إعلام سامح شكري
يسأل مثلٌ عربيٌّ شعبيٌّ ذائعٌ عما يمكن أن تفعله الماشطة بالوجه العكر. ولواحدنا أن يسأل عما يمكن أن تزيدَه شناعةً في الوجه العكر الماشطةُ التي لا تُتقن عملَها. وأن يسأل، في هذا المقام، ولكل مقامٍ مقالٌ على ما نعرف، عن المضامين التي يريدها وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في الآلة الإعلامية التي قال، الأسبوع الماضي، إن بلاده تحتاجها، وتكون نافذةً تستطيع أن تصل إلى الآخرين، وتكون مؤثّرة. والعجيب أن هذا الكلام موصولٌ بوصف الوزير الآلة الإعلامية لما سمّاها التنظيمات الإرهابية، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين، بأنها قوية. والأعجب أن الرجل يُخبر لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري بهذا، ويسمع منه أعضاؤها أن الآلة الإعلامية، المفقودة، تحتاج جهودا وإمكانات. ولا يحتاج السامع إلى عقل الخوارزمي ليعرف أن الوزير، صاحب التقطيبة الدائمة، يقصد ضيق ذات اليد وقلّة أهل الجهد. وهذا، يبيحُ لنا سؤالا بديهيا عمّا ينقص مصر من إمكاناتٍ وجهودٍ ليكون لها إعلامٌ مؤثّر وقوي في الخارج. وسؤالا محيّرا عما بين يدي أولئك "الإرهابيين"، وييسّر لهم أن يحوزوا "آلة إعلامية قوية".
يحتاج سامح شكري، وأقرانه في السلطة في مصر، أن يتذكّروا بديهية أن الإعلام، أي إعلام، لا يصنع حقائق، مهما كانت إمكاناته. قد يكون في وسعه أن يزيف أو يشيع من الدعاية ما يشاء، غير أن هذا وذاك سيكونان عارضيْن، ظرفييْن، سيما في الزمن الذي نعيش، المغاير بمسافاتٍ ضوئيةٍ عن زمن راديو صوت العرب وأحمد سعيد، وعن أزمنة بعث صدّام حسين وحافظ الأسد. ومصر الراهنة تعرف أسوأ أداء إعلامي، إلى منزلة تثير الأسى والحزن. ولأن ثمّة أطنانا من الشواهد على هذا السوء، أو البؤس المريع في نعتٍ آخر، يُكتفى هنا بالتعامل المصري الحكومي (وكثير من الأهلي)، الإعلامي (والدبلوماسي)، المُفرط في ركاكته وبلاهته، مع البيان الذي وقّعت عليه 31 دولة بشأن أوضاع حقوق الإنسان التعيسة في مصر، وساندتْه 13 منظمة حقوقية عالمية وازنة، ("العفو الدولية" مثلا). لم تكن هذه الواقعة في حاجة إلى "آلة إعلامية قوية" تؤثّر في الخارج، على ما يتوطّن في أفهام سامح شكري، للرد على البيان الدولي. وإنما كانت الحاجة (وستبقى) لاعتراف حكومي رسمي بأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر تحتاج إلى علاج حقيقي، إلى إنقاذ. ولمّا كان مستحيلا أن يجهر نظام الانقلاب العسكري بشيء من هذا، فإن الإعلام الراهن في مصر، وكما دلّت على رثاثته البيانات التي بلا عدد، وردّت (!) على البيان العالمي، لن يكون الماشطة التي ليس في وسعها أن تزيّن الوجه العكر، وإنما الماشطة التي تزيد هذا الوجه العكر أرطالا من الشناعة.
كأن سامح شكري يتوّهم أن المشكلة الإعلامية المزمنة أمام دولة الانقلاب في مصر تتعلق بالخارج، وأن الإعلام الموجّه إلى الداخل يحقّق نجاحاتٍ مظفرة، ويُحدث "التأثير" المتوخّى. وهذا غلط صريح، فنقصان ثقة المصريين بالإعلام اليومي في بلدهم فادح، يتعاملون (غالبيتهم) معه بالتجاهل والازدراء أو بالتندّر والضحك، بل إن السهر أمام الشاشات المصرية، لسماع بهلوانيات المذيعين إياهم، ييسّر تسرية غزيرة، وأنسا مضحكا، سيما وأن المسرح التجاري في مصر يشهد انحسارا عريضا (كما كل شيء؟)، ونجومُه لا يتجدّدون، ما يجعل البقاء في المنازل أمام كوميديا أحمد موسى وعمرو أديب وأترابهما حلا. ولمّا قال وزير الإعلام، أسامة هيكل، إن من هم أقل من 35 عاما من المصريين، وهم بحسبه نحو 65% من المجتمع، لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، فذلك يعني أن الطبّالين والزمارين الذين بلا عدد في الإعلام المصري إنما يطبّلون ويزمّرون لأنفسهم. ولكن المصريين هم الأكثر استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي، من بين مجتمعات 13 دولة عربية، للحصول على أخبار ومعلومات سياسية، وذلك بنسبة 59% عدة مرّات يوميا، و24% عدة مرّات في الأسبوع. كما أنهم في المنزلة الثالثة في استخدام هذه الوسائل من أجل التفاعل مع قضايا سياسية، بنسبة 36% عدة مرات في اليوم، و29% عدة مرّات في الأسبوع، وذلك بحسب ما كشفه "المؤشّر العربي 2019/ 2020" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات). والمعنى من هذا أن المصريين في مزاج آخر غير الذي ظنّ سامح شكري أنهم فيه، ويصدّقون ما يبثّ لهم من دجل وكذب يومي، في شؤون حقوق الإنسان وغيرها (أكثر من 900 مصري ماتوا في السجون في سبع سنوات). ولأن الأمر كذلك، ولأن المصريين يؤثرون ملعب "السوشيال ميديا" على إعلام سامح شكري، كان باعثا للإشفاق على حال مصر أن هذا الرجل يقول ما يقول عن حاجتها إلى آلة إعلامية ثقيلة.