أبعد من بذاءة مسؤول هندي
ليست القصة أنّ المتحدّث باسم حزب بهاراتيا جاناتا (الحاكم) في الهند سحب تغريدته شديدة البذاءة بشأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أنّ حزبه "علّق" عمله في موقعه بعد فعلته الشنيعة، وإنما أنّ المذكور قال ما قاله فيما تنتعش نوبات الاعتداءات الطائفية والعنصرية البغيضة ضد الهنود المسلمين في بلدهم، وهم زهاء مائتي مليون مواطن، في أجواء من الكراهية الدينية التي ينشط في تسعيرها فاعلون في الحزب الحاكم، المشهور بصفتِه اليمينيّة المتطرّفة، وبالتعصّب الهندوسي الذي يقوم عليه، ولا يكفّ عن الجهر بخطابٍ قوميٍّ شعبوي، يتوجّه به إلى غرائز البسطاء من الهنود، يستهدف به شركاءَهم في المواطنة في بلدهم، المسلمين، وذلك فيما تتعاظم حدّة التباينات الطبقية والاجتماعية في البلاد وولاياتها، يتعرّض في غضونها أتباع طائفة الداليت الهندوسية، وهم نحو 250 مليون نسمة، إلى تنكيلٍ معلن، وتهميش واضطهاد ظاهريْن، فيما الفقر يفترس ثلثي السكان. ولأنّ المقام هنا لا يذهب إلى شؤون الهند العويصة، مثل هذه وتلك، يقتصر القول على ما تُذكّر به تغريدة المسؤول الحزبي الرفيع هناك، بل وما تؤكّده على الأصحّ، وهو إنّ الرجل أشعل وقوداً جديداً لغضبٍ مقيم، جاءت تعبيراتٌ عنه أمس في تظاهراتٍ ساخطة، ليس فقط ضدّ ما أفضى به، وإنما أيضاً ضدّ ما يكابده المسلمون من عسف موصولٍ بروح عدوانية بادية، ما تنفكّ تتعزز هناك، في بلد المهاتما غاندي الذي أزهق روحَه متعصّبٌ هندوسي قبل 74 عاماً.
تجرّأ المسؤول الهندي على الرسول الكريم بعد أقل من شهرين على هدم منازل ومحالّ تجارية لمسلمين في ولاية ماديا براديش، بعد وقائع عنفٍ طائفي في يوم احتفالات الهندوس بعيدٍ لهم. ودلّت ممارسة هذا العقاب الجماعي، الإسرائيلي في نعتٍ مشهورٍ له، ومن دون مراعاة أصولٍ قانونيةٍ وعادلة، كما أفاد خبراء وشهود هناك، على أن السلطات الحاكمة إنّما تتعمّد تصعيد التوتير، وقد قال مسلمون في الولاية إنّ الشرطة تسمح للهندوس بمهاجمتهم، وإنّ متعصّبين هندوساً كسروا مئذنة مسجدٍ في مدينة في الولاية، كما أنّ آخرين مثلهم لوّحوا بسيوفٍ في أيديهم، واقتحموا مساجد. وفي الوسع أن تقع من الطرف الآخر ممارساتٌ مستفزّة ربما، وإنْ لا تأتي عليها وكالات الأنباء والتقارير المحايدة، إلا أن الأوْلى بإنعام النظر فيه إشاحة السلطات عن إعمال القانون، وإجراء مقتضياته ومساطره، أخذا بالعدالة وموجباتها. بل بدلاً من هذا البديهي الذي يُفترض بأي سلطةٍ لأي دولةٍ أن تنهض به، تلقى تصريحاتٍ لمسؤولين رسميين تستهزئ بالمعاملة العادلة، وقد ضنّ بها على المسلمين وزير الداخلية في الولاية، عندما قال صراحةً إنهم لا يستحقونها، بعد أن حسم أنهم ارتكبوا الاعتداءات في أحداث العنف الطائفي هناك.
لم يبادر حزب بهاراتيا جاناتا إلى الاعتذار من عموم المسلمين بعد فعلة الناطق باسمه المشينة، وفي ظنّه أن الخواطر تهدأ بتوقيف هذا الشخص عن عمله، فيما الأدْعى أن تكون الواقعة التي لا يُدينها الحزب مناسبةً مضافةً إلى مناسباتٍ أخرى سابقةٍ، بلا عددٍ، لانتهاج سياسةٍ تغاير المُداهنة التي تسلكها السلطات الحاكمة تجاه المعتدين المتطرّفين ضد المسلمين، صدورا عن منظورٍ يستضعفهم ولا يكترث بحساسيّتهم الدينية ومعتقدهم. وفي البال أن أرشيف زعيم هذا الحزب الذي ينضوي فيه ملايين الهنود، ويتمثّل في البرلمان بأغلبية 303 نواب (من أصل 542)، ناريندا مودي، لا يشجّع على توقع هذا المأمول الملحّ من أجل حماية الهند ونسيجها العام، فالرجل، بحكم موقعه الراهن رئيسا للحكومة، يتحمّل كامل المسؤولية عن وقائع اضطهادٍ معلومةٍ مورست ضد مواطنيه المسلمين، كما أنه، بوصفه رئيسا لحكومة ولاية غوجارت في العام 2002، يتحمّل مقادير غير هينةٍ من المسؤولية عن تشجيع قتل أكثر من ألفي هندي مسلم في الولاية في أثناء أحداثٍ شنيعةٍ جرى فيها استهداف المسلمين تعييناً.
وفي محلّه ما أتى عليه معلقون ومدونون ومغرّدون في فضاءات التواصل الاجتماعي، وهم يُشهرون غضبهم العالي من التجرّؤ المتمادي الذي تفوّه به المسؤول الهندي ضد خاتم الرسل والأنبياء، أنّ غياب وقفةٍ إسلاميةٍ وعربية جادّةٍ وقويةٍ تجاه الهند ومصالحها يشجّع الحكومة الراهنة في هذا البلد على الاستهانة بمشاعر المسلمين، بل وعلى تغطية ممارساتٍ عنصريةٍ وطائفيةٍ ضدّهم في بلدهم. والظنّ غالباً أنّ هبة الغضب الجارية ستأخذ وقتها ثم تذهب إلى أرشيفٍ مقيت، يضجّ بكثيرٍ من وقائع التعدّي على عقيدة المسلمين ومشاعرهم، في الهند.. وغيرها.