إيلون ماسك وأكسل روداكوبانا... من ذنبه أكبر؟
لا رابط بين إيلون ماسك وأكسل روداكوبانا، أو هكذا يبدو. ثاني أثرى رجل في العالم غنيٌّ عن التعريف. 52 عاماً جمع فيها حتى اللحظة 222 مليار دولار، مالك شركات تسلا وسبايس إكس وستارلينك وغيرها، وصاحب 192 مليون متابع على موقعه، تويتر في الأمس و"إكس" منذ اشتراه قبل عامين. أما أكسل روداكوبانا، فقد أصبح للأسف "شخصية عامة" فقط الاثنين ما قبل الماضي. كان قبل ذلك اليوم مجرد فتى لم يبلغ بعد عامه الـ18، وقد بلغه اليوم الأربعاء. قبل ذلك الاثنين الأسود كان يعيش حياة يظنها جيرانه وأهله طبيعية، في قرية قرب ليفربول، شمال غربي إنكلترا. حمل سكين مطبح يوم الاثنين 29 يوليو/ تموز الماضي في غفلة عن والديه وشقيقه، دخل فيه إلى صالة لفتيات يرقصن على أغانٍ للأميركية تايلور سويفت في مدينة ساوثبورت قرب قريته، طعن من طعن، فقتل ثلاث مراهقات وجرح غيرهنّ قبل أن يلقى القبض عليه.
الجريمة الفظيعة هزّت بريطانيا حزناً وغضباً. زوّد "مؤثرون" على "السوشال ميديا"، وخصوصاً على "إكس"، لصاحبها إيلون ماسك، العنصريين بالوقود اللازم ليترجموا كراهيتهم وفاشيتهم جرائم اعتداء وتكسير وحرق ومحاولة قتل كل ما يمت بصلة للمهاجرين عموماً، وللمسلمين من ضمنهم وفي مقدمتهم. أخبار "المؤثرين" كانت كاذبة، لكنها لم تُحذف بأمر من ماسك. أحدها زعم أن الفتى مرتكب الجريمة مهاجر وصل إلى بريطانيا عام 2023 عبر قوارب المهاجرين السريين. الحقيقة أن الفتى بريطاني، مولود في كارديف عاصمة ويلز، والداه أتيا من رواندا قبل إنجابه بسنوات. لكنّ الغوغاء لا يصدقون إلا الأخبار الكاذبة. قيل لهم إن أكسل روداكوبانا مسلم، فتبين أنه من عائلة مسيحية تواظب على حضور فعاليات الكنيسة المحلية. ومع كل خبر يتبين أنه كاذب، كانت وتيرة أعمال عنف اليمين المتطرّف ترتفع. عشرات المدن الكبرى لا تزال تشهد منذ الثلاثاء ما قبل الماضي أعمال عنف ربما تكون غير مسبوقة منذ عشرات السنين في بريطانيا بقيادة "رابطة الدفاع البريطانيّة" الفاشية. فنادق إيواء اللاجئين كانت هدفاً أول لهم، والمساجد هدفاً ثانياً، ومكاتب المحامين المتطوعين في الدفاع عن اللاجئين "غير الشرعيين" هدفاً ثالثاً، وشبهة "الغريب" تلاحق كل صاحب ملامح "غير بريطانية أصلية".
في عز هذه الحفلة من الكراهية والاعتداءات ومحاولات القتل، رمى إيلون ماسك حصته من البنزين على النار. بحث عن أبرز محرّكي عنف العنصريين العنفيين من فندقه في قبرص، واسمه الحركي تومي روبنسون (الأصلي ستيفن ياكسلي ــ لينون)، واختار أحد الفيديوهات التي وضعها روبنسون لهجمات الزعران على فنادق إيواء مهاجرين ومساجد، وعلّق عليها بعبارة "الحرب الأهلية حتمية". ثلاث كلمات أثارت غضب رئيس الحكومة كير ستارمر ووزرائه، ولكن ظل غضباً مضبوطاً لم يصل إلى حد استدعاء الرجل لمساءلته أمام مجلس العموم أو فرض غرامة فورية على "إكس" كونها أصبحت مصدراً للشائعات ولخطاب الكراهية، مع العلم أنها المرة السادس منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي التي يحرّض فيها ماسك على "حرب أهلية" في أوروبا، وهي العبارة الرائجة في أدبيات اليمين المتطرف تحريضاً على "إعادة أوروبا للأوروبيين" ومنع "الاستبدال الكبير" للسكان الأوروبيين بغير الأوروبيين من غير المسيحيين تحديداً وفق روايتهم الأبوكاليبسية للحاضر وللمستقبل.
لطالما كان إيلون ماسك رمزاً للأخبار الكاذبة والنظريات المؤامراتية في ما يتعلق بفيروس كورونا ولقاحاته، ووحده الله يعلم كم مات ممن صدّقوا أكاذيبه. منذ أشهر، يتفرغ الرجل دعماً لدونالد ترامب وحالياً تحريضاً ضد كامالا هاريس بنشر فيديوهات وأخبار ضدها تبين أنها كاذبة. في أوقات فراغه يمتهن التحريض على حرب أهلية أوروبية ضد غير الأوروبيين يموت فيها بشر بسبب تحريضه وكذبه. وإن استمرّ نفوذه في التعاظم، وملياراته في التضاعف، سيصبح قريباً جداً مجرد ذكر اسمه تشكيكاً أو مساءلة أو إدانة أو دعوة لمقاضاته، سبباً لسجن المشكك أو المسائل، جسدياً كان السجن أو افتراضياً عبر طرده من العالم الافتراضي.
أكسل روداكوبانا سيُحاكم على جريمته الفظيعة. مرض التوحد الذي يعاني منه قد يخفف من الحكم ولكن بشكل طفيف. أما إيلون ماسك، غير المصاب بأي توحّد، فإن جرائمه الواعية تماماً بالتحريض وإشاعة الأكاذيب، ستُصرف ازدياداً لعدد متابعيه، وتضحماً لثروته وازدحاماً في طلبات لقائه من قبل رؤساء العالم ومشاهيره وأثريائه.
أكسل روداكوبانا سيظل مجرماً إلى الأبد في نظر العالم، أما إيلون ماسك، فأغلب الظن أن صفة "الشاطر" ستسبق ذكر اسمه، وستظل أسماء ضحاياه مجهولة إلى الأبد.