أبدية جبهة لبنان؟

05 أكتوبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

مَنْ رفع شعار أنّ "ما بعد 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في لبنان، غير ما قبله"، تاريخ فتح جبهة الإسناد اللبنانية ضدّ العدوان الإسرائيلي على غزّة، هو نفسه بات واثقاً من أنّ ما بعد 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، تاريخ بدء الاعتداءات الجوّية المكثّفة للاحتلال على لبنان، لن يكون كما قبله. والقول إنّ هذه الحرب ليست شاملةً بعد مدمّر للآمال اللبنانية في احتمال انتهائها سريعاً. الحرب هي حرب، مهما تشعّبت مصطلحاتها، وهي شاملة بالنسبة لمن سقط ضحيتها وجُرح وتهجّر بسببها. الآن لم يعد يجدي الكلام نفعاً عن أشهر من المواجهات التي أنبأت بوقوع الحرب، ولا عن عجز الدولة اللبنانية عن تجهيز خطط طوارئ واسعة النطاق. الحديث الآن كلّه هو ما ردّده وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أنّ "الطريقة الوحيدة التي تقبل بها إسرائيل وقف إطلاق النار إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه".
ما قاله كاتس يُشكّل عنواناً للهدف الإسرائيلي من العدوان الواسع، بغضّ النظر عن القدرة على تطبيق مثل هذا الشرط أو عدمه. إنّ مسألة نزع سلاح حزب الله وبالقوة، مع إبعاده إلى شمال نهر الليطاني، تعني حرباً طويلة الأمد، من الصعب رسم نهاياتها، وهي لا تزال في بداياتها. ولن يترافق ذلك مع حياة سهلة على اللبنانيين. التهجير في لبنان سيزداد مع تقدّم أيّام القصف والقتال، وغياب الحلول السياسية الفعلية، ومن كان مُرحِّباً باستضافة المهجّرين اللبنانيين لأسباب وطنية وسياسية، سيتململ منهم لاحقاً، كما حصل ويحصل مع السوريين، وستنجم عن ذلك إشكالات اجتماعية، ستتّخذ في بعض الأحيان طابعاً مذهبياً وطائفياً. الأسوأ أنّه في وقتٍ تُشير فيه الأرقام إلى وضع اقتصادي سيّئ في إسرائيل، فإنّ لا مُؤشِّرات اقتصادية حقيقية في لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ  1990)، بل اقتصاديات موازية مولودة من الأنظمة المالية التي نشأت في حرب لبنان.
أمّا أبرز المخاطر المُرتقَبة، في حال استمرار العدوان، فهو أنّ فصل الشتاء يقترب، وشتاء لبنان بارد، خصوصاً أنّ عدد المُهجرّين بلغ نحو 1.3 مليون نسمة، أي أكثر من 20% من الشعب اللبناني. إنّها كارثة كوارث هذه الحرب، التي يُبشّرنا كثيرون، ومنهم النائب اللبناني السابق وليد جنبلاط، بأنها ستستمرّ عاماً أو اثنين. في المقابل، ينزلق العدوان على غزّة نحو عالم النسيان في ضوضاء الكوكب، بما يشير إلى أنّ الحلول السياسية المُرتقَبة للقطاع قد تُمرّر من دون اكتراث أممي. وحيال هذا الوضع، ألا يعني تواصل منطق الحرب أنّها ستتمدّد إقليمياً، مهما قال من في الغرب والشرق إنّهم لا يريدون مثل هذه الحرب؟
المسألة ليست متَّصلة بتوغلّ إسرائيلي فاشلٍ في العديسة ومارون الراس وكفركلا وغيرها من البلدات اللبنانية الجنوبية، ولا بإعادة حزب الله إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه، بل متعلّقة بدور إيران في الترابط الجغرافي ـ السياسي بين الصين في أقصى الشرق الآسيوي وبين الغرب من أوروبا إلى الولايات المتّحدة. يكفي فقط الانتباه إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين في الأسابيع الماضية، المتمحورة حول الاقتصاد ورفع العقوبات الغربية عن طهران وإحياء الاتفاق النووي مع الأميركيين. أمّا الاحتلال، فما يريده من العدوان على غزّة، ثم لبنان، أبعد من مصير رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، وصولاً إلى رسم خريطة سياسية للشرق الأوسط تدوم قرناً كاملاً، سلماً أو حرباً، عبر مفتاح الاقتصاد.
يبدأ الأمل الوحيد عملياً في وقف الجنون الإسرائيلي على لبنان من الولايات المتّحدة، رغم الإدراك أنّ الاستناد إليها نكتةٌ سمجةٌ لدعمها المطلق إسرائيل، ذلك أنّ من ينادي بتعدّدية عالمية قطبية، مثل روسيا والصين، اختبأ خلف الشاشات مكتفياً بإدانة العدوان والتنديد به، من دون تقديم خيار بديل قوي للوسيط الأميركي في الشرق الأوسط عموماً، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان أخيراً.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".