الدجاج العربي في انتظار الردّ
فرقٌ كبير بين أن تنتظر ردَّ محور المقاومة العربي على الجرائم الإسرائيلية من منطلق الثقة في أنّ هذه المقاومة هي الأمل الوحيد للحفاظ على الكرامة والانتصار لقضية القضايا، فلسطين وأن تنتظر هذا الردّ من موضع المُتفرِّج المُنبطح على بطنه، في انتظار وجبةٍ دسمةٍ من الشماتةِ برقاعةٍ في مبدأ المقاومة ذاته، وتمنِّي انهياره وانهزامه.
فرقٌ بين دجاج يصيح في حظائر الترفيه تطلّعاً إلى الإجهاز على ما تبقّى من عقباتٍ أمام تحويل الوطن العربي كلّه مدينةً ترفيهيةً عملاقةً تديرها إسرائيل وتحرُسها أميركا، وبشرٍ حقيقيين يحفظون تاريخهم، ولا ينسون ثأرهم، ويُقدِّسون مُقدَّسهم.
في ضوء هذه الثنائية، لا يبتز أحدٌ محور المقاومة بخلاعة الأسئلة عن موعده وحجمه ومداه، ولا يسخر من تأخّره، سوى ذلك الحشد الترفيهي المُلتفُّ كأسراب الذباب حول أضواء أوركسترا المتصهينين العرب، الذين يبثُّون فحيحهم الأجير ليلاً نهاراً عن انتهاء مشروع المقاومة في غزّة، وانهزامه في لبنان والعراق واليمن، فيما يدرك كلّ مُحبٍّ للحقِّ وللمقاومةِ بأنّها قادرةٌ على الردِّ، ومواصلة النضال، وإلحاق الأذى بالعدوّ، وبمحوره الممتدِّ من واشنطن إلى الشرق الأوسط، وهو المحور الذي يضمُّ غالبيةَ الأنظمةِ العربيةِ، التي وضعت بيضها كلّه في حجر إسرائيل، وباتت تعتبر التطبيع معها ضرورةً وجوديةً، ومعركةَ مصير تستحق أن تسحقَ شعوبَها وتعاديها.
أعاد زعيم المقاومة اللبنانية، حسن نصر الله، في حديثه أمس، تأكيد ثوابت هذه المعركة في النحو الذي تنظر إليها به المقاومة الفلسطينية في غزّة والضفّة الغربية، وأكثر هذه الثوابت أهمّية أنّ "طوفان الأقصى" لم يكن مغامرةً أو قفزةً في الفراغ، أو نوبةَ غضبٍ استعراضيةً عابرةً ضدّ الإهانات الصهيونية المُتكرِّرة، بل هي معركةٌ ممتدَّةٌ وباقيةٌ ما بقي الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، ومن ثمّ ليس من الوارد على الإطلاق أن ترفع هذه المقاومة الراية البيضاء أو تبحثَ عن مساحة لها في مزرعة الدواجن العربية، الممتدَّة من المحيط إلى الخليج، التي تتغذَّى على الحبوب الأميركية والإسرائيلية.
تحدّث نصر الله وتحدّثت مقاومة غزّة، ومقاومة اليمن، فدبَّ الهلعُ داخل المحور الأميركو- صهيوني العربي، فجرت عملية استدعاء لعبة الوساطة والتهدئة من جديد، بعد ساعات من الإعلان رسمياً عن موتها أكلينيكياً بعد الجريمتين الإسرائيليتين في ضاحية لبنان الجنوبية وفي طهران، وهو ما يعكس حالة الذعر التي يعيشها الاحتلال منذ أسبوع كامل ترقُّباً للردِّ القادم من إيران ومن لبنان، وهي الحالة التي تحدّث عنها نصر الله بيقين، التي تنعكس إسرائيلياً في تجهيز بنيامين نتنياهو وحكومته المخابئ.
ويبقى أكثر ما يسفر عنه حديث المقاومة أهمّية أنّه يُجدّد ثقة المواطن العربي في ذاته، ويمنحه ذلك اليقين بأنّ الاستسلام للإرادة الصهيونية ليس أمراً محتوماً، وكما فاجأت المقاومة الفلسطينية العدوّ بطوفان الأقصى، فإنّها قادرة أنّ تباغته مرّة أخرى ببطشة كُبرى، على الرغم من الحرب التي يشنّها الرسميون العرب ضدَّها في مدار عشرة أشهر، بالوحشية ذاتها التي يضرب بها الاحتلال غزّة.
وفي ذلك، ليس ثمّة افتئات على عديد الأنظمة العربية المرتبطة عضوياً بالاحتلال، وهي الأنظمة التي كانت تأخذها التبعية لأميركا إلى طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني، ثمّ قرّرت أن تذهب إلى طلب التطبيع رأساً من تلّ أبيب، فانتهى بها الحال إلى التبعية لإسرائيل مباشرة.
هنا تحضر اعترافات صريحة على الهواء مباشرةً أدلى بها عبد الفتاح السيسي في العام 2023، حين كان يتحدّث عن "مؤامرة الشعب المصري" في 25 يناير (2011)، وكيف نجح الجيش في وأدها، فقال: "تواصلنا مع إسرائيل في 2011 لطلب إدخال قوات إضافية إلى سيناء والسيطرة على الوضع. والحقيقة، الردُّ كان إيجابياً، وتمّ التحرّك بالتنسيق معاهم، وده اللي مستمرّ لحدِّ دلوقتي".
توسّع هذا التنسيق المستمرّ، وضمّ عواصمَ عربيةً عدّة، بات حرصها على صلابة العلاقة مع الاحتلال أكبر عشرات من الحرص على بقاء الشعب الفلسطيني، وهي الحالة التي اتضحت تماماً مع غزوة المُسيَّرات الإيرانية ضدّ المُحتلّ في إبريل/ نيسان الماضي، التي أكّدت أسوأ الظنون والتصوّرات النظرية عن حجم (ومستوى) العلاقات بين محور التطبيع العربي والكيان الصهيوني، الذي عبّر عن نفسه بهذه الانتفاضة الرسمية العربية ضدّ المُسيَّرات والصواريخ الإيرانية، لمنعها من إصابة عمق فلسطين المُحتلّة.
شيء أسوأ من هذا يُصطفُّ حوله الآن، مع تلويح محور المقاومة بالردّ الحتمي.