تصويت ضدّ من في أميركا؟

30 أكتوبر 2024

(Getty)

+ الخط -

عندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، قيل عن حق إنّ هذه الحرب لن تكون كسابقاتها. من بين ما قيل إن أسوأ ما فيها (وكل شيء في الحروب سيئ)، إنها ستشرّع أبواباً لحروب مستقبلية تكون الوحشية المطلقة وكسر كل الخطوط الحمراء سمتها الرئيسية. حروب البلدان الكبيرة ضد الدول الجارة الصغيرة ليست جديدة، لكن ما أرساه فلاديمير بوتين منذ ذلك الشتاء كان غير مسبوق في المجاهرة بسرقة أراضي دولة سيدة (أوكرانيا) هدفاً مركزياً للحرب، فقط لأن القوي نبش عامذاك في التاريخ واخترع سرديات له، وأعاد محاكمة لينين بعد 98 سنة من وفاته واتهمه بأنه "اخترع أوكرانيا" عند إنشائه الاتحاد السوفييتي، وهو ينتج تلقائياً عنه تفضيل سيد الكرملين مجرماً بوزن ستالين نالت أوكرانيا الكثير من بطشه ودمويته نتيجة توقها للاستقلال قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها. من بين ما قيل أيضاً عن حرب أوكرانيا إن بوتين سيغري غيره باللعب في السلاح النووي، هو الذي يتحدث عن استخدامه بعادية مرعبة وعدمية مطلقة. وقبل الحديث عن هول جعل استخدام السلاح النووي احتمالاً وارداً، أرسى الرئيس الروسي قاعدة لاأخلاقية إضافية في العلاقات الدولية، وهي ابتزاز العالم بسلاح الغذاء، حارماً عشرات البلدان الفقيرة من امتياز الاستفادة من الغذاء الأوكراني الرخيص، خصوصاً الحبوب، مخيّراً الكوكب بين دعم عدوانه على أوكرانيا واستقبال سفن الحبوب الروسية مجاناً، أو الموت جوعاً لعدم القدرة على شراء المحاصيل الزراعية الكندية والأميركية والأوروبية مرتفعة الثمن.

أثبتت الأيام صحّة توقّعات المتشائمين من أفق حرب أوكرانيا وتداعياتها على العالم. حماسة الصين لاحتلال تايوان وضمّها إلى السيادة الصينية عرفت ذروتها بعد 24 فبراير 2022. بنيامين نتنياهو الموزعة مصالحه وعواطفه بالتساوي بين موسكو وكييف (لكونها حليف أساسي لواشنطن)، قرأ بانتهازيته المشهد منذ ما قبل 7 أكتوبر (2023)، هذا العالم يحكمه الأقوياء حصراً، لا العادلون ولا الملتزمون بالقوانين الدولية ولا الخاضعون لقرارات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وإن كان بوتين قادراً على مدّ سيادة بلده إلى أراض في جورجيا وأوكرانيا ومولدوفا وربما غداً بولندا من دون أن يواجهه العالم موحّداً، فباستطاعتي مواصلة استيطان الضفة الغربية والقدس، ثم احتلال غزة ولمَ لا لبنان، ومدّ سيادة إسرائيل على ستة بلدان عربية مثلما يجاهر وزراء كثر في الحكومة، أشهرهم بتسلئيل سموتريتش، من دون أن أعبأ بمجتمع دولي ورأي عام عالمي. أما سياسياً، فأخطر ما جنته علينا حرب أوكرانيا، نحن البعيدين للغاية عن ذلك البلد، هو تزويد الفاشيين والشعبويين في العالم بحقن معنويات هائلة، فترى بعد فبراير 2022 عشرات العواصم بات اليمين المتطرف فيها إما حاكماً أو طرفاً وازناً جداً أو على عتبة تسلم السلطة. وحيث لا يحكم يمين متطرف أو شعبويون، يفوز في الانتخابات حلفاء مباشرون لفلاديمير بوتين، كحال أنصار روسيا الذين فازوا قبل يومين في انتخابات جورجيا. أمام مشهد بهذه السوداوية، كان العالم محظوظاً بأن جو بايدن هو رئيس أميركا في هذا الظرف، حصراً في ما يتعلق بدعمه الكبير لأوكرانيا، هو الرئيس العتيق الذي كوّن الجزء الأكبر من ثقافته السياسية من زمن الحرب الباردة.

أميركا في انتخاباتها المقررة بعد ستة أيام، ستصوّت لبرامج كثيرة ولخيارات عديدة متناقضة، من بينها حرب أوكرانيا. الأميركيون، عن وعي أو من دونه، سيكون أمامهم التصويت لنموذج قذر اسمه دونالد ترامب سبق له أن تمنى أن يكون شعبه خاضعاً له مثلما يتم إخضاع الكوريين الشماليين بالإبادة والتجويع والقمع لكيم جون أون وقبله والده وجده، وبين سيدة لا هي عبقرية ولا فلتة زمانها، بل مجرد سياسية تطرح نفسها على أنها نقيض ترامب وفلاديمير بوتين في كل شيء، وهذا ليس غاية المنى، إنما هو يكفي ليحسم المترددون قرارهم ويضعوا اسم كامالا هاريس على تلك الورقة.