التغير المناخي و"مستقبلنا المشترك"
يغرق العالم في حروب حدودية وأخرى أهلية وعابرة للحدود، لكن هذا النوع من "الحروب التقليدية"، إن جازت تسميتها بذلك، لن يدوم طويلاً، أو بالأحرى ستتراجع أهميته. العالم مقبلٌ على حروبٍ من نوع آخر، رافعتها التغييرات المناخية، وما تفرضه من تحولات بيئية واقتصادية، وسياسية وأمنية. ومن الخطأ الاعتقاد أن تداعيات التغيرات المناخية ستقف عند بلد دوناً عن الآخر. وما شهده العالم في الأشهر الأخيرة من ظواهر غير معتادة من تسجيل أرقام قياسية في درجات الحرارة في عدد من الدول ليس سوى أحد الأوجه الأقل قتامةً في ما يجري، بعدما تم إغفال التحذيرات الممتدة منذ عقود.
عندما نشرت تقرير مستقبلنا المشترك في عام 1987، أي قبل 35 عاماً، "لجنة برونتلاند" أو "اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية"، كان بمثابة جرس إنذار مبكر حول تفاقم مشكلة سوء استخدام واستنزاف الموارد الطبيعية وأثرها البيئي. حتى أن من أعدّوا التقرير تناولوا تفصيلاً ما ستواجهه الأجيال المقبلة، بعدما أدى تشابك الاقتصاد العالمي والبيئة العالمية إلى أن يصبحا أكثر التصاقاً. وتطرّقوا إلى تداعيات ذلك على التنمية وازدياد معدّلات الفقر وأزمات عديدة أخرى. وحذر التقرير، في حينه، من أن المعاناة في المستقبل لن تقتصر على بلد دوناً عن الآخر، أو قارة دوناً عن الأخرى، بل إن "أسرة الأمم البشرية" ستعاني، و"سيكون لكافة البلدان دورها في ضمان الأمن وتغيير الاتجاهات وتصحيح نظام اقتصادي عالمي يفاقم انعدام المساواة ولا يخففه، يزيد أعداد الفقراء والجياع ولا يقللها". ولذلك جاء عنوان التقرير "مستقبلنا المشترك".
وأثبتت العقود الماضية أنه بقدر إدراك الدول الصناعية الكبرى المخاطر بقدر تهرّبها من المسؤولية أو تأجيل اتخاذ إجراءات مؤلمة من وجهة نظرها لتفادي الأسوأ. ولذلك لم تكن المفاوضات في قمم المناخ سهلة يوماً، خصوصاً عندما تعلق الأمر بمكافحة الاحتباس الحراري وخفض الانبعاثات. وكادت المفاوضات تنهار أكثر من مرة، قبل أن تقود المساومات إلى تسويات اللحظة الأخيرة، هرباً من أن يتحمل أي طرف من هؤلاء المسؤولية.
أما اليوم، فلم يعد ممكنا التهرّب من الكارثة، بعدما أصبح الكوكب، في أجزاء واسعة منه، غير صالح للعيش. وإذا كان مواطنو أكثر من دولة يشكون من ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها والحرائق التي تلتهم الغابات والفيضانات، فإن ذلك، على أهميته، ليس سوى فصل من المشكلات المتوقع أن تتفاقم خلال السنوات المقبلة.
ويعود الحديث مجدّداً عن العلاقة بين الصراعات والتغير المناخي، وإن كان السجال قائماً، ولن يتوقف على الأرجح، بشأن ما إذا كانت الحروب تفاقم التغيرات والأزمات المناخية، أو أن الأخيرة تقود إلى الأولى، أو تشكل دافعاً رئيسياً.
ولعل المثال الأوضح بشأن الحروب والتغيرات المناخية ما باتت تعرف بـ"حروب المياه"، والتي تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر عرضة لها في السنوات المقبلة، إذ تعد المنطقة من أكثر المناطق التي تواجه فقراً مائياً. مع العلم أن المنطقة تشهد أيضاً أعلى مستويات نزوح قسري في العالم، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. وتفيد جميع التوقعات بأن التغيرات المناخية ستكون الدافع الرئيس وراء موجات النزوح الداخلي والهجرة السرّية في الفترات المقبلة. وغالباً ليس من قبيل المصادفة أنه وفقاً لإحصاءات نشرت في عام 2020، فإن 14 من أصل 25 دولة تعد الأكثر عرضة لتغير المناخ، كانت غارقة في الصراعات، من بينها مالي والصومال والكونغو الديمقراطية واليمن.