أربع فِكَرٍ عقب اغتيال هنيّة
(1)
ليس ضرورياً أن نقف مع حركة حماس أو نساند مواقفها وتحالفاتها، وقد تكون مواقفنا وقناعاتنا مناوئة لعملية طوفان الأقصى، ونراها سبباً أول للحرب الإسرائيلية السافلة على غزّة، وقد نكون ضدّ حركات الإسلام السياسي كلّها، وضدّ دمج الدين في السياسة أصلاً، وضدّ الدول الدينية بأكملها. قد نكون ذلك كلّه وأكثر، لكنّ هذا كلّه لا يُعطي أحدنا الحقّ في تأييد إسرائيل في أعمالها الإجرامية، حتّى لو كان أعداؤها أعداءنا، أو بعضَ المتسبّبين في الضرر الذي لحق بنا يوماً ما. إسرائيل أولاً وأخيراً دولة أبارتهايد عنصرية، ودولة احتلال مجرمة، وهي تمثل أفكارنا كلّها عن الدول المُستعمِرة وعن المُحتلّ. علينا أن نضع هذا أولاً عنواناً عريضاً ورئيساً، تحته يمكن أن نذكر كلّ ما نتعارض معه أيديولوجياً أو استراتيجياً، من عمليات عسكرية غير محسوبة أو من أشكال المقاومة المُتعدّدة. أمّا خلاف ذلك فلن نكون معه أكثر من متهافتين صغار ضمن المتهافتين الكبار (الأنظمة والدول) الذين يدعمون إسرائيل من دون أيّ قيد أو شرط، لأنّهم يظنّون أنّ هذا التأييد قد يصنع لهم مكانةَ ما أو يجعل منهم أصحابَ أدوارٍ مُهمّة وضرورية في السياسة.
(2)
بعض مواقف العرب والسوريين في مواقع التواصل الاجتماعي (بعضهم محسوب على "الربيع العربي"، وبعضهم ضدّه)، المُعبّرة عن الفرح باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة مثيرةً للدهشة، فكأنّ هنيّة هو العدو الأول لهؤلاء، أو كأنّه من كان السبب في "الربيع العربي" أو في هزيمته. هذا الفرح والتهليل يدلّ على تخبّط سياسي كبير، وعلى عماء وسذاجة في فهم الحدث العربي والإقليمي، وعلى جهلٍ بالتحالفات السياسية الحاصلة. ترتبط حركة حماس بإيران ارتباطاً وثيقاً، فهما يلتقيان في المصالح البعيدة الاستراتيجية المُستمدّة من الأيديولوجيا، وهما يتحدران من جذر واحد هو الإسلام السياسي، بشقّيه السنّي والشيعي (وهذا أول صد في وجه المُبشّرين بحلفين سنّي وشيعي). عدا عن أنّ الدعم اللوجستي العسكري للجناح المُسلّح من "حماس" يأتي من إيران بشكل مُحدّد. لكن، هل تدخّلت حركة حماس يوماً ما عسكرياً لتكون بندقية إيران المأجورة كما هو حال حزب الله في سورية والعراق مثلاً؟ نعرف جميعاً أنّ "حماس" لم تنفّذ عملية واحدة ضدّ أيّ جهة غير الاحتلال الإسرائيلي، سواء قبل عملية طوفان الأقصى أو بعدها، هي تقول عن نفسها إنّها حركة مقاومة ضدّ الاحتلال، وهي التزمت عسكرياً بهذا من دون أن تُخلَّ يوماً بذلك. ظلّت مُحافظةً على خطّها العسكري ضدّ الاحتلال مع مواقف سياسية تتبع مصالحها المباشرة، وتساعدها في السيطرة على قطاع غزّة وحكمه بآلية لا تراها كاتبة هذ السطور عادلةً في حقّ أهل القطاع، وفيها كثير من الاستبداد (وهو رأي الكاتبة بخصوص الطريقة التي تحكم بها السلطة الفلسطينية الضفّة الغريبة، أو طريقة أيّ نظام حكم عربي لبلاده).
(3)
تعطي بعض المواقف السورية والعربية المُرحّبة باغتيال هنيّة (لأنّه إسلامي) المشروعية لعمليات الاغتيال السياسي كلّها، التي يقوم بها أيّ طرف ضدّ مُعارِضيه، سواء أكانت إسرائيل، صاحبة التاريخ الأسود في هذه العمليات، أم أولئك الذين يدّعون معارضتها من الأنظمة، وبعص حركات "المقاومة"، ممّن تاريخهم لا يقلّ سواداً عن إسرائيل. وهذا الترحيب أيضاً يصبّ في صالح الأنظمة والحركات كلّها، التي لديها فائض قوّة لتستعرضه ولتستبيح المواثيق الدولية السياسية كلّها، وتقتل وتغتال من تشاء وقتما تشاء، من دون أن يعاقبها أحد. وطبعاً، مرّة أخرى، إسرائيل هي الأكثر احترافاً لهذه النوع من الاستباحة والاستعراض.
(4)
ينسى هؤلاء، ومعظمهم معارضون لأنظمتهم، أنّ هذه الأنظمة ما كانت لتوجد أو لتبقى لولا الدعم الكامل من إسرائيل لها، ولولا تنسيقها الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، وما التهافت للتطبيع والترحيب بتبييض سمعة الآنظمة المجرمة، وإنقاذ الأنظمة الفاشلة سياسياً واقتصادياً، سوى مُؤشر واضح ومباشر لدور إسرئيل في ما يحدث كلّه من كوارث عربية. إسرائيل هي العدو الأول، وبوجودها لا سبيل لأيّ شعب عربي أن ينال حقّه في الحرية والعدالة.