إسرائيل ونظام السيسي: العلاقة الأوثق
بصرف النظر عما إذا كانت زيارة رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المُرتقبة إلى مصر ستتم وفقًا للمراسم الرسمية الكاملة، مثلما كشفت النقاب عنها الصحيفة الناطقة بلسانه ("يسرائيل هيوم"، 10/12/2020)، أو ستجري تحت غطاء السريّة التامة، يبقى الأهم، ضمن هذا السياق، أن المتابعة الدقيقة للأدبيات الإسرائيلية بشأن مسار العلاقة بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تفضي إلى الاستنتاج بأنها العلاقة الأوثق بين الدولتين، منذ توقيع اتفاقية السلام بينهما قبل أكثر من 40 عامًا.
هذا ما تشدّد عليه، مثالًا لا حصرًا، شهادتان. الأولى ليتسحاق ليفانون، سفير إسرائيل لدى القاهرة خلال 2010-2011، ووردت في مقال رأي نشره أخيرا، ولفت فيه إلى أن ناطقين إسرائيليين كثيرين يشيدون بالعلاقة الوثيقة الحالية بين مصر وإسرائيل على الصعيدين، الأمني والعسكري. وبالفعل، هذه العلاقة هي الأوثق حتى الآن، ما يعود، بصورة رئيسة، إلى الوضع غير المستقر والخطر في منطقة الشرق الأوسط عامة، وإلى الحرب ضد الجهاديين في شبه جزيرة سيناء بصورة خاصة. والشهادة الثانية لحاييم كورين، السفير الإسرائيلي لدى القاهرة خلال 2014-2016، وهي متضمنة في دراسة صدرت في مطلع العام الحالي (2020) عن مركز "ميتفيم (مسارات) ـ المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، بعنوان "التعاون بين إسرائيل ومصر في 2019: دفء استراتيجي وتباعد مدني". ومما كتبه فيها أنه منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في مصر عام 2014، تتسم علاقات إسرائيل ومصر بتعاون أمني - استراتيجي واسع النطاق. وتقف في صُلب هذا التعاون رؤية إيران ومنظمات الإرهاب الإسلامية الراديكالية تهديدا مشتركا للطرفين، إلى جانب وجود شأن مشترك في إدارة المسألة الفلسطينية عمومًا، وحيّز قطاع غزة على وجه الخصوص.
تتفق الشهادتان على ما يلي: وفقًا للمفهوم الإسرائيلي، يُعتبر السلام مع مصر رصيدًا عظيم الأهمية، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، فقد برهنت أربعة عقود منه على صموده أمام مختلف التحولات والهزّات. كما أنه انطوى على احتمال كبير بأن يتطوّر إلى تعاون استراتيجي مثلما هو حاصل في الأعوام الأخيرة. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت العلاقات بين إسرائيل ومصر محصورة داخل مربع "السلام البارد"، نتيجة الاستناد إلى مقاربةٍ مؤدّاها أنه طالما لم يجد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني حلًا له، يصعب على مصر أن تتقدّم نحو التطبيع الكامل مع إسرائيل، مهما تبلغ حيوية المصالح المشتركة القائمة بين الدولتين.
في الوقت عينه، توضح الشهادتان أن هذه المقاربة باتت واهنة كثيرًا في ضوء التعاون الأمني – الاستراتيجي الآخذ بالتعمّق بين إسرائيل ومن تسمّيهم "الدول السُنيّة المعتدلة" في الشرق الأوسط. ويرى السفيران السابقان أن الوهن السالف يفتح المجال أمام ما يلي: مع اختيار إسرائيل سفيرة جديدة لها في مصر (جرى في يونيو/ حزيران الفائت)، فإن الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ورغبة مصر في أن تصبح لاعبًا إقليميًا وحتى دوليًا، يتيحان فرصة ملائمة لإسرائيل للحديث مع الرئيس المصري، من أجل ملء العلاقات الثنائية بمضمون فعلي، يعزّز الصلات الدبلوماسية والمدنيّة، ويشكل دعامةً إضافيةً تساهم في تعزيز العلاقة الاستراتيجية.
ولعل المُلفت أن كليهما يقرّان بأن سبب افتقار العلاقات الثنائية إلى ما وصفاه بأنه "مضمون فعلي" راجع إلى وجود معارضة قوية للتعاون/ التطبيع الثقافي. ويشير كورين، مثلًا، إلى أن دولة الاحتلال تستثمر جهدا كثيرا في هذا المجال، عبر مواقع باللغة العربية في وسائل التواصل الاجتماعي تديرها طواقم خاصة من وزارة الخارجية. ومن خلالها، يجري استهداف الهوية العربية صهيونيًا، بواسطة ترويج هوية متوسطية تكون إسرائيل جزءًا منها، ولكن هذا الاستهداف ما زال يُواجه بمقاومة شديدة في مصر، مقارنة بردّات فعل متجاوبة أكثر تبدر من دول عربية أخرى، في طليعتها بعض دول الخليج، على حدّ ادّعائه.