الانقلاب شركة.. والشركة فالكون
ليست "فالكون"، حديث الصباح والمساء في مصر الآن، مجرد شركة للخدمات الأمنية، بما تشمله من أعمال التجسس المجتمعي، في خدمة سلطات الانقلاب، بل يمكنك أن تقول إنها الانقلاب نفسه، أو التلخيص الوافي للمنظومة القمعية التي تمرح في مصر، وتطلق على نفسها اسم "نظام سياسي".
بهذا المعنى، تنتقل "فالكون" من كونها منظومة أمنية، إلى نظام حكم، أو، بالحد الأدنى، تعبير دقيق عن نظام استبدادي، يحيا ويتكاثر في أحراش الهواجس الأمنية. وبالمعنى ذاته، يتحول النظام من كونه سلطة سياسية، جاءت عبر عملية انتخابات تمت "هندستها" لكي تفضي إلى وصول شخصية أمنية للحكم.. يتحول إلى تحالف أو اندماج بين أمنيين، حاليين وسابقين، للاستثمار في أضخم مشروع للخوف والفقر عرفته البشرية.
وحسب ألسنة حريق المعلومات والتخمينات والترجيحات، المندلع في الأوساط المصرية، هذه الأيام، فإن الشركة التي أوكلت إليها حكومة الانقلاب أعمال السيطرة على النشاط الاجتماعي والسياسي والثقافي في الجامعات المصرية، ووضع الحراك الطلابي تحت الرقابة والتحكم والتنكيل والفض والترويع، سبق لها أن حصلت على مقاولة تأمين وحراسة وتغطية مرشح الثورة المضادة في انتخابات الرئاسة المصرية عام ٢٠١٢، كما كررت المهمة ذاتها مع المرشح الوحيد في الانتخابات الذي قاد الانقلاب على التجربة الديمقراطية الوحيدة، بعد أن وفر المناخ الآمن لحالة ثورة مضادة كاملة الأركان، وواضحة المعالم والقسمات الواردة في كتالوجات الثورات المضادة، من تشيلي إلى رومانيا.
إذن، نحن لسنا بصدد شركة أمن عادية، بل أمام "كيان" متخصص في أعمال القمع، ولديه صلات عميقة بمؤسسات الدولة العميقة في مصر. ولو أضفت إلى كل ما سبق أن وكيل الشركة بالمنطقة هو، في الوقت ذاته، وكيل للانقلاب في الداخل والخارج، وأحد الممولين له، ومن أهم المتحدثين باسمه والمترافعين عنه أمام الفضائيات، والندوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، ستكون أمام صورة أكثر وضوحاً عن سجن كبير، يسمى "مصر" تتعامل فيه السلطات مع المواطنين، من منطلق أنهم نزلاء عندها، فتصبح الجامعات، بالضرورة، مجرد "زنازين" مفتوحة، وتصير الأندية ومؤسسات العمل ووسائل المواصلات، محض ساحات للتجسس والمطاردة والملاحقة.. ثم الاعتقال، ويكون المواطن المثالي هو "المخبر"، والأم المثالية هي من تنمي لدى أكبر عدد من الأبناء "ملكات الوشاية" و"مواهب الإبلاغ" و"إبداع الإرشاد والتحريض".
ووفقاً لمجريات اليوم الدراسي الأول في الجامعات المصرية، تحت سلطة "فالكون"، فقد وقع صدام بين الشركة الدولية، باعتبارها مؤسسة قمعية محترفة، والحرس الإداري داخل الجامعات، صدام على مساحات النفوذ وحدود السلطات، ما يضعنا أمام نموذج مصغر آخر لنظام الحكم في مصر الذي يلغي كل مؤسسات الدولة، ويعطل مجالسها النيابية والتشريعية، ويضع كل السلطات في يد شخص واحد، تقف وراءه مؤسسة الانقلاب، حيث تحاكي "فالكون" داخل الجامعات الدور الذي يمارسه "صقور" السلطة الانقلابية في المجتمع المصري كله، إذ تعطي شروط الصفقة للشركة صلاحيات التحكم في كل ما يدب داخل الحرس الجامعي، من نشاط.. وكما أن لسلطة الانقلاب جحافل من "المواطنين الشرفاء"، يعاونونها على قنص المعارضين والتهام المناوئين، تتمتع "فالكون" بخدمات ميليشيات "الطلاب الشرفاء" في مزاولة أعمال التلصص والوشاية بزملائهم.
وكما جرفت وجففت شركة الانقلاب العمل السياسي والنشاط الاقتصادي لصالح شخص واحد، يعبر عن جماعة مصالح محدودة، هي مؤسسة خدمات القمع، تبدأ مقاولة إحراق الحركة الطلابية، وإحالة الحرم الجامعي إلى فناء سجن كبير، ما يضعنا في مواجهة شتاء طلابي ساخن، هو المؤهل قبل الجميع، لكتابة الفصل الأخير في رواية انقلاب الدم.