الصامتون عن تسريبات نوري المالكي
تسريبات نوري المالكي التي ينشرها، بالصوت، الصحافي العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل، تثير تساؤلاتٍ، لكنها أيضاً تقدم إجابات. من بين ما يعلق في الذهن بعد الاستماع إلى حديث الحرب والدم والذبح، عدم رضى المالكي التام عن خيارات إيرانية خاصة في العراق، كقوله إن إيران "دعمت مقتدى الصدر من أجل جعله نسخة ثانية من حسن نصر الله"، أو كوصفه الحشد الشعبي بأنه "أمة الجبناء"، مع أنه يسبق هذا الوصف باعتراف بأنه (أي المالكي) أراد جعل الحشد الشعبي "مشابهاً للحرس الثوري الإيراني". عدم تعليق إيران على ما يمسّها على الأقل في التسريبات، مع أن عمر نشرها تجاوز الأسبوع، لا غرابة فيه، ذلك أن حكام طهران باتوا عاجزين عن ضبط إيقاع الخلاف داخل "البيت الشيعي" منذ فهم مقتدى الصدر أن جزءاً كبيراً من العراقيين الشيعة يريدون فعلاً دولة طبيعية جديرة باسمها، لا تحكمها إيران ولا أميركا ولا تقوم على غلبة طائفية. الحل الأمثل بالنسبة إلى إيران الرسمية أن يتفق شيعة العراق في ائتلاف حاكم واحد مثلما حصل بالفعل طوال سنوات ما بعد 2003. عشرات الوساطات لتحقيق هدفها هذا فشلت منذ قتلت أميركا قاسم سليماني قبل عامين. أما الرد اليوم على تسريبات نوري المالكي، مهما كانت طبيعة الرد، فإنما يصعب أن يأتي بنتيجة لمصلحة طهران. تبنّي إعلان الحرب على مقتدى الصدر وأتباعه سيكون انتحاراً لمشروع إيران في العراق والمنطقة. أما التخلي عن نوري المالكي، فهو بالنسبة إليها كسلخ الجلد عن العظم، بما أن الحديث هنا هو عمّن ينافس قلةً من آخرين على لقب الرجل الإيراني الأول في البلدان العربية التي ترزح تحت سطوة حكم النظام الإيراني. أما والحال كذلك، فلربما كان الحل الأمثل بالنسبة إلى المسؤولين في طهران، الذي قد يتحقق قريباً جداً، نفيهم صحة هذه التسريبات، تماماً مثلما فعل نوري المالكي.
والهرب نحو نفي ما هو ثابت، فعلٌ لا ردّ فعل عند المحور الإيراني في المنطقة. هو كمثل ارتكاب أبشع الجرائم الطائفية وتبنّي أعنف السياسات المذهبية، وعندما يرتفع صراخ ضحية ما، تنهال الأصوات والرصاصات المندّدة بطائفيتها من منابر ذلك المحور. الطائفية عندهم سياسة ثابتة، كذلك الحروب الأهلية والتقسيم وتغيير هوية بلدان عربية، أما الشكوى من ذلك، فإنما هو انعزالية وصهيونية وخدمة جليلة لأميركا.
بحسب ما يقول الصحافي علي فاضل لـ"العربي الجديد"، إن التسريبات هي محضر جلسة واحدة للمالكي قرّر فاضل بثّها على ستة أجزاء، حتى لا ينسى العراقيون مضمونها، لأنهم "قصيرو الذاكرة" على حد وصفه. والجلسة المسرّب مضمونها عمرها أشهر، أي منطقياً تعود إلى ما بعد انتخابات أكتوبر التي فاز فيها الصدر وحلفاؤه، وما بعد تشكل ذلك التحالف العريض ما بين الصدر والحلبوسي والبارزاني، وقبل انسحاب الصدر من العملية السياسية واستقالة نوابه. لا غرابة في ذلك، فالتحالف ذاك، بما هو جامع ما بين الطائفتين الكبريين في العراق، والقوميتين الكبريين، هو أشد ما يكرهه نوري المالكي وصحبه داخل العراق وفي إيران، من الباحثين عن أتباع سنّة وأكراد، لا عن حلفاء. أما وأنه أصبح هناك حلفاء حقيقيون للصدر، فإن العراق يصبح، بحسب المالكي، "مقبلاً على حرب طاحنة لا يخرج منها أحد إلا في حال إسقاط مشروع مقتدى الصدر ومحمد الحلبوسي ومسعود البارزاني" الذي يريد "ضرب الشيعة عبر احتضان "السُّنة"، واختراق الوضع الشيعي باستخدام مقتدى الصدر.
يخبرنا نوري المالكي في تسريباته أنه أخبر مصطفى الكاظمي بأنه لا يثق بالجيش ولا بالشرطة، لذلك "سأقوم بتسليح نفسي وأُقاتل ولدينا دبابات ومدرعات ومُسيَّرات، وما يدريكم لعلّي أهجم على النجف". انتظار ردّ من رئيس الحكومة، قائد القوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، على خطاب الحرب والقتل المالكيَّين، هو كانتظار غودو تماماً، أو كالأمل في أن يعدل النظام الإيراني الحالي عن مفاقمة الخراب العربي.