تُتداول في أروقة التواصل الاجتماعي، وخصوصا وقت الإعلان عن الجائزة، إنه أيضا ظاهرة بحثية وذوقية، ينقسم حولها الفرقاء. يستحق أدونيس جائزة نوبل بدون كثير شك. يستحقها شاعرا نتيجة دواوينه المتواترة منذ الستينيات، بالإضافة إلى بحوثه التي يمكن مناقشتها والطعن فيها، والتقليل أحيانا من بعض الآراء المتحيّزة فيها. ولكن هناك أيضا ترجماته الغزيرة ومختاراته العديدة، ومن منا لم يعجب بمختاراته "ديوان الشعر العربي"، والبحث الواضح في انتقائها.
وعن كونديرا، رواياته وأبحاثه مراجع أساسية، في السرد والنقد والفلسفة، فقد زاوج بمهارة وعمق بين مختلف المعارف، ليخرج لنا برواياتٍ ماتعة، تتميز بمزيجها الإبستمولوجي وتشرّبها من مختلف ينابيع الحياة. رواياته تتناقلها لغات العالم بشغف وحرص، منذ عقود. الأمر نفسه بالنسبة للألباني إسماعيل كاداريه الذي تجد في رواياته الذكاء والتاريخ، كما في "قصر الأحلام"، والرواية العملاقة "جنرال الجيش الميت"، والرواية المبدعة "الجسر" التي تأثر فيها بإيفو أندريتش، ناهيك عن رواياتٍ أسرتْنا، مثل "طبول المطر"، و"من أعاد دورنتين"، وغيرهما.
غريب أن الكتّاب الكبار الثلاثة يعيشون في قلب عاصمة الأنوار، في باريس. ولكن يبدو أنه حتى باريس بعيدة عن حسابات الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل للآداب، والتي لا تستبعد التوازنات من حساباتها، ولايتغير أعضاؤها الـ18، وكأنهم آلهة، بيد أن مواضيع الجائزة تتغير.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية