إسرائيل وعقدة اختراق الجامعات البريطانية
طرد سفيرة الاحتلال الإسرائيلي لدى بريطانيا، تسيبي حوتوبيلي، من كلية لندن للاقتصاد، ومنعها من المشاركة في ندوة داخل الكلية، ليس حدثا عابرا، بل هو امتداد لحراك طويل وعنيد، تجذّر في الجامعات البريطانية منذ سبعينيات القرن الماضي. وتعيدنا صور السفيرة، وهي تفرّ من المكان، إلى موقفٍ شبيه، عندما منع اتحاد الطلبة في جامعة إيسكس في عام 2013، نائب السفير الإسرائيلي في المملكة المتحدة، ألون روث- سنير، من إلقاء كلمة في الجامعة. وأعلن رئيس الاتحاد، ناثان بولتون، في صفحته على "فيسبوك"، قائلاً: "اتخذتُ موقفي بشكل واضح مثل الشمس، وبما يعبر عن موقف اتحاد الطلاب، أن وجود دولة إسرائيل جريمة، لأنها أقيمت على أرضٍ سرقت من الشعب الفلسطيني الذي تم تهجيره، ولا يزال يقبع في المنافي. أنا فخور بأن لا أعطيه الفرصة لتبرير ما تمارسه دولته من قهر وتنكيل، وأنا متأكّد من أن مئات الطلاب يشاركونني هذا الموقف".
وطالما شكّل اختراق الجامعات البريطانية عقدة لقيادات المنظمات الصهيونية البريطانية، ومثال ذلك الرسالة التي بعثتها الرئيسة السابقة للجمعية الإسرائيلية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS)، هيلين سيلمان، في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1975، إلى صحيفة "جويش كرونيكل" (المنبر اليهودي)، وتباكت فيها على "الدعاية الصهيونية المثيرة للشفقة"، واشتكت من اكتساح أنصار منظمة التحرير الفلسطينية الكلية، وكسبها أعدادا كبيرة من المثقفين الشباب. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1977، قدم ايريك مونمان، رئيس الفيدرالية الصهيونية، أصبح لاحقا نائباً في البرلمان عن حزب العمّال البريطاني، مذكّرة للنقاش في البرلمان، موضوعها "التحيز العنصري في الجامعات البريطانية"، اشتكى فيها من تنامي "العنصرية ضد إسرائيل" في الأوساط الطلابية في الجامعات البريطانية.
ويسجّل للجامعات قيادة حركة المقاطعة البريطانية لإسرائيل منذ العام 2005، عندما دعا مجلس اتحاد المعلمين في الجامعات البريطانية (AUT) في 22 إبريل/ نيسان إلى مقاطعة جامعتي حيفا وبار إيلان الإسرائيليتين. وبرّر قراره بمقاطعة "بار إيلان" بأنها تدير كلياتٍ وبرامج تعليمية في مستوطنة أرئيل المقامة على أراض في الضفة الغربية المحتلة، وهي بذلك متورّطة بشكل مباشر باحتلال مناطق فلسطينية، في مخالفةٍ صريحة لقرارات الأمم المتحدة. أما جامعة حيفا، فقد قرّر مجلس الاتحاد مقاطعتها لأنها أوقعت عقوبات غير عادلة على محاضرين بحجّة دفاعهم عن طالبٍ كتب عن اعتداءات الإسرائيليين على الفلسطينيين في مرحلة تأسيس إسرائيل.
ومنذ ذلك التاريخ، أخذت حركة المقاطعة تتسع داخل الأوساط الأكاديمية البريطانية، بحيث لم تعد تقتصر على المدرّسين، بل وصلت إلى الإداريين والطلبة. وفي مطلع يونيو/ حزيران 2015، اجتمع اتحاد طلاب بريطانيا لتحديد موقفهم من حملة المقاطعة العالمية لإسرائيل (BDS)، وكانت نتيجة الاجتماع أن 19 عضوًا صوّتوا لصالح دعم الحملة، في مقابل 12 رفضوا دعمها وامتناع ثلاثة عن التصويت. وفي أعقاب ذلك، أصدر الاتحاد الذي يمثل 600 جامعة ومعهد بريطاني ونحو سبعة ملايين طالب بيانًا طالب الحكومة البريطانية بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، وتطبيق مبادئ الحملة. كما أصدر بيانًا آخر إلى كل فروعه في الجامعات البريطانية لتنفيذ فعاليات ميدانية لدعم حملة "BDS" وفضح ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
في أعقاب طردها، كتبت السفيرة حوتوفيلي على تويتر "لن أتعرض للترهيب .. سأواصل مشاركة الرواية الإسرائيلية وإجراء حوار مفتوح مع جميع شرائح المجتمع البريطاني"، ولكن قبل تكرار التجربة غير السارّة، ربما يجدر بالسفيرة، وزيرة شؤون المستوطنات سابقاً، قراءة كلمات سفير بريطانيا السابق في إسرائيل، ماثيو جولد، حين قال خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في صيف 2014: "بدأت إسرائيل في خسارة دعم المجتمع الدولي، والصورة الإعلامية، التي رسمتها إسرائيل لنفسها، آخذة في الانهيار .. قد لا يكون الرأي العام البريطاني خبيرًا، لكنه ليس غبيًّا، فهو يرى بناء آلاف المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ويتابع أخبار الحصار المفروض على غزة".