''العربي الجديد'' في سنتها العاشرة

19 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

أطفأت صحيفةُ "العربي الجديد" شمعتها العاشرة في ظروف إقليمية ودولية تكاد تختلف كلّياً عن تلك التي شهدت انطلاقتَها قبل عشر سنوات. فقد تزامن صدورُها مع تفجّر تناقضات الثورات العربية، التي كانت، آنذاك (2014)، تتلمّس سبُلَ التحوّل إلى الديمقراطية، بما يفتح أمام شعوب المنطقة آفاقَ الحرّية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.

حرصت ''العربي الجديد''، منذ انطلاقتها، على انتهاج خطٍّ تحريريٍّ متوازنٍ، يجمع بين الانحياز لتطلّعات الشعوب العربية والقضايا المصيرية للأمّة، وفي مُقدمّتها قضايا التحرّر والنهضة والتنمية، والحرص، في الآن ذاته، على حرّية الرأي والاختلاف المسنودة بالمسؤولية المهنية. فاستضافت، على سبيل المثال، أصواتاً تباينت طروحاتُها واجتهاداتها بشأن الأسباب التي أفضت إلى إخفاق ثورات الربيع العربي. فلم تتردّد في نشر مقالاتٍ كان تقديرُ أصحابها أنّ الإسلام السياسي العربي، بمختلف أطيافه، يتحمّل مسؤولية إخفاق هذه الثورات وخروجها من مساراتها التي كان يُفترض أن تنعطف إليها. لكنّها أيضاً أفسحت مساحة واسعة أمام زوايا نظر مغايرة في فهم ذلك الإخفاق، وتفكيك أسبابه، لا سيّما تلك التي حمّل أصحابُها العسكرتاريةَ العربيةَ، وقوى الثورة المضادّة، والدولَ الغربية الكُبرى، مسؤولية ما آلت إليه هذه الثورات.

علاوةً على ذلك، ظلّت فلسطين في قلب ''العربي الجديد'' مواكبةً وتحليلاً واستشرافاً. وكان لصعود اليمين الصهيوني المُتطرّف في إسرائيل، والتطوّر النوعي في أداء المقاومة الفلسطينية، وانتقال التطبيع العربي الإسرائيلي إلى أطوار جديدة... كان لذلك كلّه أثره في تبوُّء القضية الفلسطينية مكانةً خاصّةً في رؤية ''العربي الجديد'' وأدائها. وجاء ''طوفان الأقصى''، وحرب الإبادة الجماعية في غزّة، والارتجاج الأخلاقي والسياسي الذي واكبهما، إقليمياً ودولياً، ليفرض على الصحيفة والموقع إيقاعاً جديداً في تغطية الأحداث والوقائع للمقتلة المفتوحة في غزّة منذ نحو سنة.

وعلى الرغم من أنها حرصت منذ البداية على التخفُّف من النزعة العروبية الأرثوذكسية، إلّا أنّ توجهها العروبي، المعتدل والديمقراطي، لم يرقْ المنظومة الرسمية العربية المحافظة بطبيعتها، فتعرّض موقعها الإلكتروني للحجب في غير بلد عربي، في مسعىً لتقليص قاعدة القرّاء الذين يتابعون ما يُنشَر على صفحات الصحيفة، وفي أقسام الموقع، من تقاريرَ ومتابعاتٍ. والمفارقة أنّ التضييق الذي تعرّضت له الصحيفة، خاصّةً خلال سنواتها الأولى، ساهم في توسيع قاعدة قرّائها وتنوّعهم في مختلف البلاد العربية.

في السياق ذاته، كان لافتاً حرصُ ''العربي الجديد'' على أن تكون منفتحةً، أولاً على الجغرافية العربية المُمتدَّة بمختلف مكوّناتها، من دون ''مركزية مشرقية''، ما أتاح ذلك للقارئ العربي التعرّف، عن كثب، إلى ما تعيشه البلاد العربية من معضلات وما تجابهُه من تحدّيات، وثانياً على الصوت النسوي، من خلال حضوره المتواتر في صفحاتها، بما يتيحه ذلك من التعرّف إلى انشغالات الكاتبات العربيات ومواقفهن وآرائهن في غير شأن.

من ناحية أخرى، لم يمنع ما ورد أعلاهُ ''العربي الجديد'' من خوض تجربة جديدة وغير مسبوقة في الصحافة العربية؛ تتعلّق بإصدار كتاب "سحر كرة القدم''، تزامناً مع احتضان دولة قطر نهائيات كأس العالم لكرة القدم (2022). كانت فكرة الكتاب فريدةً، لا من حيث الجهة المشرفة عليها وحسب (بالنظر إلى عزوف المؤسّسات الصحافية العربية الكبرى، عموماً، عن خوض مثل هذه التجارب)، بل أيضاً لأنّها أعادت الاعتبار لأدب كرة القدم في الثقافة العربية، فضمّ الكتاب مقالاتٍ بديعةً لأدباء ومبدعين عرب وأجانب، من مختلف المشارب الثقافية والأدبية، تحدّثوا فيها عن تجاربهم الشخصية مع كرة القدم.

عايشت ''العربي الجديد'' المخاضات العسيرة التي واكبت إخفاق ثورات الربيع العربي، وكانت شاهدةً على المآلات المأساوية التي انعطفت إليها القضية الفلسطينية. كما كانت في قلب التحوّلات التي تشهدها المجتمعات العربية. هذه الحصيلة تفرض عليها خوض تحدّيات جديدة، باستدعاء ما يستجدُّ من وقائع وقضايا وأسئلة وتحليلها، في ضوء التحوّلات الجارية في المشهدَين الإقليمي والدولي، وبالأخص في ما له صلة بالقضية الفلسطينية التي تمرّ بمنعرج مفصلي، مفتوح على الاحتمالات كلّها.