آخر ضربات إسرائيل بشأن إيران
تعزّز عدّة إشارات برزت على السطح في الآونة الأخيرة الانطباع أن إسرائيل يتملّكها شعور قويّ بأن موقفها التقليديّ حيال إيران ومشروعها النووي وسياستها في الإقليم آخذ بالتآكل أيضًا لدى "حليفها الأعظم" الولايات المتحدة، كما في أروقة اللجنة الدولية للطاقة الذريّة، ما حدا بها إلى التلويح، أخيرا، على لسان وزير دفاعها، يوآف غالانت، بأن "الأخطار التي تواجه إسرائيل تزداد، وقد يتعيّن عليها قريبًا القيام بواجبها في كل ما يتعلق بسلامة أراضيها وحماية مستقبل الشعب اليهودي".
ويمكن الاستدلال على ما يرتبط بتآكل مواقف "الحليف الأعظم" بالذات، من خلال مقالات ينشرها خبراء ومحللون في منابر إعلامية مقرّبة من الحكومة الإسرائيلية الحالية وفي طليعتها صحيفة "يسرائيل هيوم". ولتوضيح القصد من ذلك، لا بدّ من القول إن ما عكس هذا التآكل، في الفترة القصيرة الفائتة، تطوّران مستجدّان:
الأول، أنه على خلفية تقدُّم إيران في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى قريب من المواد الانشطارية، برز لدى الإدارة الحالية في واشنطن ميلٌ إلى التوصّل إلى اتفاق مرحليّ معها تعارضه إسرائيل بكل حزم، لأنه، بحسب زعمها، يسمح لإيران بالحفاظ على كل الإنجازات التي حققتها فيما يختص ببرنامجها النووي، ومن ضمنها اليورانيوم المخصّب الذي راكمته، بالإضافة إلى أجهزة الطرد المركزي التي صنعتها وطوّرتها، وفي الوقت نفسه، تتم إزالة العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب عليها، حيث إن بعضها ستنتهي صلاحيته بعد عدة أشهر. ومما رُوّج في إسرائيل بهذا الصدد أن المقابل الوحيد الذي ستقدّمه طهران في هذا الاتفاق المرحليّ هو تجميد تخصيب اليورانيوم ووقف تصنيع أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة، ولكن في وسعها، على الرغم من ذلك، استئناف المسار والاندفاع نحو قنبلة نووية، متى ترى ذلك ملائما لها وخلال أشهر معدودة.
الثاني، في يوم 23 مارس/ آذار 2023، أدلى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، لجلسة استماع في مجلس النواب، بتصريحاتٍ قال فيها إن إيران لا تحتاج إلى أكثر من أسبوعين لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المُخصّب لصنع سلاح نووي، وحينها سيستغرق إنتاج سلاح نووي فعليّ عدة أشهر فقط. وأضاف ميلي أن الولايات المتحدة من حيث سياستها العامة "ستظلّ ملتزمة بألا تمتلك إيران سلاحًا نوويًا يمكنها تصديره"، وهو ما اعتبرت إسرائيل أنه بمثابة "تغيير جذريّ" في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران يشي بأنها "ستتسامح مع امتلاك طهران برنامج أسلحة نووية". وكرّر هذا الأمر المحلل السياسيّ لصحيفة يسرائيل هيوم أمس الثلاثاء (6/6/2023)، معتبرًا أن من شأنه أن يثير قلق إسرائيل أكثر من أن يهدّئ من روعها. ويُضاف هذا القلق إلى قلق آخر موازٍ ناجم عن حقيقة أن سياسة الحصار التي بدأها بنيامين نتنياهو منذ عام 2009 والهادفة إلى عزل إيران سياسيًا، والضغط عليها اقتصاديًا، وإيجاد معارضة في داخلها من أجل الوصول إلى إسقاط النظام، لم تنجح في كبح هذا النظام، وهذا ما أثبتته التطورات أخيرا، ولا سيما في محور علاقات طهران الإقليمية. وبموجب آخر أوراق تقدير الموقف في معهد أبحاث الأمن القومي، الإسرائيلي، تتخوّف الدول العربية في الشرق الأوسط وخصوصًا دول الخليج "من هجمات أُخرى من إيران، وهي لا تشعر أبدًا بالتهديد بسبب التطور النووي الإيراني. ولا تستطيع إسرائيل القيام بأي شيء لمنع التقارب بين دول المنطقة وإيران. وحقيقة استئناف السعودية علاقاتها الدبلوماسيّة مع إيران ضربة استراتيجية لإسرائيل في سعيها إلى بناء حلف معادٍ لنظام طهران".
والادّعاء السائد لدى إسرائيل بأن المسؤولية عن هذا الوضع الجديد الناشئ تقع على عاتق الولايات المتحدة التي تتخلّى أكثر فأكثر عن سيطرتها على الشرق الأوسط. والأمر الوحيد الذي يمكن أن يبطّئ مسار إيران حاليًا هو "وجود تهديد عسكري موثوق به"، يقرّ أغلب الخبراء العسكريين بأن إيجاده مستحيل من دون دعم الولايات المتحدة.