الاختراق وردّ حزب الله

22 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

اعتبر أمين عام حزب الله حسن نصر الله الاختراق الإلكتروني المزدوج الذي طاول أجهزة لاسلكية للنداء والتخاطب عمليةً كُبرى وضربة قاسية تجاوزت الخطوط الحمراء، وهو اعترافٌ يبني عليه زعيم الحزب ردّاً يقول إنه سيكون قاسياً.. لا داعي لاعتراف نصر الله بقوتها، فالعملية ماكرة التخطيط والتنفيذ، وواسعة بالمعنيين العسكري والأمني، وتطلبت وقتاً طويلاً، تقول صحف أميركية إنه سنوات، وشملت جغرافيا مؤلفة من مجموعة بلدان، واحتاجت تمويلاً ضخماً، ربما تجاوز ملايين الدولارات.. أن تنجح جهةٌ ما في تنفيذ مخطّط من هذا النوع يعني أنها تملك سيطرة عميقة ومصدر معلومات مستمرّاً لا يتوقّف، يتجاوز الشخص والشخصين إلى منظومة كاملة، ربما يكون تفكيكها معقّدٌ جدّاً.. لا تسجل الجهة المنفذة نقاطاً في هذه الجولة، بل نصراً عريضاً يصعُب الردّ عليه. وكان حزب الله قد نفّذ سابقاً عمليات استخبارية ذات بعد عسكري، كاختطاف عملاء سابقين للموساد أو جنود حراسة الحدود، لتردّ إسرائيل بقصف مباشر يختلف حجمه بحسب حجم العملية، لكن عمليات حزب الله كانت محدودة، ولا تتطلب تخطيطاً أو تمويلاً كبيريْن، ولا حتى أجهزةً واتصالات، وهذا لا تمكن مقارنته بوصول إسرائيل إلى البنية الأساسية لشبكة التواصل "الحميمة" لحزب الله، ليس لتعطيلها فقط، بل للإجهاز على كل من يستعملها.

قد تكون هذه العملية الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد الضخم، فعادةً لا تكشف إسرائيل عن أوراقها كاملة، ولا تفرد عضلات استخبارية، بل تكتفي بالإيحاء فقط ومن جانب بعيد، لكنها قامت قبل أيام بعملية تفجير جماعية للأجهزة اللاسلكية في أيدي آلاف اللبنانيين، وبعد 24 ساعة فقط، كرّرت العملية، وبذلك أوصلت رسالة بليغة أن ذراعها طويلة جداً، فالعملية أظهرت قدرتها على الوصول والتنفيذ، وأوغلت إسرائيل في التحدّي بإطلاقها موجة قصف واسعة النطاق، تقصّدت أن تكون متزامنةً مع خطاب نصر الله، الذي احتار أنصارُه بين متابعة ما يقول أو الإسراع للاختباء من النيران، وفي هذا رسالة إسرائيلية أخرى، ليست بحاجة إلى خبير شيفراتٍ لحلها.

ما يحدُث على الساحة اللبنانية فادح وعميق، ويتطلب نشاطاً سياسياً على مستوى أجهزة الدولة الرسمية التي لوحظ بوضوح غيابها التام عن مسرح الحدث، وكأنه لا يعنيها ما يحصل، أو كأن الدولة غير موجودة لتقوم بردّ الفعل المناسب، وقد يكون لعدم وجود رئيس في قصر بعبدا الشاغر منذ مغادرة ميشيل عون، وتحوّل حكومة نجيب ميقاتي إلى تسيير الأمور، دورٌ في غياب الردّ السياسي المؤسّسي، ولم تتجاوز آراء السياسيين اللبنانيين وزعماء الأحزاب مواقفهم "العقائدية" والتقليدية، كل حسب موقعه السياسي من حزب الله، بما يشير إلى تآكل شديد للممارسة السياسية في لبنان، ومدى دور حزب الله في تصدر المشهد، والهيمنة الشاملة القادرة على تغييب أداء السياسيين كلهم والحلول محلهم.

على المستوى الشعبي، ظهرت موجة واسعة من مشاعر الشماتة والتشفي والانتقاد والسخرية مما حدث لكوادر الحزب، بما يعني أن الحزب قد فقد جزءاً كبيراً من قاعدته الشعبية، بعضه من داخل الطائفة التي تتعرّض للهجمات الإسرائيلية المباشرة، وهذه طريقةٌ تستخدمها إسرائيل للنيْل من دوائر الدعم القريبة منه لزحزحتها وحملها على الانفكاك عنه.

تقوم إسرائيل بهجوم عسكري واسع النطاق على لبنان للحدّ من قدرة حزب الله، وتستخدم ما لديها من قدرات لوجستية واستخبارية ضخمة، بدت واضحةً في عمليات الأجهزة الإلكترونية. وعن طريق الوصول إلى عاصمة حزب الله، وتنفيذ عمليات قتل مباشرة، تخطّط إسرائيل لأن تُضعف الحزب تدريجيا بتصفية كثيرين من قادته، وضرب شبكة التواصل لديه، مع تنفيذ حملة قصف واسعة تؤدّي إلى خلخلته بشدة، وسوف تظهر نتيجة هذه السياسة من خلال مستوى ردّ حزب الله، وقد بدا في الأشهر الأخيرة أن قدرته على الرد أصبحت قريبة من حدودها الدنيا.