إنه وقت الفرجة
في خضم ما يعيشه الداخل الإسرائيلي من انقسامات وتظاهرات وتفكّك في البنى السياسية والأمنية والاجتماعية، يجدر بالأطراف الفلسطينية والعربية المعنية بالصراع مع إسرائيل التنحّي جانباً وعدم الدخول في تحليلات أو قراءات لمستقبل ما ستؤول إليه الحالة الإسرائيلية، وتعليق أي نشاط ميداني أو سياسي من شأنه أن يخدم بشكل غير مباشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أزمته الداخلية.
تعليق الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، على ما تشهده الساحة الإسرائيلية، على سبيل المثال، يأتي في هذا السياق. فرغم أن الوضع الداخلي الإسرائيلي على درجةٍ كبيرةٍ من الخطورة بالنسبة إلى دولة الاحتلال، إلا أن تضخيم تأثيراته المتوقّعة لا يصبّ إلا في مصلحة إسرائيل نفسها. رأى نصرالله أن "الأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل أضرّت بصورتها كقوة. كما يشهد بعض الإسرائيليين، وهذا اليوم يضع البلاد على طريق الزوال".
وقع مثل هذا الكلام على الإسرائيليين، الذين يتابعون خطابات نصرالله، لن يكون كما يريده الأمين العام لحزب الله، بل على العكس تماماً، فغالبية الإسرائيليين، متديّنين كانوا أم علمانيين، يرون في نصرالله "عدواً مشتركاً"، وشماتة هذا "العدو" بالحراك السياسي الداخلي في إسرائيل لن يزيده تأجيجاً، بل ريما يحمل مفعولاً معاكساً.
لم يتوقف نصرالله عند هذا الحد، فمن المعتاد أنه خلال أيام عاشوراء يكثف ظهوره التلفزيوني، ليصبح يومياً، وفي هذا الظهور لا بد من شدّ العصب الداخلي لبيئة حزب الله في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والأمر لا يكون إلا عبر التغنّي بقوة الحزب وقدرته على الرد على إسرائيل و"تدميرها". بالتأكيد، ليس هذا الوقت المناسب لكلام كهذا، وتذكير الإسرائيليين بأن "عدوّاً" يتربص بهم، فهذا تماماً ما يريده نتنياهو، وها هو نصرالله، عن قصد أو غير قصد، يقدّمه له.
ينطبق الأمر نفسه على الفصائل الفلسطينية، سواء الأساسية أو الأجنحة العسكرية التي ظهرت في الفترة الأخيرة ونفذت عملياتٍ نجحت في إيلام الاحتلال. فهذا ليس الوقت المناسب أيضاً للتعليق على المشهد الداخلي الإسرائيلي، ولا استغلال انشغال الأمن الإسرائيلي في النقاشات الداخلية واحتواء التظاهرات، لتنفيذ عملياتٍ في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو حتى في الداخل الإسرائيلي. هذا هو وقت الفرجة وترقّب ما سينتهي إليه الوضع في إسرائيل، خصوصاً مع التقديرات والاستطلاعات التي باتت تنشرها الصحف الإسرائيلية، والتي تشير إلى مخاوف إسرائيلية من "حرب أهلية"، وإلى رغبة شريحة كبيرة من الإسرائيليين (22%) في الهجرة خارج البلاد.
يدرك نتنياهو أن فرصة الحدّ من أزمته الداخلية لا تكون إلا عبر إشعال حربٍ على واحدة من الجبهات الأساسية، وهو ما جرّبه فترة خلال العملية العسكرية التي شنّتها قوات الاحتلال في مخيم جنين. لكن الأمر لم يكن إلا مرحلياً، فما إن انتهت العملية وعادت نقاشات التعديلات القضائية حتى استؤنفت الاحتجاجات وبدرجةٍ أعلى. لكن يبدو أنه يريد شراء مزيد من الوقت عبر البحث عن "خطر خارجي" يُلهي الإسرائيليين عن الوضع الداخلي، والاستفزازات التي ينفذها اليمين المتطرّف، بمناسبة أو من دون مناسبة، في المسجد الأقصى، تأتي في إطار الرغبة في استدراج ردّ فلسطيني يفسح المجال لنتنياهو في استنفار الداخل الإسرائيلي وإعادة توجيه اهتمامه إلى "الأخطار" التي تحيط إسرائيل.
من المرتقب أن تتصاعد في الفترة المقبلة الاستفزازات الأمنية، ليس في المسجد الأقصى فحسب، بل في معظم الجبهات التي من الممكن أن يرى فيها نتنياهو مخرجاً من الأزمة الداخلية. نتنياهو يريد حرباً يجب ألا يقدّمها إليه أحد، والاكتفاء بالفرجة على مشهد داخلي، لن تكون إسرائيل بعده كما قبله.