السارق والمسروق
ليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يخرُج بها زميل مهنة ما، لكي يهاجم الآخر، ولكن متأخّرا أيضا، بمن في ذلك زملاء مهنة التمثيل أو المشخّصاتية، ففي كل مرّة هناك هجوم يشنّ بين أصحاب المهنة الواحدة، وهذا يذكّرك بمعلم بائس وبمجرّد إحالته إلى التقاعد يبدأ في الهجوم على مدير المدرسة الذي طالما تملقّه ونافقه، وكان من المطبلين والمسحّجين، مع الإشارة إلى أن مصطلحي التطبيل والتسحيج من المصطلحات الجديدة التي كثر تداولها هذه الأيام، وعلى كل الصعد. ولذلك، أنت تكتشف أن الزملاء، مثلا، أو أصحاب الكار الواحد يظلون على علاقةٍ طيبةٍ أو يوحون لك بذلك، وبمجرّد أن يفترقوا أو أن يصبح أحدهم في الظل فسيبدأ في شنّ الهجوم وكشف المستور. وهنا تتساءل: هل ينطبق على هذه الحالات المثل القائل: إذا اختلف السارقان فسوف يظهر المسروق؟
هاجمت الممثلة نجلاء فتحي الزعيم عادل إمام، ويكفي أن تذكر لقبه لكي تعرف أن ثمنا كبيرا قد دفعه ليحصل على هذا اللقب. أما أنت، المشاهد والمواطن من عامة الشعب، فلأنك بائس ساذج فقد اقتطعت ثمن تذكرة فيلمه الجديد المعروض في السينما من راتبك، وحرمت أطفالك من هذا المال المقتطع، لكي تشاهد الفيلم بمجرّد أن أصبح في دور العرض، ولكي تسهم بوضع ذرّة رمل فوق كومةٍ من الرمال على الشاطئ، وهذه الكومة وضعت عليها لافتة اسمها "الزعيم".
شنّت نجلاء فتحي، المتوارية عن الأضواء منذ سنوات، هجوما على عادل إمام، في تسجيل صوتي مسرّب لها يعود إلى العام 2011، وكانت وقتها تدلي به لمجلة الكواكب المصرية التي توقف صدورها أخيرا، وقد أصرّت، حسب تصريح الصحافي، على تسجيل رأيها صوتيا، لأنها مسؤولة عنه، ولكي لا يتعرّض للتشويه. وبالفعل، أشارت نجلاء إلى سقطات الزعيم وحرصه على مسح الجوخ مع الساسة، ومن ذلك علاقته بالرئيس المصري الراحل، حسني مبارك وابنه، وأن هذا الحرص قد ترجمته على أرض الواقع أفلام له كانت تمرّر سياسات مبارك، خصوصا تجاه تيار الإخوان المسلمين الذي حرص عادل إمام، ومن خلال دسّ السم في العسل، على محاربتهم.
لا يخفى على أحد أن هجوم نجلاء فتحي الذي أذيع أخيرا بعد أن احتفظ به الصحافي أكثر من عقد قد جانب معظم الحقيقة، ولكنه كان حادّا ومكشوفا بعكس ما دأب عليه متتّبعو مسيرة عادل إمام الذي تحوّل من فتى مشاغب إلى زعيم، وحيث أطلق هؤلاء المتتبعون والراصدون على ما اتّبعه عادل إمام خلال مسيرته الفنية اسم الذكاء الفني. والحقيقة أن عادل إمام قد نجح ببراعة في التأقلم مع مساحة الحرية في كل عصر من عصور التقلب السياسي في مصر، فمثلا، ومن خلال التعاون مع مخرجي سينما الثمانينيات، أو ما أُطلِق عليه تيار الواقعية الجديدة، ويمكن تصنيف سينما الثمانينيات بأنها نقلة في تاريخ السينما المصرية، وحيث تزامن ذلك مع اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وحيث قدّم عادل إمام فيلم "الغول" الذي أثار ضجّة كبرى، حينما اعترضت الرقابة على مشهد النهاية فيه، إذ ادّعت أنه مشابه لحادثة اغتيال السادات، ولم تُعرض النهاية وقتها في السينما، وإنْ أعيدَت بعد ذلك، وقد تلا تلك الفترة تقديمه أفلاما وصفت بأنها أدوات للتنفيس عن نظام مبارك، حتى قيام ثورة يناير.
الحقيقة أن أفلام عادل إمام كانت بإدارة فريق كتابة وإخراج يستحق المحاسبة معه. وإذا امتلكنا بعض الإنصاف، فعلى قدر ما كان عادل إمام ماسحا للجوخ، فقد أطلق صرخات الشعب المطحون، مثل صرخته التي انتهى بها فيلم "النوم في العسل". وإذا كانت نجلاء فتحي قد حاولت تصفية حساب شخصي معه، فقد استفاد من ذلك الصحافي الذي سرّب التسجيل القديم أكثر من أي طرف آخر في هذه الزوبعة العابرة على تاريخ الزعيم.