أنقذوا سعاد حسني
كافحت سعاد حسني ما يقرب من عشر سنوات للعلاج والعودة إلى الشاشة. واجهت ظروفا صعبة، تخلت عنها الدولة المصرية، وتجاهلتها سبع سنوات، ثم جاء كمال الجنزوري رئيسا للوزراء، واتصل بها، وأخبرها بأن الدولة سوف تساعدها. بعد عامين، غادر الجنزوري، وجاء عاطف عبيد، وأبلغوها بأن الدولة لن تعالجها، توفيرا للنفقات، (40 ألف جنيه إسترليني في السنة!)
كان عرض الدولة المصرية هو الوحيد الذي قبلته سعاد لأنها أحسّت معه بالتكريم، رفضت عروضا خليجية لعلاجها في أفخم المستشفيات، رفضت عرض عمر الشريف لعلاجها على نفقته، كان علي بدرخان يرسل إليها حقوقها كلما باع نسخة من فيلم "الراعي والنساء"، وكانت تقدّم حديثا أسبوعيا في "بي بي سي" عن رباعيات صلاح جاهين، وسجّلت جانبا من مذكّراتها مع الصحافي منير مطاوع، أحد أقرب أصدقائها في لندن، ورفضت تسميتها مذكرات، حتى لا يتصوّر أحد أنها اعتزلت، وسجّل مطاوع عدة شرائط، لم ينشرها، لكنه حوّلها إلى كتاب "سندريلا تتكلم"، نشره بعد وفاتها، وسرد فيه تفاصيل كثيرة، منها:
أن سعاد كانت في حالة نفسية جيدة، وكانت تستعد للعودة إلى الشاشة، وأن فريقها الطبي، من 17 يوليو/ تموز 1977 وحتى 21 يوليو 2001 لم يكن فيه طبيب نفسي واحد، وأنها لم تعان من اكتئاب حادّ، كما تردّد، وأن هناك استحالة أن تكون قد انتحرت. ورفض مطاوع تفسير ما حدث بأنه جريمة "أمنية" خوفا من نشر مذكراتها، ووصفه بأنه "تفسير عبيط". وعلى الرغم من ذلك، جزم بأن وقائع ما حدث تشير إلى جريمة قتل. جار إنكليزي يبلغ الشرطة عن شجار بين رجل وامرأتين في شقة سعاد، قبل موتها بنصف ساعة. شبكة البلكونة التي تحول دون سقوط أحد، تم قصها، بشكل احترافي، واختفت أداة القص. تناقضات شهادة نادية يسري، صديقتها، التي قالت إن سعاد ماتت في حضنها على الكنبة، ثم عادت لتنفي ما قالته أمام المحكمة. تناقضات شهادة الجيران، الذين أبلغوا عن ضجيج، ثم ذهبوا في المحكمة ليشهدوا بأن كل شيء كان هادئا، قبل وفاة سعاد، ثم أضافوا في الشهادة نفسها أنهم لم يكونوا في البناية وقت وقوع الحادث، وهو ما انتبه إليه القاضي الإنكليزي، وأشار إلى التناقض، وقال إن ملابسات القضية تقودنا إلى "جريمة قتل". وعليه واصلت شرطة اسكوتلانديارد تحرّياتها بحثا عن الفاعل ولم تعتبر ما حدث انتحارا كما قرّرنا في مصر!
يقول سمير صبري في كتابه "حكايات العمر كله" (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2020): كانت هناك شائعات بأن سعاد قتلت، وشعرها محلوق، وغيرها من الشائعات. ذهبت إلى الجثمان إلى مستشفى الشرطة، وسألت الطبيب الشرعي عن الشائعات، فقال لي إن شعرها طبيعي. وليس بها أي كسور، باستثناء خبطة في الجمجمة، وكدمات زرقاء في الجسم، مؤكّدا أنه استحالة أن تكون سقطت ولو حتى من شبر واحد، والكدمات الموجودة تدلّ على أنها توفيت في أعقاب شجار، وأنها ضربت عى رأسها. ووصلت نجاة الصغيرة إلى باب المشرحة، وما أن رأتني، حتى صرخت قائلة: "قتلوها"، وسألتني جانجاه: أنت تصدق إن سعاد تنتحر؟ فقلت: سعاد لا يمكن تنتحر .. مهما بلغت درجة الاكتئاب، وأنا التقيتها آخر مرة وكانت عاملة 28 عملية تجميل في أسنانها، وفقدت 18 كيلوغراما من وزنها، وعملت عملية شد بسيطة في رقبتها، وقالت لي إنها ستكلم سمير خفاجي لعمل مسرحية مثل "ريا وسكينة"، فكيف تنتحر؟!
من قتلها إذن؟ بعض الأشرار من أعداء الدولة والأخلاق الحميدة يهمهمون بأنه صفوت الشريف. ليس لديهم دليل، وليس لديهم الجرأة للتصريح، لكن لديهم كلام سعاد، شكواها، استغاثاتها، بعضهم يشير إلى حملة صحافية منظّمة، بدأت قبل وفاة سعاد، تمهد لانتحارها، وتدّعي أنها تتسوّل في لندن، وتأكل من الزبالة، وتعاني من الاكتئاب، وهي الحملة التي بدأت بمقال "أنقذوا سعاد حسني" في مجلة صباح الخير. من المؤكد أن سعاد قتلت، ولكن من قتلها؟ الإجابة لدى أجهزة لا تحترم مواطنيها بالقدر الكافي.