التنازلات في اليمن ليست بيد العليمي
لم يتسرّب الكثير عن تفاصيل المفاوضات التي جرت بين مسؤولين سعوديين ووفد من جماعة الحوثي بحضور عُماني في المملكة أخيراً. كل ما يتردّد عن تفاهمات أو ترتيبات مقبلة بين الطرفين سيبقى في دائرة التكهنات. ويبدو الظرف اليوم مؤاتياً أكثر من أي وقت مضى لتحقق ذلك، ليس فقط بسبب رغبة السعودية في طي هذه الصفحة المُنهكة والمكلفة، والتي لم تحقق لها أياً من أهدافها، بل أيضاً لأن الحوثيين معنيون حالياً بتنفيس الاحتقان في مناطق سيطرتهم مع حالة الغليان الشعبي جرّاء الوضع المعيشي المتردّي واستمرار انقطاع رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، خصوصاً أنه لم تعد تبريرات الجماعة تُجدي نفعاً. ومع ذلك، إنّ نِسَب حصول أي اتفاق من عدمه تبقى متساوية، خصوصاً بعدما استأنف الحوثيون هجماتهم بالطائرات المسيّرة عقب عودة وفدهم من المملكة، وإن حصروها على الحدود السعودية اليمنية.
لكن الأكيد أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي هو آخر من يعلم بفحوى المحادثات والمدى الذي وصلت إليه. تثير كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تساؤلاتٍ عن السبب الذي يدفعه إلى وضع نفسه في موقفٍ يتحدّث فيه عمّا لا يمكن له التقيّد به. في معرض استعراضه الموقف الحالي من جهود تمديد الهدنة، قال العليمي "واليوم لا أعتقد أنه لا يزال لدينا في الحكومة المزيد من التنازلات التي نقدّمها، أو أن نغيّر من فهمنا لمليشيات نعرفها جيداً ويمكننا التنبؤ بنواياها لعقود مقبلة"، قبل أن يستكمل: "وإذا فعلنا ذلك، فإن هذا النهج سوف يعيد شعبنا إلى عصور العبودية، والإحباط والنسيان، بل من المرجّح أن يتحوّل بلدنا إلى بؤرة لتصدير الإرهاب، وفتيل لنزاع إقليمي ودولي لا سبيل لاحتوائه بالسبل الدبلوماسية". والأهم لم ينس أن يذكر أن "أي تراخ من جانب المجتمع الدولي أو التفريط بالمركز القانوني للدولة، او حتى التعامل مع المليشيات كسلطة أمر واقع، من شأنه أن يجعل من ممارسة القمع وانتهاك الحريات العامة سلوكاً يتعذّر التخلص منه بأي حال".
لا يمكن الاختلاف مع ما يقوله رئيس مجلس القيادة عن جماعة الحوثيين والضرر الذي ألحقته بالدولة والمجتمع منذ انقلابها قبل سنوات، أو بشأن انتهاكاتها وخطورتها في المستقبل، إذا ما بقيت بالعقلية والممارسات نفسها التي تجعلها أقرب إلى طالبان اليمن، لكن حديث العليمي عن عدم وجود تنازلاتٍ إضافية قد تقدّمها الحكومة لا يمكن الاعتداد به.
يعي العليمي، الذي جاء بين ليلة وضحاها رئيساً لمجلس القيادة، أن القرارات الخاصة بالشأن اليمني لا تؤخذ من حكومته، وأن المجلس والحكومة مجرّد منفذين لما سيُفرض عليهما عندما يحين أوان التسوية مع جماعة الحوثيين، فتجربة عبد ربه منصور هادي يُفترض أنها لا تزال ماثلة أمامه، إذ انتهى دور الأخير واختفى عن الأنظار في غمضة عين، ولم يجد حتى من يسأل عنه من المسؤولين الذين كانوا يحيطون به ويتملّقونه سنوات، إذ اكتفى هؤلاء بالتصفيق للخلَف. انشغل مسؤولو الشرعية على مدى سنوات الحرب بتمتين أوضاعهم الخاصة، وتعاطوا مع الحرب على أنها فرصة لمراكمة الرواتب بالعملات الصعبة والثروات، ولم تكن مواجهة الحوثيين بعيداً عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أولوية لمعظمهم. ولذلك لم يكن صعباً أن يخرُج القرار السياسي والعسكري من يد الشرعية تباعاً، حتى تتحوّل إلى مجرّد طرف هامشي في الأزمة، تُستدعى عندما تتطلب الصورة حضورها فقط للتوقيع وتقديم مزيد من التنازلات.