استقواء إسرائيل بالتطبيع
كان من اللافت في ثنايا المقال المشترك الذي كتبه وزيرا خارجية بريطانيا وإسرائيل، إليزابيث تراس ويئير لبيد، وظهر في اليوم نفسه (29/11/2021) في صحيفتي "ذي تليغراف" البريطانية و"يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بالإضافة إلى إعلان صريح أنّ ثمّة "وحدة حال" بين الدولتين حيال إيران وبرنامجها النووي، وأنّ هناك تجاهلاً تاماً لقضية فلسطين، إنّما مع وجود استثناء وحيد ليس مبالغة القول إنه ينطوي على دلالة خاصة، إشادة الوزيرين بقرار لندن تصنيف حركة حماس "إرهابية" بموازاة توكيد أنّ النموذج الذي يجب أن تحتذيه الدول العربية على وجه التحديد، في التعامل مع إسرائيل، هو التطبيع من دون قيدٍ أو شرطٍ، كما تجسّد ذلك في "اتفاقيات أبراهام" مع كلّ من الإمارات والبحرين والمغرب، و"التي كانت بريطانيا من أوائل الدول التي احتفت بها رسمياً" كما ورد في المقال. كذلك، كرّر الوزيران أنّ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، ومواجهة السياسة الصهيونية عامةً، هما من مظاهر معاداة السامية، وشدّدا على أنّه ينبغي ألّا يكون لها موطئ قدم في العالم أجمع.
ومع أنّ المقال نُشر بالتزامن مع انطلاق المحادثات في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، فإنّه أتى إضافة إلى ركام مقالات صحافية إسرائيلية من الصعب حصرها، لا تنفكّ تشيد بتلك الاتفاقيات التطبيعية، وفي توصيفها، ضمن مقال جديد، أنّها "حوّلت إسرائيل من عشيقة يتكتم الجميع على علاقتهم معها، أو من لاعب واحد من جملة لاعبين كثرٍ على لوح الشطرنج الشرق الأوسطي، إلى لاعبٍ محوريّ مركزيّ في كلّ التطورات الحاصلة في المنطقة". ومن أبرز الأمثلة التي تبرهن على ذلك: مطالبة مصر إسرائيل بتقديم المساعدة لها من أجل إيجاد حلّ للأزمة التي اندلعت مع إثيوبيا في ملف سدّ النهضة، إلى جانب المساعدات الإسرائيلية المقدّمة إلى القاهرة في حربها ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شبه جزيرة سيناء، وطلب الولايات المتحدة من إسرائيل أن تساعد في تسوية الخلاف بين الجيش والحكومة في السودان، والذي يثبت، في قراءة تحليلات إسرائيلية، أنّ "نفوذ إسرائيل في الخرطوم أكبر من نفوذ واشنطن"! كذلك، أدّت الاتفاقيات إلى انهيار التضامن العربي، وإلى تبدّد دور جامعة الدول العربية عاملاً موحّداً شذر مذر.
تكمن الدلالة التي ذكرنا أنها خاصة، في الأساس، في أنّ هناك استقواءً إسرائيلياً رسمياً باتفاقيات التطبيع من أجل تجاهل فلسطين. وهذه، بالمناسبة، ليست المرّة الأولى التي نصادفها. وتأتي الإشارة هنا إلى ذلك في منأى تام عن قصد الإيهام بأنّ هذا الاستقواء هو المسوّغ الوحيد للتجاهل الذي يسم السياسة الإسرائيلية منذ عدة أعوام لعدة عوامل، منها ما هو داخلي صرف، ومنها ما يحيل إلى ظروف إقليمية ودولية مريحة لإسرائيل، صارت إلى تعمّق أكثر فأكثر مع الاتفاقيات وتداعياتها اللاحقة.
ويمكن أن يُضاف أنّ محادثات فيينا كانت بمثابة مؤشّر إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تستثمر في ما يرتبط بقضية فلسطين أكثر مما يخدم غاية "الحفاظ على الهدوء الأمني" وتواصل نهج الحكومة السابقة الذي يرى أنّ إيران، في الوقت الحالي "تشكل الخطر المصيري الأكبر الذي يهدّد إسرائيل". وبالنسبة إلى الاستيطان، فإنّها لم تفارق إرث بنيامين نتنياهو الذي قام بتكثيفه خارج ما يُعرف باسم "الكتل الاستيطانية الكبرى" كي يزيد العراقيل أمام إمكان تطبيق حلّ الدولتين. ومثل هذه الممارسات كافة غير مستغربة من رئيس حكومة يعتقد (كما يمكن الاستدلال من منشورات له على صفحته في "فيسبوك") أنّ قيام دولة فلسطينية مجرّد وهم صار إلى تبدّد، على الأقل منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة عام 2014، كما أنّ الانسحاب إلى حدود 1967 وهمٌ ثانٍ تبدّد هو الآخر، مع إطلاق أول صاروخ من هذه الحدود في اتجاه الأراضي الإسرائيلية إثر ما سماه "الهروب من مستوطنات القطاع" (2005)!